رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: جهاد العايش 4 أبريل، 2016 0 تعليق

الأربعون الفلسطينية الْحَدِيثُ الْحَادِي عَشْر- الْمَسْجِدُالأقْصَى يُجَلَّى لِلرَّسِولِ صلى الله عليه وسلم فِي مَكَّةَ لِيَصِفَهُ لِقُرَيْش

كتاب (الأحاديث الأربعون الفلسطينية)، وثيقة نبوية تؤكّد ارتباط الأرض المقدسة فلسطين برسالة التوحيد عبر الأزمان كلها أولها وأوسطها وآخرها، إنها أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم التي تشد العالمين إلى أرض فلسطين، إنها زبدة أحاديث سيد المرسلين حول فلسطين وأهلها، صحيحة صريحة تبعث فينا الأمل والجرأة في الحق، وصدق اليقين، ولقد لقي متن كتاب (الأحاديث الأربعون الفلسطينية) قبولا واسعا فقد تدافع كثيرون إلى ترجمته إلى لغاتهم، فاستحق أن يكون لهذا المتن شرح يليق به، وها نحن أولاء نشرح هذه الأحاديث في هذه السلسلة المباركة، واليوم مع شرح الحديث الحادي عشر:

     عن جابربن عبدالله رضي الله عنه ، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَمَّا كذَّبَتني قُريشٌ» وفي رواية: «حِينَ أُسْرِيَ بِي إِلَى بَيْتِ المقْدِسِ»، وفي رواية: «البيت المقدَّس» قُمْتُ فِي الْحِجْرِ، وفي رواية قالَ: «لقد رأيتُني في الحِجْرِ وقُرَيشٌ تسْألُني عن مَسرَاي، فسألتني عن أشياءَ من بيت ِالمقدِسِ لم أثبِتْها؛ فَكُرِبْتُ كُرْبةً مَا كُرِبْتُ مثله قطُّ»، «وفي رواية: فظعت»، وفي رواية: «وقريش تسألني عن مسراي»، وفي رواية عن أم هانئ: « قالوا له: كم للمسجد من باب؟ قال: ولم أكن عددتها، فجعلت أنظر إليه وأعدها بابًا بابًا»، فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ «وفي رواية: فرفعه الله لي أنظر إليه»، وفي رواية: «فجيء بالمسجد وأنا أنظر، حتى وضع دون دار عقال – أو: عَقيل – فنعتُّه وأنا أنظر إليه»، وفي رواية: «فخيل لي بيت المقدس فَطفِقْتُ أُخبِرُهُم عن آياتِهِ وأنا أنظُرُ إليهِ «وفي رواية: ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به» وفي رواية: «فقال القوم: أما النعت، فوالله لقد أصاب».

مناسبة الحديث:

جاء في حديث ابن عباس الحال والمكان والأشخاص الذين دار معهم الحوار الخاص بوصف النبي للمسجد الأقصى ورحلته إليه.

     عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : لَمَّا كَانَ لَيْلَةُ أُسْرِيَ بِي، وَأَصْبَحْتُ بِمَكَّةَ، فَظِعْتُ بِأَمْرِي، وَعَرَفْتُ أَنَّ النَّاسَ مُكَذِّبِيَّ فَقَعَدَ مُعْتَزِلاً حَزِينًا، قَالَ: فَمَرَّ بِهِ عَدُوُّ اللهِ أَبُو جَهْلٍ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ كَالْمُسْتَهْزِئِ: هَلْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : نَعَمْ قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: إِنَّهُ أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ قَالَ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ قَالَ: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَلَمْ يُرِ أَنَّهُ يُكَذِّبُهُ، مَخَافَةَ أَنْ يَجْحَدَهُ الْحَدِيثَ إِنْ دَعَا قَوْمَهُ إِلَيْهِ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ دَعَوْتُ قَوْمَكَ تُحَدِّثُهُمْ مَا حَدَّثْتَنِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : نَعَمْ. فَقَالَ: هَيَّا مَعْشَرَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ حَتَّى قَالَ: فَانْتَفَضَتْ إِلَيْهِ الْمَجَالِسُ، وَجَاؤُوا حَتَّى جَلَسُوا إِلَيْهِمَا، قَالَ: حَدِّثْ قَوْمَكَ بِمَا حَدَّثْتَنِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنِّي أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ، قَالُوا: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالُوا: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَمِنْ بَيْنِ مُصَفِّقٍ، وَمِنْ بَيْنِ وَاضِعٍ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، مُتَعَجِّبًا لِلكَذِبِ زَعَمَ، قَالُوا: وَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ لَنَا الْمَسْجِدَ؟ وَفِي الْقَوْمِ مَنْ قَدْ سَافَرَ إِلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَرَأَى الْمَسْجِدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : فَذَهَبْتُ أَنْعَتُ، فَمَا زِلْتُ أَنْعَتُ حَتَّى الْتَبَسَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّعْتِ، قَالَ: فَجِيءَ بِالْمَسْجِدِ وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى وُضِعَ دُونَ دَارِ عِقَالٍ أَوْ عُقَيْلٍ فَنَعَتُّهُ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ، قَالَ: وَكَانَ مَعَ هَذَا نَعْتٌ لَمْ أَحْفَظْهُ قَالَ: فَقَالَ الْقَوْمُ: أَمَّا النَّعْتُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَصَابَ.

شرح الحديث:

     بوَّب البخاري هذا الحديث فقال: باب حديث الإسراء وباب {أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (الإسراء:1). هذا الحديث يحكي حال النبي مع قريش لما أخبرهم برحلة الإسراء، وما لا قاه من معاناة وهمِّ إقناعهم بصدق ما جاء به من خبر، لكن الله عاجله بالنصر والتأييد، ولم يخذله بطريقة لم تخطر على بال النبي ولم يعهدها، لكنه وعد الله؛ حيث قال: {إنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (غافر: 51)، وإليكم الحكاية على لسان النبي صلى الله عليه وسلم .

قوله: لَمَّا كذَّبَتني: وفي رواية: «حِينَ أُسْرِيَ بِي إِلَى بَيْتِ المقْدِسِ» أي كذَّبتني في أنه أسري بي إلى بيت المقدس في بعض ليلة، ونسبوني إلى الكذب فيما ذكرت من قضية الإسراء، وطلبوا إليَّ علامات بيت المقدس.

     قوله: قُريشٌ: ويبدو أن أول من تبادر لهم خبر إسراء النبي صلى الله عليه وسلم ، هم قريش وتحديدًا أبو جهل؛ لذلك هو أول من بادره و سأله كما جاء في سبب الحديث أعلاه، وجاء عند أبي يَعلَى أن الذي سأله عن صفة مسجد بيت المقدس، هو المطعم ابن عدي، والد جبير بن مطعم.

     قوله: قمت ُفي الحِجرِ: بالكسر اسم الحائط المستدير إلىجانب الكعبة من قبل الشام. سمِّي حجرًا؛ لأنه حُجِرَ عنه بحيطانه، وجاء في بعض الروايات (بينما أنا في الحطيم)، والحطيم: قيل هو الحِجر، وسمي حطيمًا؛ لأنه حُطِّمَ جداره عن مساواة الكعبة، فلعله[ حكى لهم قصة المعراج مرات، فعبّر بالحطيم تارة، وبالحجر أخرى.

وفي رواية من حديث أبي هُريرة قالَ: «لقد رأيتُني فِي الحِجْرِ وقُرَيشٌ تسْألُني عن مَسرَاي»: «لقد رأيتني» اللام جواب قسم مقدر.

     ولما كان النبي متوكلًا على الله حق توكله عالمًا بنصره وتأييده جاءه الفرج من الله، حتى جلّى له المسجد الأقصى ينظر إليه، فعبر صاحب الإفصاح بتعبير يصف فيه حال النبي محمد في معاينته معالم المسجد الأقصى فقال: « فلما رآه الله -سبحانه وتعالى- قائمًا بأمره في المعنى، قائمًا بصورته في العيان، أدركه بقوته، فجلّى له بيت المقدس، وهو في الحجر، فشاهده ورأى آياته، فأخبر بها عن معاينة طرية، فهي أبلغ مما كان قد علم صلى الله عليه وسلم حين دخله في النَّوْبَة الأولى أن قريشًا ستسأله، ويطوفه طواف مُسْتَثبت لآثاره، بل لما فوَّض إلى الله -عز وجل- أتاه مبتغاه، وقت حاجته إليه، فجلّى له بيت المقدس وقت سؤالهم إياه، فجعل يخبرهم وهم لا يشاهدون».

وفي رواية: «فسألتني عن أشياءَ من بيتِ المقدِسِ لم أثبِتْها»: لم ألاحظها، لم أنتبه إليها، لم أشاهدها على التعيين.

ومن ذلك ما جاء عن أم هانئ: «قالوا له: كم للمسجد من باب؟ قال: ولم أكن عددتها، فجعلت أنظر إليه وأعدها بابًا بابًا».

     وفي رواية: فَكُرِ بْتُ كُرْبةً مَا كُرِبْتُ مثله قطُّ: فكربت: الكُرْبة: بالضم الغم الذي يأخذ بالنفس وكذا (الكَرْب) تقول كَرَبَه الغم أي اشتد عليه. أي حَزِنت حزنًا شديدًا، والكرب: الحزن يسد النفس بشدته. أخذني الغم الذي يأخذ بالنفس. وفي رواية عن ابن عباس: «فظعت»، فظعت: أي اشتد علي وتعبت. قوله: «فَجَلَّىاللهُ ليَ بَيتَ المقدِسِ»: روي بتشديد اللام وتخفيفها، وهما ظاهران، ومعناه: كشف وأظهر. أي أظهره لي من قوله تعالى: {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} (الأعراف:187). جاء أن الذي اقترح على النبي صلى الله عليه وسلم أن يصف لهم بيت المقدس هو المطعم بن عدي، أخرجه أبو يعلى من حديث أم هانئ.

وفي رواية: «فجيء بالمسجد وأنا أنظر»: هذا القول يقتضي أن الله أزال المسجد الأقصى من مكانه.

     قوله: فَطفِقْتُ أُخبِرُهُم: أخذت في الوصف. طفق: أي جعل يفعل. أي: أَخَذَ في الفِعْل وجَعَل يَفْعَل، وهي من أفعال المُقارَبةِ. أخذت وشرعت، قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله: « يحتمل أن يريدأنه حُمل إلى أن وُضع بحيث يراه ثم أُعيد، وفي حديث ابن عباس المذكور فجيء بالمسجد حتى وضع عند دار عَقيل فنعته وأنا أنظرإليه» وهذا أبلغ في المعجزة، ولا استحالة فيه، فقد أحضر عرش بلقيس في طرفة عين لسليمان عليه السلام، وهو يقتضي أنه أُزيل من مكانه حتى أُحضر إليه، وما ذاك في قدرة الله بعزيز». قوله: «عن آياتِهِ: الآية: العلامة والجمع (آيُ) و (آيايٌ) و (آياتٌ).

أي: علاماته وأوضاعه وأحواله.

     قوله: وأنا أنظُرُ إليهِ: أي، رفع الحجاب بيني وبينه حتى شاهدته». وأُخبرت الناس بما اطّلعت عليه، وإن لم يكن قد أحضره فعلًا فيمكن أنه جاء بصورة له. فقد أزال الله -عز وجل- معاذير قريش بما أوضح لهم من دلالة صدقه صلى الله عليه وسلم ، وفي رواية: ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به، وفي رواية: «فرفعه الله لي أنظر إليه»، وفي رواية: «فجيء بالمسجد وأنا أنظر، حتى وضع دون دار عقال أو عقيل، فنعتُّه وأنا أنظر إليه» وكل ما سبق كان هو عين التأييد والنصر من الله لعبده محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

من فوائد الحديث:

1- اعتمد النبي صلى الله عليه وسلم في التدليل على صدقه بالأمر الملموس والمشاهد، وذلك من خلال التعريف بأوصاف المسجد الأقصى، وهو سبيل إلى التدليل على صدق قوله صلى الله عليه وسلم لما وقع له في إسرائه ومعراجه، ويحتاج الداعية إلى ذلك أحيانًا ليخاطب به بعض العقول التي لا تؤمن إلابالملموس.

2- إن الله -تعالى- رفع له بيت المقدس، وهو بمكة، فوصفه لقريش حتى عرفه منهم من كان قد شاهده، وإنما فعل الله -سبحانه- ذلك تقوية له وتثبيتًا.

3- وفيه أيضًا أن كل محق إذا أتى بالحق، ونطق بالصدق، فكذبه مكذب، فإن عون الله -عز وجل- منه قريب، ونصره إياه سريع.

4- وفيه أن الله -سبحانه وتعالى- إذا أراد أن يجلَّي أمرًا عن امرْئٍ مؤمن صادق،كان ما بينه وبين أجرام الجبال والمفاوز والجدر عدمًا.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك