رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: جهاد العايش 23 أغسطس، 2016 0 تعليق

الأربعون الفلسطينية الْحَدِيثُ السَّابِعُ عَشْر- الْوَزَغُ تُلْهِبُ نِيرَانَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمَّا أُحْرِقَتْ، وَالْوَطْوَاطُ تُطْفِئُهَا

كان أول حرق للمسجد الأقصى حينما غزا بختنصر البابلي بني إسرائيل لما أتاهم ببيت المقدس وأحرق مسجدها وسبى أهلها وكان ذلك بعد عهد نبي الله سليمان -عليه السلام-

كتاب الأحاديث الأربعون الفلسطينية، وثيقة نبوية تؤكّد ارتباط الأرض المقدسة فلسطين برسالة التوحيد عبر الأزمان كلها أولها وأوسطها وآخرها ، إنها أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم التي تشد العالمين إلى أرض فلسطين، إنها زبدة أحاديث سيد المرسلين حول فلسطين وأهلها, صحيحة صريحة تبعث فينا الأمل والجرأة في الحق ، وصدق اليقين، ولقد لقي متن  كتاب (الأحاديث الأربعون الفلسطينية)، قبولا واسعا فقد تدافع كثيرون إلى ترجمته إلى لغاتهم, فاستحق أن يكون لهذا المتن شرح يليق به، وها نحن أولاء نشرح هذه الأحاديث في هذه السلسلة المباركة، واليوم مع شرح الحديث السابع عشر:

     عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كَانَتِ الأَوْزَاغُ يَوْمَ أُحْرِقَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ جَعَلَتْ تَنْفُخُ النَّارَ بِأَفْوَاهِهَا, وَالْوَطْوَاطُ تُطْفِئُهَا بِأَجْنِحَتِهَا، «وفي رواية: لا تَقْتُلُوا الْخُفَّاشَ;فَإِنَّهُ لَمَّا خُرِّبَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ قَالَ: يَا رَبِّ سَلِّطْنِي عَلَى الْبَحْرِ حَتَّى أُغْرِقَهُمْ»، «وفي رواية: لا تقتلوا الخفَّاش فإنّه استأذنَ في البحر: أن يأخذ من مائه فيطفئ نار بيت المقدسِ حيث حرق».

شرح الحديث

     تفاوتت بعض مخلوقات الله من جن وإنس في طاعة الله أو عصيانه، لكن حديث الباب يكشف لنا صنفًا جديدًا، تفاوت، لكن من نوع غريب وتفاوت خاص لا نستطيع أن نحمله على إيمان وكفر لغياب الدليل عن ذلك؛ فهذا الخفاش ينافح عن المسجد الأقصى بإطفاء النيران المشتعلة فيه, وأما الوزغ فينفخ فيها ليزيدها اشتعالًا وحرقًا له!

     كـانـت الأوزاغ: الوزغ: جمع وزغة -بالتحريك- وهي التي يقال لها: سامّ أبرص، وجمعها: أوزاغ ووزغان، وفي الأنثى منه وزغة. والحديث جاء بلفظة الجمع يعني ذلك أن جملة من الأوزاغ متواطئة  كانت تنفخ في النار لتزيدها اشتعالا.

     يـوم أُحـرق بـيـت المقـدس:  حينما غزا بختنصر البابلي بني إسرائيل لما أتاهم ببيت المقدس،أحرق مسجدها، وسبى أهلها, وكان ذلك بعد عهد نبي الله سليمان -عليه السلام-، وسبق التفصيل في ذلك في الحديث السابق, ويبدو والله أعلم أنه أول حرق مشهور وأعظمه وقع للمسجد الأقصى، جـعـلـت تنفـخ الــنـار بأفــواهـهــا: تجد هذا النوع من الحيوانات وكأنه بينه و بين الدين خصومة وعداوة، وعند تتبع سلوك هذا المخلوق في سنة المصطفى تجد أن له عداوة مع أنبياء الله؛ فقد جاء عن أم شريك: «أن رسول الله أمر بقتل الوزغ، قال: وكان ينفخ على إبراهيم». وجاء عنه  صلى الله عليه وسلم قال: «إن إبراهيم حين أُلقِي في النار، لم تكن دابة إلا تطفي النار عنه غير الوزغ، فإنه كان ينفخ عليه» أي لما ألقي إبراهيم في النار كانت الوزغ تنفخ على النار لتزيد في إشعالها لتحرق إبراهيم عليه السلام .

الأمر بقتل الوزغ

     حض الشارع الكريم بالتخلص على هذا النوع من الزواحف، كما جاء عن ابن عمر: إنه كان يأمر بقتل الوزغ ويقول: هو شيطان عرفت حقيقته وسبب أفعاله المشينة، لهذا سمَّاه الشارع الكريم فويسقًا ، كما صح عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم قال للوزغ: «الفويسق». أي فسق وهو خروج مكروه؛ ولأنها تخرج من جحرها للإفساد.

     ولما كان هذا الفويسق قد أعلن الحرب على بيوت الله وأنبيائه قابلناه بحرب أعلنها وحرض عليها بل  وأمر بها رسول الله  صلى الله عليه وسلم عليه  بعد أن رغب و رتَّب على قتلها أجرًا عظيمًا، كما يروي ذلك  أبو هريرة عن النبي  صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قتل وزغًا في أول ضربة كتبت له مائة حسنة, وفي الثانية دون ذلك, وفي الثالثة دون ذلك» وجاء في الحديث على سرعة المبادرة وترتيب الجزاء الجزيل على قتله في أول ضربة لما في ذلك من ضرر لم يعلم حجمه لو فوَّت المسلم على نفسه قتل هذا الفويسق. 

     وهذا المخلوق هو أحد الأنواع التي وصفها النبي  بالفواسق الخمس التي أجاز قتلها في الحل والحرم لما خرجت وشذَّت عن غيرها من حيوانات وحشرات وزواحف ونحوها بزيادة ضرر, فاقت  به غيرها .

هل يجوز أن يحمل الوزغ على الفسق والضلال ؟

     يرى الدينوري أنه لا يمكن أن تحمل هذه المخلوقات على طاعة ومعصية: «فأما أن تقتل لأنها فواسق فهذا لا يجوز؛ لأن الفسق والهدى لا يجوز على شيء من هذه الأشياء والهوام والسباع والطير غير الشياطين وغير الجن والإنس الذين يكون منهم الفسق والهداية، والمعتقد أن الهوام والسباع والطير لا يجوز عليها عصيان ولا طاعة، مخالف لكتاب الله -عز وجل- وأنبيائه ورسله وكتب الله المتقدمة».

الأجر المترتب على قتل الوزغ

     ولما كانت هذه الفويسقة مفسدة لحياة الناس ومعاشهم، حضّنا الشارع الكريم على التخلص منها بأسرع وقت ممكن ومن خلال ضربة واحدة قاضية، فقد نوّه صاحب «الإفصاح» على شيء من هذا فقال : «وإنما أزاد الأجر  على قدر قوة القلب في قتل الوزغ، فإذا أضعف القلب تردد  الضارب  بين  جبن وخور فاحتاج  إلى  ضربة ثانية وثالثة،  وذلك أن الوزغ من ذوات السموم، وقد عدَّهُ الأطباء فيما يؤذي أو يقتل نهْشَتُه.

     أما تباين أحاديث النبي في الفضل المترتب على قتلها فقد أجاب النووي في شرحه على مسلم، فقال: وأما تقييد الحسنات في الضربة الأولى بمائة، وفي رواية بسبعين؛ فجوابه من أوجه سبقت في صلاة الجماعة تزيد بخمس وعشرين درجة وفي روايات بسبع وعشرين - أحدها أن هذا مفهوم للعدد ولا يعمل به عند الأصوليين وغيرهم فذكر سبعين لا يمنع المائة، لا معارضة بينهما. الثاني لعله أخبرنا بسبعين، ثم تصدق الله -تعالى- بالزيادة، فأعلم بها النبي  صلى الله عليه وسلم حين أوحى إليه بعد ذلك. والثالث أنه يختلف باختلاف قاتلي الوزغ بحسب نياتهم وإخلاصهم وكمال أحوالهم ونقصها؛ فتكون المائة للكامل منهم ، والسبعين لغيره.والله أعلم .

حكم أكل الوزغ

     أما حكم أكل الوزغ، فقد نقل البيهقي في السنن الصغرى حرمة أكل لحم الوزغ، قال أصحابنا: فالذي أمر بقتله في الحل والحرم يحرم أكله، والذي  نهى عن قتله يحرم أكله، والذي يحل أكله لا يقتل لغير مأكله، ولا  يحرم ذبحه لمأكله والله أعلم، ونحوه قال الدميري: «تحريم الأكل لاستقذاره وللأمر بقتله، وعدم جواز بيعه كسائر الحيوانات التي لا منفعة لها والله أعلم».

     والوطواط تطفئها بأجنحتها: الوطواط: الخطاف، وقيل الخفاش، وعند النظر في طبيعة جسم  الوطواط وخلقته، نجدها مناسبة لتقوم بهذه المهمة، للأسباب الآتية:

1- أولا أنه لم يأت أي نوع من أنواع الذم لهذا الطائر في الشريعة أو الأمر بقتله.

2- ليس على الوطواط لا ريش ولا زغب ولا شكير؛  لأنها لو كانت عليه لكان ذلك سببًا  سهلًا في طمع النار به.

3- كما أن جسمه الصغير وسرعته الفائقة بسرعة  100 كم / ساعة (60 ميلًا في الساعة) ،  ويحلق بارتفاع 3 كم (2 ميل). خلافًا لمعظم الطيور، مع قدرته البارعة على الطيران بسرعات منخفضة نسبيًّا مع فن المناورة والتكيف في الارتفاع والانخفاض والانحناء المفاجئ مع ما يحدثه من تقلب وتكيف في الهواء ليكون ذلك  سببًا في منع التقات النيران لجسده.

4- يطلق ما يشبه الرنين المغناطيسي, وهي نبضات قصيرة من الأصوات أعلى من درجات السمع البشري، وهي بمثابة مجسات صوتية ترتد إليه بطريقة صدى الصوت، تساعده وتنبؤه على معرفة الأبعاد التي تحيط به وما سيكون أمامه ليتجنبه بسرعة كلمح البصر .

 حكم أكل لحم الوطواط :

     تطرق الفقهاء إلى بعض الأحكام المتعلقة بالوطواط منها، حكم أكل لحم الوطواط: فقال صاحب السنن الكبرى قال أصحابنا: فالذي أمر بقتله في الحل والحرم يحرم أكله، والذي نهى عن قتله يحرم أكله، والذي يحل أكله لا يقتل لغير مأكلة، ولا يحرم ذبحه لمأكلة. والله أعلم.

     قال الدميري «يحرم أكله،  ونقل عن الإمام أحمد فقال: ومن يأكله؟ قال النخعي: كل الطير حلال إلا الخفاش. قال الروياني: وقد حكينا في الحج خلاف هذا فيحتمل قولين، وعبارة الشرح والروضة يحرم الخفاش قطعًا. وقد يجري فيه الخلاف مع أنهما قد جزما في كتاب الحج بوجوب الجزاء فيه، إذا قتله المحرم، وإن الواجب فيه القيمة مع تصريحهما بأن ما لا يؤكل لا يفدى .

أما حكم نجاسة بوله : جاء في مصنف ابن أبي شيبة قال:عن الحسن ؛ أَنَّهُ كان يُرخِّصُ في أبوال الخفافيش.

     وسئل الشعبي عن بول الخفاش في المسجد فلم ير به بأسًا. وعن إسرائيل بن موسى قال كنت مع ابن سيرين فسقط عليه بول الخفاش فنضحه وقال: ما كنت أرى النضح شيئًا، حتى بلغني عن ستة من أصحاب محمد  صلى الله عليه وسلم .

من فوائد الحديث

1- دليل آخر على اعتناء أصحاب وزوجات النبي  صلى الله عليه وسلم بذكر المسجد الأقصى، والتعرف على أحواله .

2- فيه إشارة واضحة على تفاوت الحيوانات بأنواعها، فمنها ما أمرنا بقتله وآخر نهينا عن إيذائه أو قتله بناء على مدى نفعه أو ضرره.

3- لا يمكن حمل الحيوانات بأنواعها على كفر أو إيمان إلا بدليل، سواء ما أبيح أكله أم حرِّم أم ما عرف بنجاسته ونجاسة ما يخرج منه، أم ما هو غير ذلك،  أم ما أمرنا بقتله أو نهينا عن قتله وإيذائه .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك