رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: حاتم محمد عبد القادر 5 يوليو، 2011 0 تعليق

الأزهر الشريف.. من يعيد ريادته ومجده القديم؟

 

ظل الأزهر على مر تاريخه قبلة لراغبي العلوم الإسلامية من فقه وتفسير وحديث وعقيدة والقرآن وعلومه، وكل ما يتصل بالعلم الشرعي؛ نظراً لما تمتع به الأزهر من سمعة طيبة في اعتداله ومنهجه الوسطي المعروف به.

      وظل الأزهر لقرون طويلة رمزاً للنضال والوقوف ضد الظلم وفي مواجهة الطواغيت والمتجبرين على الناس وله في ذلك صفحات طويلة في تاريخ الإنسانية، ولعل ما ساعد في ذلك أن الله عز وجل حباه بعلماء وشيوخ لا يخشون إلا الحق ولا يطلبون سواه فقواهم الله وحصنهم بإيمانه فنصرهم على الغزاة والطغاة.

       ويبرز دور الأزهر الرائد في أيام الاحتلال الفرنسي لمصر وإصراره على رأي الدين الحق في عهد الملك فاروق وكان وقتها شيخ الأزهر الشيخ محمد المراغي رحمه الله وفي ثورة يوليو وغيرها.

        كان الأزهر له هيبة يوقرها ويقدرها الحاكم، وكان شيوخ الأزهر أقوياء لا يطمعون في منصب أو جاه وهو ما حفظ للأزهر هيبته وساعده على أداء رسالته باقتدار.

      ولكن ضعف دور الأزهر بعد ثورة 1952 وإصدار قانون، الأزهر رقم 103 لسنة 1963 والذي حول الأزهر إلى جهة تابعة للدولة؛ الأمر الذي أثر في قراره واستقلاليته، كذلك الاستيلاء على أوقافه التي كانت تدر عليه دخلاً وفيراً تنفق على أداء رسالته.

      واليوم وبعد ثورة 25 يناير التي اندلعت في مصر (بلد الأزهر) هبت جموع غفيرة من الأزهريين الغيورين على الأزهر ليطالبوا باستقلال الأزهر سياسياً ومالياً وباستعادة مكانته العالمية ليكون شيخ الأزهر شيخاً لكل المسلمين في جميع بلاد العالم وليس مصر فقط، مطالبين بضرورة عودة هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف التي تنتخب شيخ الأزهر، لا أن يعينه رئيس الجمهورية، وبالتالي فيكون الأزهر جهة يؤتى إليها ولا يذهب لأحد مهما علا سلطانه.

      بيتغير قانون الأزهر حتى يكون جهة مستقلة ولها كيان واعتبار، وأذكر هنا مواقف الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، شيخ الأزهر الراحل الذي كان آخر شيوخ الأزهر الذين حافظوا على كرامة وشأن الأزهر في العصر الحديث ومعروف عنه مواقفه الواضحة والجريئة، وهذا ما نحتاجه اليوم للأزهر في ظل التغيير الذي تمر به دولته ومنطقته.

      ونرجو أن يتفرغ الأزهر لتنقيته من الشوائب التي علقت به ومناقشة السبل التي تعيده  لسابق عهده ومجده فيعود إلى دوره الريادي لقيادة الأمة الإسلامية.

      «الفرقان» ناقشت هذا الملف المفتوح مع بعض علماء الأزهر الذين اتفقوا جميعهم على ضرورة انتخاب شيخ الأزهر من هيئة كبار العلماء كما كان في السابق وعودة كل ما يعزز دور الأزهر لينهض مرة أخرى رائداً للأمة الإسلامية.

الفرصة للعلمانيين

      بداية يتحدث أ.د/ عبدالغفار هلال، والأستاذ بجامعة الأزهر موجوعاً قائلاً: نحن نرى أن الأزهر لا بد أن يأخذ دوره الريادي ؛ لأن مغيب الأزهر عن الساحة الريادية يؤدي لضعف الحياة الاجتماعية والدينية في الأمة العربية والإسلامية، فكان هذا الدور واضحاً في القديم، ونابعاً من مصر، ثم مرت بالأزهر ظروف ضعف فيها دوره ولمسناه، وليس الضف في علماء الأزهر فهم أقوياء، ولكن لم تفرغ لهم الساحة أو لم توسع لهم الساحة ليؤدوا هذا الدور، فوسائل الإعلام سمحت لغيرهم بالتحدث واعتلاء منابرها في حين يحجب علماء الأزهر وهم على كفاءة عالية أن يتحدثوا في كل ما يهم الأمة دينياً واجتماعياً وما يطلبه الحكام منهم، ولكن الإعلام والصحف فتحت صدرها لغيرهم باسم العلمانية التي لا تريد للأزهر أن يأخذ دوره وظهرت دعوات بأن الدين والتعليم الديني  يؤدي إلى التطرف وهذا من إيحاءات العلمانيين على الساحتين العربية والإسلامية.

      والأزهر والمدارس التي على نطاقه في السعودية والكويت مثلاً وغيرها هذه المؤسسات لا تؤدي للتطرف، ولكن أعداء الأمة اخترعوا ذلك ليحجموا دور الأزهر عن الظهور على عكس ما كان عليه أيام مجده في عهده القديم.

      هناك أيضاً عوامل جانبية منها إضعاف المناهج في فترة من الفترات، وهناك أيضاُ العوامل المالية فالأزهر له أوقاف والدولة استولت عليها وهذا أيضاُ أدى إلى إضعاف دور الأزهر.

      وحتى  يعود للأزهر دوره الريادي وعهده القديم فأرى ضرورة عودة هيئة كبار العلماء على نظام آخر غير الذي عليه الآن مجمع البحوث الإسلامية، فأكثر من نصف أعضائه من غير المتخصصين في علوم الدين وشريعته؛ ولهذا فإن قرارات المجمع لا تعبر عن الرأي الشرعي السليم ولا يضم المجمع من الخارج إلا قليلا، وعليه نريد أن تنتخب هذه الهيئة من كبار أساتذة الأزهر من الكليات الشرعية، وأن يضم علماء من كل المؤسسات الإسلامية في العالم الإسلامي؛ لأن شيخ الأزهر في النظام القديم لم يكن مصرياُ بالضرورة، فالشيخ الخضر حسين (رحمه الله) أحد شيوخ الأزهر اللامعين كان تونسياً.

      وحتى يكون للأزهر استقلاليته ولا يعنيه حاكم أو سلطان نريد أن يكون شيخه شيخاً للعالم الإسلامي ولمعالجة قضاياه بالتعاون مع هيئة كبار العلماء والمشاركة في وضع الدساتير في العالم الإسلامي فيكون على نظام الأزهر، فقديماً كان الأزهر يعين الحاكم، فالشيخ عبدالله الشرقاوي وهيئة كبار العلماء اختاروا محمد علي باشا والياً على مصر.

       أ.د/ مجاهد توفيق الجندي، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بكلية اللغة العربية يتحدث متحمساً فيقول: أولاً لا بد أن يستقيل شيخ الأزهر الحالي ولا بد أن يعاد انتخاب هيئة كبار العلماء من جديد؛ لأن مجمع البحوث الإسلامية ليس هو هيئة كبار العلماء ؛ لأنهم ليسوا على مستوى هيئة كبار العلماء فبعضهم تم تعيينهم بطريق المجاملة، وأرجو أن يكون شيخ الأزهر ممن درسوا الشريعة الإسلامية وليس أصول الدين وخصوصاً في هذا العصر؛ لأن رجل الشريعة هو الضليع في الفتوى، فقد درس المذاهب الأربعة وأصول الدين، ثم يعاد الأزهر القديم الذي وقف علماؤه وأئمته في وجه الطاغوت والظالمين من الحكام أمثال الشيخ الدردير والشيخ العطار وغيرهما كثير  ولا بد من غربلة مناهج الأزهر الحالية، ووضع من يقوم على شؤون الأزهر وخدمته من العلماء الذين وضعوهم في الظل من جبهة علماء الأزهر.

ليست كافية

       وحين سألت د/مجاهد عن رأيه في وثيقة الأزهر لمستقبل مصر بعد الثورة أجاب بأنها ليست كافية فكان ينبغي أن تعرض على كبار علماء الأزهر ولكن ما حدث أنها صدرت بالتعاون مع عدد من المثقفين والقضاة والمحامين وهذا لا يكفي.

من مد رجليه لا يمد يديه

      فأنا أريد استعادة مجد الأزهر وريادته ولا يحدث هذا إلا بأن يراجع علماؤه أمهات الكتب الإسلامية وليس قشورها، فتعاد المناهج القديمة وأن يعود علماء أمثال الشيخ عبدالله الشرقاوي الذي وقف ضد الفرنسيين والشيخ الدردير الذي وقف ضد الظلم، والشيخ العدوي عندما جلس ومد رجليه في الأزهر وكان السلطان سيحضر فقالوا له: إن السلطان سيمر وسيعطيك عطية، فقال العدوي: «من مد رجليه لا يمد يديه» «وجاء السلطان صاغراً وأعطاه سرة مال فوزعها الشيخ على الطلاب.

      والأمثلة كثيرة على نضال الأزهر وقد تحدثت عنها في إذاعة القرآن الكريم في برنامج «تاريخ ورسالة» وعندما وصلنا إلى وقوف الأزهر في وجه السلاطين الظالمين والولاة المفترين أوقفوا البرنامج وقالوا لي هذا خط أحمر وسيلغوا لنا إذاعة القرآن الكريم وأوقفوا البرنامج بعد 9 أشهر من تقديمه وما زال موقوفاً حتى الآن.

      أما أ.د/ محمد رأفت عثمان، أستاذ الفقه المقارن والعميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر فيقول: من المعروف أن الأزهر منارة علمية موجهة للمسلمين كافة على أنحاء الأرض فهو المرجعية الإسلامية الكبرى التي ينظر إليها كثير من الناس عندما يحتاج الأمر إلى رأي في المسائل الكبيرة التي تعترض الأمة، وعلى الرغم من أن الأزهر لم يكن في الفترة السابقة على النحو الذي ينتظره العالم الإسلامي منه، فإنه الآن في سبيل النهوض برسالته وتكثيف قيادته العلمية للأمة الإسلامية ومن الطبيعي أن يكون الأساس العلمي لمن يتخرج في الأزهر أساساً مرتبطاً بالتراث الإسلامي تفسيراً وحديثاً  وعقيدة وفقهاً ولغة، مع أن المناهج الدراسية كانت قد غيرت في عهد شيخ الأزهر السابق إلى كتب ألفها هو في الفقه الإسلامي، ونرجو أن تكون المناهج الدراسية من كتب التراث في الفقه الإسلامي، وهذا سيؤدي إلى تخريج أزهريين في الناحية العلمية ؛ لأن الكتب التراثية لها طابع في التأليف، لا يستطيع المطلع عليها أن يفهمها بيسر، فإذا تعود خريجي الأزهر على دراسة هذه الكتب الدراسية فإنه يتسع أفقه العلمي وتعظم مداركه العقلية، كما أن مما ينهض بالأزهر أن تعود إليه أوقافه التي أوقفها المسلمون إليه، ففي عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر صودرت الأوقاف المرصودة للأزهر ووزعها على ما كان يعرف في زمنه بالإصلاح الزراعي، فالأوقاف التي تخص الأزهر أوقاف كبيرة جداً وتكفي للإنفاق عليه من غير احتياج للدولة في كثير من الأحيان، فلو عادت هذه الأوقاف لكانت أحد أسباب النهوض بالأزهر.

      و يواصل د/عثمان كلامه قائلاً: ومع أن جمال عبدالناصر صادر هذه الأراضي والعقارات من الأزهر ووزعها على الفلاحين فإن استرداد هذه الأراضي والعقارات بعينها أمر عسير جداً، لكن الحل في رأيي أن تلتزم الدولة بأثمان هذه الأراضي والعقارات وتدفعها للأزهر، فالدولة ممثلة في حاكمها جمال عبدالناصر هو الذي ضيع هذه الأوقاف، مع أن الوقف من الناحية الشرعية لا يجوز أن يغير عن الغرض الذي خصصه الواقف إلى غرض آخر وشدد العلماء في ذلك تشديداً غليظاً حتى إنه اشتهر عند الفقهاء أن نص الواقف كنص الشارع،فمن يعيد الأوقاف إلى الأزهر حتى تقوم بواجبها تجاه المسلمين في شتى أنحاء المعمورة كما كانت صرحاً شامخاً ومنارة علم.

قناة فضائية

كما أرى أن الأزهر محتاج بالنهوض في رسالته من خلال قناته الفضائية التي تعبر عن آرائه في القضايا الخطيرة وتوجه الناس التوجيه الإسلامي الصحيح البعيد عن التعصب، المتسم بالوسطية واليسر وهو المنهج المعروف به على مدى العصور المختلفة وشارك فيها علماء أفذاذ.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك