الأزمة الاقتصادية أسبابها وآثارها وسبل العلاج
مما لا يخفى على أحد أن الأزمة الاقتصادية اليوم تعصف بالعالم شرقاً وغرباً، وهذه الأزمة الشديدة انشغل بمعرفة أسبابها وسبل مواجهتها جميع الناس، بداية من الشعوب، مروراً بالسَّاسة وأصحاب القرار وأرباب الفكر والاقتصاد، ولكن هذه الأزمة تستوجب منا وقفات لبيان بعض الجوانب الشرعية المهمة المتعلقة بها، ومن منطلق الشعور بالمسؤولية، وحرصاً منا على البلاد والعباد، كانت هذه الكلمات، حتى يُصحح المسار ونصل إلى بر الأمان جميعاً.
وهذه الأزمة شأنها كشأن أي مشكلة، لها آثار سلبية مترتبة عليها – قلنا سلبية لأنه توجد آثار إيجابية-، وكذلك أسباب حدوثها ووقوعها وفي النهاية البحث عن سبل علاجها وكيفية التخلص منها.
أولاً: الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية
الآثار السلبية للأزمة متعددة، منها: آثار عقدية، وأخرى سلوكية، وكذلك اجتماعية وسياسية.
1- الآثار السلبية العقدية
من الآثار العقدية للأزمة الاقتصادية، أصُيب كثير من الناس بالهلع والجزع والفزع والقلق لضعف إيمانهم وضعف توكلهم على الله -تعالى-، واستغل الشيطان ذلك فأوقع الكثير منهم في الشرك بالله -تعالى-؛ حيث أوهم بعضهم بالذهاب إلى العرافين والدجالين والمشعوذين، ومنهم من أوهمه أن الحل في دعاء الأولياء وطلب تفريج الكربات منهم؛ بادعاء أنهم يُديرون شؤون هذا الكون ويتصرفون فيه؛ فكان النتيجة دعاءهم وطلب المدد منهم وكشف الضر عنهم، ولبس على آخرين بالجرأة على الحرام بل وتحليله، وهذا ولا شك خلل عقدي رهيب، فمن الناس من تعامل بالربا وسماه بغير اسمه، ومنهم من نصب وسرق واحتال وبغى وظلم.
2- الآثار السلبية السلوكية
فقد انحرفت السلوكيات لدرجة تدمي القلوب، ورأينا أخلاقيات لا تليق بسلوك المسلم أبداً، مثل: خلف العهد والوعد، والكذب، والاستغلال، والاحتكار المشين الذي عده السلف من الأخلاق المذمومة، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ»، وعن عمر - رضي الله عنه - قال: «الجالِبُ مَرزوقٌ، والمُحْتَكِرُ مَحْرُومٌ، ومن احْتَكَرَ على المسلمين طَعَامًا ضربه الله بالإفلاس، والجُذام»
3- الأثار السلبية الاجتماعية
أما عن الآثار الاجتماعية فحدث ولا حرج، فإن ما يحدث في أوساط المسلمين اليوم من الخلل المجتمعي مخيف؛ حيث نرى في المجتمع تناحرا، وتقاطعا، فقد دُمرت بيوت، وقُطعت أرحام، وعُطلت واجبات وحقوق، وأصبح المجتمع هشا ضعيفا مع الأسف الشديد.
4- الأثار السلبية السياسية
إذا نظرنا إلى هذه الأزمة سياسيا سنجد أنها تسببت في حروب وتحزبات وتكتلات، فالمتأمل في العالم اليوم يجد أنه يُعيد خَنْدَقَة نفسه من جديد، ولا يخفى عليكم حجم المؤامرات الدولية لإسقاط الدول لتركع للشرق أو للغرب؛ حيث توجد حروب علنية تكاد تتحول إلى حروب عالمية - روسيا وأوكرانيا نموذجًا-، والأخطر هو وجود حروب خفية تسعى لإسقاط عملات وأشخاص واقتصاد دول، بهدف التحكم فيها والسيطرة عليها،
ونحن -المسلمين- كيف يحدث لنا هذا؟! ونحن نملك مقومات أعظم اقتصاد في العالم؛ حيث نمتلك أفضل موقع بين الأمم، وأكثر رصيد من الثروات الطبيعية والعمالة المتميزة، وأنسب طقس في العالم، ومع ذلك هذا حالنا في ذيل القائمة، والله المستعان.
ثانياً: أسباب الأزمة الاقتصادية
الأسباب التي أدت إلى هذه الأزمة عديدة ومتنوعة منها:
1- ضعف المعرفة بالله -تبارك وتعالى والجهل بأسمائه وصفاته
يكفي أن الله -تبارك وتعالى- من قبل أن يخلق السموات والأرض خلق القلم، فقال: اكتب، فقال: يا رب وما أكتب؟ قال: اكتب كل ما هو كائن إلى قيام الساعة -كالأرزاق، والأحوال، والآجال، وغيرها- فجرى القلم بما هو كائن.
وتحدث -سبحانه وتعالى- في كتابه عن قضيه الرزق رابطاً بينها وبين قضية الإيمان بربوبيته وأسمائه وصفاته فقال -عز وجل-: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (سبأ: 36)، وقال أيضًا: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} (الإسراء: 30)، وقال -سبحانه وتعالى- : {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (الشورى: 12)، وقال -تعالى-: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} (الشورى: 27)، وقال أيضًا: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (العنكبوت: 60)، وقال -سبحانه-: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} (الشورى: 19).
ومعنى الآيات وغيرها كثير في القرآن أن الله -تبارك وتعالى- هو الرب الخالق المدبر، المعطي المانع، الخافض الرافع، القابض الباسط، المقرب والمبعد، بيده الرزق فهو الرزاق، وعن علم وحكمة ومعرفة بعباده، فهو -سبحانه وتعالى- عليم بما هو أصلح لعباده؛ لذلك يبسط لمن يشاء، ويمنع عمن يشاء، لحكمة يعلمها -سبحانه وتعالى- منها.
2- الذنوب والمعاصي
لقد بين -سبحانه وتعالى- في أكثر من موضع في كتابه أن الذنوب والمعاصي هي أساس كل مصيبة وفساد في الأرض؛ حيث قال: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (الشورى: 30)، وقال أيضًا: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} (آل عمران: 165)، وقال -سبحانه وتعالى- : {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} (الروم: 41).
أما عن السنة فالأحاديث في هذا الباب كثيرة، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «يا مَعْشَرَ المهاجرينَ، خِصالٌ خَمْسٌ إذا ابتُلِيتُمْ بهِنَّ -وأعوذُ باللهِ أن تُدْرِكُوهُنَّ- : لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ حتى يُعْلِنُوا بها، إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا، ولم يَنْقُصُوا المِكْيالَ والميزانَ إِلَّا أُخِذُوا بالسِّنِينَ وشِدَّةِ المُؤْنَةِ، وجَوْرِ السلطانِ عليهم، ولم يَمْنَعُوا زكاةَ أموالِهم إلا مُنِعُوا القَطْرَ من السماءِ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَرُوا، ولم يَنْقُضُوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلا سَلَّطَ اللهُ عليهم عَدُوَّهم من غيرِهم، فأَخَذوا بعضَ ما كان في أَيْدِيهِم، وما لم تَحْكُمْ أئمتُهم بكتابِ اللهِ -عز وجل- ويَتَخَيَّرُوا فيما أَنْزَلَ اللهُ إلا جعل اللهُ بأسَهم بينَهم»، وقال - صلى الله عليه وسلم - أيضًا: «إذا تبايعتُم بالعينةِ وأخذتم أذنابَ البقرِ، ورضيتُم بالزَّرعِ وترَكتمُ الجِهادَ، سلَّطَ اللَّهُ عليْكم ذلاًّ لاَ ينزعُهُ حتَّى ترجعوا إلى دينِكُم»، وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: «ما نزل بلاءٌ إلّا بذنب، ولا رُفِع بلاءٌ إلّا بتوبة».
ومن هذه الذنوب
< الإعراض عن منهج الله -تبارك وتعالى قال -تعالى-: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (طه: 124).
- الربا
قال -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ , فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (البقرة: 278-279)، وما نتيجة هذه الحرب؟ يقول -تعالى-: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} (البقرة: 276)، وقال - صلى الله عليه وسلم - «مَا أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنَ الرِّبَا، إِلَّا كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِ إِلَى قِلَّةٍ».
- عدم شكر النعم
قال -تعالى-: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (النحل: 112)
- الفساد المستشري في أوساطنا
قال -تعالى-: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} (البقرة: 205)، وكذلك : {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (المائدة: 64)، وقال أيضًا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} (يونس: 81).حيث تُبذل جهود وطاقات وإمكانات، ولكنها نقطة في بحور الفساد.
- الظلم والبغي
قال -تعالى-: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ} (الأنبياء: 11)، وقال أيضًا: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (النمل: 52)، وقال -تعالى-: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا} (الكهف: 59)، وقال أيضًا: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (هود: 102)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ -تعالى- لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ».
- الإسراف والتبذير
قال -تعالى-: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} (الإسراء: 27)، والمتأمل يجد أنواع الإسراف – مع الأسف الشديد- أصبحت ظاهرة في الطعام والشراب وفي الملبس وتتبع الموضة، وفي الزواج وإقامة الأفراح، وفي اللعب، وفي العديد من المجالات الأخرى؛ حيث تجد في كل ذلك وفي غيره إسرافا رهيبا وتبذيرا شديدا.
لاتوجد تعليقات