رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: جهاد العايش 14 مايو، 2017 0 تعليق

الأربعون الفلسطينية (الْحَدِيثُ الْأَرْبَعُون) الشَّام أَرْضُ الْمَحْشَر والْمَنْشَرِ

 

كتاب الأحاديث الأربعون الفلسطينية، وثيقة نبوية تؤكّد ارتباط الأرض المقدسة فلسطين برسالة التوحيد عبر الأزمان كلها أولها وأوسطها وآخرها، إنها أحاديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- التي تشد العالمين إلى أرض فلسطين، إنها زبدة أحاديث سيد المرسلين حول فلسطين وأهلها، صحيحة صريحة تبعث فينا الأمل والجرأة في الحق، وصدق اليقين، ولقد لقي متن كتاب: (الأحاديث الأربعون الفلسطينية) قبولا واسعا فقد تدافع كثيرون إلى ترجمته إلى لغاتهم، فاستحق أن يكون لهذا المتن شرح يليق به، وها نحن أولاء نشرح هذه الأحاديث في هذه السلسلة المباركة، واليوم مع شرح الحديث الأربعين:

عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم -: «الشَّامُ، (وفي رواية عن ميمونة مولاة النبي: قالت يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس؟ قال: أرض المحشر والمنشر)، أرضُ المحشَرِ والمنشَرِ».

شرح الحديث

فلسطين هي المكان والزمان الآخِر الذي تُشدُّ إليها الأمّة رغبةً ورهبةً، تُجمع على أرضها، لتكون فيها آخر أيام الدنيا بعد سلسلة من الأحداث العظام الجسام لتنقل الخلق إلى الشام وفلسطين وهي آخر محطات البشر على الأرض ومنها إلى عَرَصات الآخرة.

قوله: الشّام أرضُ المحشَرِ: سبق التعريف بالشام مكانةً ومكانًا، والمحشر: هوحشر الناس وجمعهم, ومنه (يوم الحشر), قال القرطبي: (الحشر): هوالجمع, قال عكرمة في قوله تعالى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} (التكوير: 5)، وحشرها موتها و(المحشر) بكسر الشين موضع الحشر.

     والحشر هنا هو حشر الدنيا وهو أول مراحل الآخرة، قال الشيخ محمود عطية معلقًا على الحديث: «الناس عادة لا يستجيبون لمن يأمرهم باللين، إلا من رحم الله، فاقتضت حكمة الخالق -جل وعلا- أن يستجيبوا قسرًا، فيقيض الله -عز وجل- لهم من يطردهم ويفرون من أمامه فزعين، يرسل النار، تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت حيث باتوا حتى المحشر.

قوله: و المنشَرِ: موضع النّشور، وهي: الأرض المُقَدّسة من الشّام يحشُر الله الموتى إليها يوم القيامة، وهي أرض المحشَر. و(أنشره) الله -تعالى- أي: أحياه.

أرض المحشر والمنشر: أي البقعة التي يجمع الناس فيها للحساب، وينشرون من قبورهم، ثم يُساقون إليها، وخُصّت بذلك؛ لأنها الأرض التي قال الله فيها: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 71) وأكثر الأنبياء بعثوا منها فانتشرت في العالمين شرائعهم؛ فناسب كونها أرض المحشر والمنشر.

     هذا الحديث هو آخر آيات وأشراط ما قبل قيام الساعة، يحشر الناس هناك في الشام وهي مقدمة قيام الساعة، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم - من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «ستخرج نار من حضرموت قبل القيامة تحشر الناس، قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: عليكم بالشام» والنار الخارجة منه إما حقيقة النار، أو فتنة عبر عنها بها.

     وقوله: «عليكم بالشام» هذا يدل على أن ذلك يكون قبل قيام الساعة. وهذه النار من علامات الساعة الكبرى المؤذنة بقيام الساعة ونهاية الدنيا. وبه أخبر أنس -رضي الله عنه - أن عبدالله بن سلام بلغه مقدم النبي المدينة، فأتاه يسأله عن أشياء، فقال: إني سائلك عن ثلاث: ما أول أشراط الساعة؟ فقال الرسول: «أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُهُمْ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ...»، وعن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: «... وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ، تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ».

وهذا الحشر سيكون آخر أيام الدنيا ومقدم الآخرة، قال به: القرطبي وابن حجر وغيرهم من أئمة العلم، حين تخرج النار من قعر عدن، وتحشر الناس إلى بلاد الشام.

قال ابن كثير: « فهذه السياقات تدل على أن هذا الحشر، هو حشر الموجودين في آخر الدنيا، من أقطار محلة الحشر، وهي أرض الشام، وأنهم يكونون على أصناف ثلاثة كما جاء في الحديث وارد الذكر.

وهذا كله يدل على أن هذا الحشر يكون في الدنيا؛ حيث الأكل والشرب، والركوب على الظهر المستوي وغيره، وحيث يهلك المتخلفون منهم بالنار.

ولو كان هذا بعد نفخة البعث، لم يبق موت ولا ظهر يسري، ولا أكل ولا شرب، ولا لبس في العرصات، ومجمل هذه النيران كلها ومن أماكنها المختلفة, تدفع بالناس إلى مقر حشرهم ومنتهاه في الدنيا على أرض الشام.

وأن الحشر يشمل الناس, رجالًا, ونساء, راكبين, وراجلين, ومنهم من يجر جرًا إلى محشرهم في الشام، كما أخبر به، بَهز، عن أبيه، عن جدّه، قال: قُلت: يا رسُولَ اللهِ، أَيْنَ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: «هَاهُنَا». وَنَحَا بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ، قَالَ: «إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ رِجَالًا وَرُكبَانًا، وَتُجَرُّونَ عَلَى وُجُوهِكُمْ».

وقد أفرد الإمام البخاري بابًا بعنوان: باب كيف الحشر؟

جاء عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: « يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلاَثِ طَرَائِقَ رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَثَلاَثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِى مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا».

     قال الخطابي: «والمذكور هنا في الحشر إنما يكون قبل قيام الساعة، يحشر الناس أحياء إلى الشام، وأما المحشر الذي بعد البعث من القبور فعلى خلاف هذه الصورة، من ركوب الإبل، والمعاقبة عليها، إنما هو البعث دون الحشر، فليس بين الحديثين تضاد، قال: قوله: عشرة على بعير، يعني أنهم يتعقبون البعير الواحد يركب بعضهم، ويمشي الباقون عقبًا بينهم.

قال الداوودي: يُحملون على قدر أعمالهم والاثنان على البعير أفضل من الثلاثة، والثلاثة أفضل من أكثر منهم.

 وقوله: «تقيل معهم حيث قالوا», إلى آخره يدل أنهم يقيمون كذلك أيامًا.

قال البيهقي: الراغبون يحتمل أن تكون إشارة إلى الأبرار.

والراهبون: المخلطون الذين هم بين الخوف والرجاء، وأما الذين تحشرهم النار هم الكفار، ويحتمل أن يكون هذا وقت الحشر إلى موقف الحساب.

     ويحشر بقيتهم النار، تقيل معهم حيثما قالوا: قال القاضي: هذا قبل قيام الساعة، وهو آخر أشراطها كما ذكره مسلم عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ عن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: «..وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن تُرَحِّلُ الناس..» وقوله -صلى الله عليه وسلم -: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من (أرض الحجاز) وفي رواية: «إذا سمعتم بها فاخرجوا إلى الشام».

قال القاضي البيضاوي في تعليقه على هذا الحديث: أراد بذلك حشرًا يكون للناس في حياتهم الدنيا إلى الشام.

قال الشيخ محمود عطية: إن هذا الحشر يكون بطرائق عدة:

يحشرون راغبين وراهبين، هربًا من الفتن.

من ينطلقون عندما تشتد الفتن وتتوالى الآيات.

من تحشرهم النار؛ لأنهم استمروا حيث هم، وضاقت سبل انتقالهم إلى المحشر.أ.ه

قال ابن الملك الرومي: قيل هذا الحشر إنما يكون قبل قيام الساعة أحياء إلى الشام بقرينة قيلولتهم وبيتوتهم؛ لأن هذه الأحوال إنما تكون في الدنيا.

ومثله قال ابن كثير: «هذه السياقات تدل على أن هذا الحشر هو حشر الموجودين في آخر الدنيا إلى محلة، وهي أرض الشام».

حشر الآخرة

والحشر إذا ذكر مطلقًا يصرف إلى ما بعد الموت، وهو حشر الآخرة الذي به أخبر ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: قام فينا النبي -صلى الله عليه وسلم - يخطب فقال: (إنكم محشورون حفاة عراة غرلًا، قال تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} (الأنبياء: 104).

حفاة وهو عكس المنتعل -أي الذي يلبس النعل- وقوله عراة جمع عار من الثياب, وغُرلًا جمع أغرل وهو الأقلف, الذي لم يختن وبقيت معه غرلته وهي الجلدة التي لم تقطع في الختان. وأكد صاحب مصابيح السنة في شرح تحفة الأبرار: وأما الحشر بعد البعث فالناس فيه حفاة.

المقصود في قوله تعالى: {لِأَوَّلِ الْحَشْرِ}

الشام أول الحشر وهي التي قالها قتادة في تفسير قوله تعالى: {لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} (الحشر: 1) هي نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب تبيت معهم حيث باتوا، وترحل فيرحلون، وتأكل من تخلف.

والمعنى عند أول الحشر: الجمع للتوجيه إلى ناحية مّا، وهو إخراج الجمع من مكان إلى آخر والجمهور: إلى أن هؤلاء الذين أخرجوا هم بنو النضير.

وقال الكلبي: إنما قال: «لأول الحشر» لأنهم كانوا أول من أُجلي من أهل الكتاب من جزيرة العرب، ثم أجلى آخرهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.

قال مرة الهمداني: كان أول الحشر من المدينة، والحشر الثاني من خيبر وجميع جزيرة العرب إلى أذرعات وأريحاء من الشام في أيام عمر. قال قتادة هذا أول الحشر.

وقال البيضاوي في تفسير سورة الحشر: فأول حشر الناس إلى الشام وآخر حشرهم أنهم يحشرون إليه عند قيام الساعة.

وقال الشوكاني: إن أوّل الحشر إخراجهم من حصونهم إلى خيبر، وآخر الحشر إخراجهم من خيبر إلى الشام، وقيل: آخر الحشر هو حشر جميع الناس إلى أرض المحشر، وهي الشام.

     قال عكرمة: من شك أن المحشر يوم القيامة في الشام، فليقرأ هذه الآية، وأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم - قال لهم: « اخرجوا »، قالوا: إلى أين؟ قال: «إلى أرض المحشر» قال ابن العربي: الحشر أوّل وأوسط وآخر، فالأوّل إجلاء بني النضير، والأوسط إجلاء أهل خيبر، والآخر يوم القيامة. وما قاله ابن العربي أظن أنه فاته أن يذكر حشر ما قبل يوم القيامة.

يقول ابن قتيبة في كتابه الماتع: والحشر عندي هو الجلاء ومنه قول الله في سورة الحشر: هو الذي أخرج الذين كفروا...الآية) يريد أنهم أول من أخرج من داره، وجلا، يقول: فلا هجرة إلا في جهاد، أو نية يفارق بها الرجل أهل الفجور والفسق إذا لم يقدر على إنكار ذلك، وتغييره، أو جلاء ينال الناس، فيخرجون عن ديارهم وهواهم.

صفة أرض الحشر

أما صفة الأرض التي سيحشر عليها الناس حينها، وصفها رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فقال: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلى أَرْضٍ بَيضَاءَ عَفْرَاءَ، كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ، لَيسَ فِيهَا عَلَمٌ لِأَحَد».

     «كقرصة النقي» وهو صفة لمحذوف، أي الخبز النقي هو تشبيه بها في اللون والشكل دون القرص، والنقي: الدقيق المنخول المنظف، يريد بذلك استدارتها واستواء أجزائها، شبهها بقرصة النقي باعتبار صغر أجزائها؛ لأنها تدك يومئذ دكًا، حتى لا يكون لأي أحد أي بناء أو معلم خاص يختبئ به، أي أنها تكون قاعًا لا بناء فيها لئلا يختفي بها أحد.

شبهةٌ صهيونيةٌ سمجة

     وكعادة اليهود في تشويه التاريخ الإسلامي والتحامل عليه والاعتداء على ثوابته ونصوصه، يطالعنا الصهيوني إسحق حسون المتخصص في بث الشبه والأكاذيب ليقول: «إن معاوية بن أبي سفيان الذي بويع بالخلافة في القدس هو الذي أطلق على القدس وبلاد الشام اسم الأرض المقدسة، وهو الذي أشاع عن القدس أنها أرض المحشر والمنشر نكاية بمعارضيه، وتثبيتاً لأركان حكمه في بلاد الشام». ويكفي رداً عليه وأمثاله ما جاء في شرح حديث الباب ففيه الغنية في لجمه وتعرية أقواله.

     وقد ظهر معنا أثناء شرحنا لأحاديث كتاب الأربعين الفلسطينية، كيف أن الأمر سيعود آخر الزمان إلى بلاد الشام؛ فخلافة آخر الزمان ستكون فيها، ورموز الكفر وساستهم ستكون نهايتهم فيها؛ فالدجال سيقتل في فلسطين على يد عيسى -عليه السلام- والإبادة الحقيقية لليهود ستكون هناك، ويعاونهم في ذلك الشجر والحجر، وفيها نحشر إلى عرصات الآخرة.

وأشار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إلى هذه المعاني فقال: كان الإسلام في الزمان الأول ظهوره بالحجاز أعظم، ودلت الدلائل المذكورة على أن ملك النبوة بالشام، والحشر إليها‏.‏ فإلى بيت المقدس وما حوله يعود الخلق والأمر‏, وهناك يحشر الخلق‏, والإسلام في آخر الزمان يكون أظهر بالشام‏.

من فوائد الحديث

1-تسلسلت أخبار النبي -صلى الله عليه وسلم - في إعلامه أتباعه بما سيكون آخر الزمان من وصف دقيق تحذيرًا وتوجيها لهم وحرصًا عليهم ورأفة بهم.

2-هذا الحديث من أعلام نبوته -صلى الله عليه وسلم - أن يخبر عن آخر أيام الدنيا وما سيكون فيها.

3-أن الشام دون غيرها، هي المحطة الأخيرة لأهل الدنيا ومنها إلى الآخرة.

4-هو مزيد تشريف للشام أن يُودِّع النّاس دُنياهم منها إلى الآخرة.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك


X