رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان.القاهرة/مصطفى الشرقاوي 2 يوليو، 2012 0 تعليق

الأزمة الاقتصادية والاحتقان السياسي والشكوك بين الأحزاب.. وراء تفجير الأوضاع- السودان على فوهة بركان

 

يجانب الصواب النظام السوداني كثيرًا إذا كرر أخطاء النظم العربية التي أسقطتها الثورات الشعبية إذا اعتقد أن الرهان على القمع الأمني هو السبيل الوحيد لوأد الانتفاضة التي اندلعت في العاصمة الخرطوم وعدد من كبريات المدن السودانية ضد سياساته، أو أن يزعم أن وضعه أفضل من أنظمة بن علي في تونس أو مبارك في مصر أو القذافي في ليبيا أو حتى نظام علي عبد الله صالح في اليمن؛ فقد ثبت تاريخيًا أن القمع لا يمكن أن يوقف الثورات، بل العكس تمامًا كلما ازداد القمع ازدادت حدة الثورة اشتعالاً، وهذه هي أهم تجليات انتفاضة الربيع العربي التي اقتلعت عددًا من الأنظمة من جذورها رغم تمترسها وراء أجهزة أمنية معروفة ببطشها وجبروتها.

        والحق أن الأزمة الأخيرة في السودان تعد تطورًا طبيعيًا في ظل الوضع الحالي الخاص الذي تعانيه البلاد منذ انفصال الجنوب واستمرار الصراع في دارفور واتساع جهات التمرد في كل من جبال النوبة والنيل الأزرق؛ مما يفرض على الحكومة السودانية أن تجري تغييرات دراماتيكية في بنية النظام من أجل تخفيف قبضته على السلطة وتوفير فرصة للمعارضة لأداء دور مهم في الحياة السياسية باعتبار أن سقوط نظام البشير بالسيناريو نفسه التونسي أو المصري أو حتى الليبي يفتح الباب وبقوة أمام انفراط عقد الدولة السودانية وتحللها إلى ما يقرب من 3 دول، خصوصًا أن هناك مشكلات عميقة في كل من شرق السودان وغربه وما يطلق عليه الأقاليم المهمشة في مناطق التماس مع الجنوب.

انتفاضة شعبية

        وفي هذا الإطار لا يعد موقفًا حالة العناد التي تتعاطى بها الحكومة السودانية مع ما يمكن أن يطلق عليه الانتفاضة الشعبية أو لنقل هوجة المظاهرات ضد إجراءات التقشف التي تبنتها الحكومة، التي أدت إلى صعود كبير لأسعار المحروقات وتداعيات شديدة الخطورة على جميع السلع والخدمات المقدمة للمواطن السوداني، بل إن الأمر ازداد خطورة مع تأكيد وزير المالية السوداني علي محمود عبد الرسول أن حكومته لن تتراجع عن قرار إلغاء الدعم على المحروقات ووصوله إلى آخر الشوط بالإشارة إلى أن الحكومة قد ترفع أسعار المحروقات، مرة أخرى في حالة ارتفاع أسعارها في الأسواق الدولية.

        ومما لا شك فيه أن المظاهرات التي ضربت عددًا من المدن السودانية تعد إحدى تداعيات انفصال جنوب السودان وفقدان الشمال أكثر من 70% من عوائده النفطية وخسارته مليارات من الدولارات كانت ستدخل خزائنها رسومَ نقل وتصدير نفط الجنوب إلى العالم، وهي الرسوم التي أشعلت أزمة شديدة بين الطرفين وحدت بالجنوب لإيقاف إنتاج نفطه بعد مصادرة السلطات السودانية ملايين الأطنان من النفط الخام استقطاعًا لحقوقها في نقل نفط الجنوب.

فقر ومطالبة

        ومن المهم التأكيد أن خسارة هذه المليارات قد أسهمت في تصدر ميزان المدفوعات السوداني بشكل كبير وتكريسه لعجز الحكومة السودانية لإيجاد حلول للمشكلات المزمنة التي تعانيها الاقتصاد السوداني وفي مقدمتها اهتراء البنى التحتية وتفشي البطالة بنسبة كبيرة وتصاعد أرقام التضخم بنسبة تفوق 30%، فضلاً عن معاناة المناطق المهمشة من إهمال الحكومات السودانية التي انخرطت لما يقرب من نصف قرن في حرب طاحنة مع الجنوب تعد هي الطولى في تاريخ القارة السمراء.

        ولا يمكن قصر المشكلات التي تعانيها السودان على الصعيد الاقتصادي فقط، فحالة الاستقطاب السياسي غير المسبوقة بين الأحزاب السياسية الكبرى مثل الاتحادي والأمة والمؤتمر الشعبي وما يتخلله من مزايدات قادت البلاد إلى مواجهات هي الأعنف بين الحكومة والمتظاهرين منذ الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس السوداني السابق جعفر نميري.

        وتعود خطورة حالة الاهتراء الشديدة في الساحة السياسية السودانية إلى أنها حولت الصراع السياسي من المؤسسات الحزبية إلى حركات الهامش التي غالبًا ما تفضل رفع راية التمرد المسلح لإجبار الحكومة السودانية على الاستجابة لمطالبها الفئوية بشكل قد تعمل معه على استغلال أي فراغ في السلطة للخروج من تحت عباءة الدولة السودانية.

أجواء مشتعلة

        وتوفر مثل هذه الأجواء المشتعلة فرصة في التشكيك في ظاهرة ولاء المواطنين للدولة السودانية إذ أسهم عجزها عن القيام بأدوارها في إشعال التمرد ضدها، ومراهنة الأطياف السودانية على العودة لانتماءاتها الخاصة سواء الجبهوية أو القبائلية في ظل عجز أحزاب المعارضة عن تقديم نفسها كبديل للحكم القائم أو انخراط بعضها في شراكة كرتونية مع نظام الحكم في الخرطوم.

        ولعل حالة الاستقطاب السياسية والخلافات والشكوك بين حكومة البشير والمعارضة والصعوبات الشديدة سواء الاقتصادية أم السياسية التي تعانيها، فضلاً عن استمرار سيف المحكمة الجنائية الدولية مصلتًا على رقاب البشير وعدد من رموز حكمه، هي التي وضعت العراقيل أمام مصالحة وطنية شاملة في السودان واستمرار الحكومة في الرهان على أن القمع هو السبيل الوحيد للاستمرار في السلطة، وأن بقاء حزب المؤتمر الوطني في السلطة هو الضمان الوحيد لعدم جر رموز نظام البشير إلى لاهاي ومواجهة التهم الموجهة إليهم فيما يخص الأوضاع في دارفور.

تاريخ طويل

        غير أن النظام السوداني يتجاهل على هذا الصعيد أن الشعب السوداني هو الوحيد الذي استطاع عبر انتفاضتين شعبيتين إسقاط نظامين عسكريين هما نظام إبراهيم عبود في 1969م وجعفر نميري عام 1985م، وهو قادر على تكرار السيناريو الثالث في حالة مضي الحكومة السودانية في قمع المظاهرات وتفريق المتظاهرين كما حدث في مدن الخرطوم والأضيب وسنار والقطارف.

        غير أن الدكتورة إجلال رأفت أستاذة الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة ترى أن الأوضاع رغم صعوبتها تبدو مختلفة ولو نسبيًا عن انتفاضتي 69، و85 من القرن الماضي؛ إذ إن المعارضة السودانية في هذا التوقيت كانت قوية وقادرة على تحريك الشارع وحشده لإسقاط النظام، وهو ما يبدو غير متوافر حاليًا، فأغلب الأحزاب السودانية مصابة بالشلل بفعل الانقسامات والصراعات، والأخرى منخرطة في تحالفات هشة مع الحكومة أفقدتها أي مصداقية أمام الرأي العام.

        ولذا، والكلام مازال لرأفت، فإن الوضع يبدو شديد الخطورة والخيارات جميعها متاحة ولاسيما أن هناك لدى حزب المؤتمر الوطني الفرصة في إقرار إصلاحات جادة تزيل حالة الاحتقان السياسي، خصوصًا أن بنية النظام وتركيبته الأيديولوجية تجعل هذا الأمر شديد الصعوبة بل يمثل خطرًا على النظام نفسه أكثر مما تمثله الانتفاضة الشعبية. غير أن د. رأفت ترى أن إصرار النظام على المواجهة والرهان على القمع قد يعرضه للانهيار في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تواجهه وعجزه عن إيجاد حلول لها.

تدخل عربي

        غير أن ما ذهبت إليه الدكتورة رأفت يختلف مع تقارير استخباراتية تشير إلى وجود حالة تردد من قبل أغلبية المواطنين السودانيين عن دعم الانتفاضة خوفًا من تداعيات هذه التظاهرات على وحدة السودان والخوف من انفصال غربي البلاد وتقسيمها، وهذا ما يكشف عدم خروج السودانيين في مظاهرات مليونية لإسقاط النظام، وهو ما قد يوفر له فرصة للخروج من هذا المأزق بأقل خسارة ممكنة.

        وفي هذا السياق لا ينبغي تجاهل وجود دور دولي في إشعال الاضطرابات في السودان لاستخدامها في تكثيف الضغوط على حكومة البشير لانتزاع تنازلات منها في ملفات عديدة قد يكون من بينها الأوضاع في دارفور أو الصراع في المناطق المهمشة أو مناطق التماس والوصول لتسوية شاملة لقضايا الوضع النهائي.

        بل إن الغرب قد يعاقب الحكومة السودانية على موقفها المتشدد من الجنوب على خلفية الصراع على هجليج الغنية بالنفط؛ حيث أبدى الغرب غضبًا شديدًا من النهج المتشدد للحكومة السودانية في إدارة الخلاف مع الجنوب.

تدهور حاد

        غير أن الدكتور إبراهيم نصر الدين رئيس قسم العلوم السياسية بمعهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة يرى أن الأوضاع في السودان مرشحة للتدهور حتى لو نجحت الحكومة السودانية الحالية في إخمادها، فالربيع العربي يبدو أنه اقترب من دق أبواب نظام البشير، فالضائقة الاقتصادية التي تمر بها السودان ستجعل اللجوء إلى الشارع السبيل الوحيد أمام المعترضين على استمرار هيمنة المؤتمر الوطني على المشهد السياسي في السودان وعلى الإجراءات الاقتصادية التقشفية التي أقرها أخيرًا.

        وطالب بضرورة أن يتبنى النظام السوداني حزمة من الإصلاحات الجذرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية تزيل حالة الاحتقان وتؤشر لدور سياسي للمعارضة ولاسيما أن حزب المؤتمر الشعبي بقيادة الترابي ضالع في إشعال هذه التظاهرات.

ولم يستبعد نصر الدين أن تمتد هذه المظاهرات إلى مناطق عديدة في السودان في ظل تصاعد المطالب الفئوية ومعاناتها من التهميش؛ مما يجعل السودان على فوهة بركان لا يعلم أحد حتى الآن قوته أو الجهة التي سيتوقف بها إما باقتلاع النظام من جذوره أو إقرار إصلاحات قد تؤخر التخلص منه في المستقبل المنظور على الأقل.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك