رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: جهاد العايش 10 أكتوبر، 2016 0 تعليق

الأربعون الفلسطينية الْحَديثُ الْعِشْرُون (2) طاعون الشام شهادة لأمة النبي -محمـد صلى الله عليه وسلم- ورجس على الكافرين

أول طاعون وقع في الإسلام كان في عمواس وهي قرية بين الرملة وبيت المقدس، وكان ذلك سنة ثماني عشرة، ومات فيه خلق كثير لا يحصى من الصحابة -رضي الله عنهم- ومن غيرهم

 

كتاب الأحاديث الأربعون الفلسطينية، وثيقة نبوية تؤكّد ارتباط الأرض المقدسة فلسطين برسالة التوحيد عبر الأزمان كلها أولها وأوسطها وآخرها، إنها أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم التي تشد العالمين إلى أرض فلسطين، إنها زبدة أحاديث سيد المرسلين حول فلسطين وأهلها، صحيحة صريحة تبعث فينا الأمل والجرأة في الحق، وصدق اليقين، ولقد لقي متن كتاب: (الأحاديث الأربعون الفلسطينية) قبولا واسعا؛ فقد تدافع كثيرون إلى ترجمته إلى لغاتهم؛ فاستحق أن يكون لهذا المتن شرح يليق به، وها نحن أولاء نشرح هذه الأحاديث في هذه السلسلة المباركة، واليوم نستكمل شرح الحديث العشرون:

أول طاعون في الإسلام:

     وأول طاعون وقع في الإسلام كان في عمواس، وهي قرية بين الرملة وبيت المقدس، وكان ذلك سنة ثماني عشرة، ومات فيه خلق كثير لا يحصى من الصحابة -رضي الله عنهم- ومن غيرهم وممن مات فيه من أبرز الصحابة رضوان الله عليهم، أبو عبيدة بن الجراح وعمره ثمان وخمسون سنة وهو أمير الشام، ولما بلغت وفاته عمر رضي الله عنه ولى مكانه على الشام يزيد بن أبي سفيان، ومعاذ بن جبل، والحارث بن هشام، وسهيل ابن عمر، والفضل بن العباس، وشرحبيل ابن حسنة، وقيل مات فيه خمسة وعشرون ألفًا من المسلمين، وفي هذه السنة كان عام الرمادة بالمدينة أيضًا.

مراتب الناس عند وقوع الطاعون:

- منهم: الصابر والمحتسب لما وعد الله من أجر مترتب على ذلك على لسان نبيه:» الفَارُّ مِنَ الطَّاعُونِ، كالفارِّ مِنَ الزَّحْفِ، وَالصَّابِرُ فِيهِ لَهُ أَجرُ شَهِيدٍ».

-ومنهم: الخائف الفار منه جزعًا كما جاء عن النبي محذرًا من ذلك: «الفَارُّ مِنَ الطَّاعُونِ، كالفارِّ مِنَ الزَّحْفِ».

- ومنهم: من يأخذ طريقة المداواة والرقية أخذًا بقوله  صلى الله عليه وسلم : حين قيل له: أرأيت رقى نسترقيها، ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئًا ؟، قال: «هي من قدر الله».

- ومنهم: المبتهل إلى الله بالدعاء اعتمادًا على أمر الله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} {غافر: 60}.

ويكون شهادة لمن شاء الله من المؤمنين، ورجزًا وعذابًا على الكافرين.

ويجب أن يعلم أن من مات على أي حال من هذه الأحوال فإنه يموت بقدر الله بطاعون أو بغيره، قال تعالى: {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} (الأعراف: 34).

وقال: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (الحديد: 22).

كيف الأمر في بلد عمَّه الطاعون؟

عن عبد الله بن عباس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشام، حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد- أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه,فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام.

      قال ابن عباس: فقال عمر: ادع لي المهاجرين الأولين، فدعاهم، فاستشارهم، وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام،فاختلفوا فقال بعضهم: قد خرجت لأمر،ولا نرى أن ترجع عنه. وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله[، ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء.

فقال: ارتفعوا عني. ثم قال ادعوا لي الأنصار، فدعوتهم، فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم.

     فقال: ارتفعوا عني. ثم قال: ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعوتهم فلم يختلف منهم عليه رجلان, فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء. فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر، فأصبحوا عليه. قال أبو عبيدة بن الجراح: أفرارًا من قدر الله ؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله.أرأيت إن كان لك إبل هبطت واديًا له عدوتان: إحداهما خصيبة، والأخرى جدبة! أليس إن رعيت الخصيبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف - وكان متغيبًا في بعض حاجته –فقال: إن عندي في هذا علمًا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه” قال: فحمد الله عمر ثم انصرف».

قال البغوي: «قال أبو سليمان الخطابي: قوله: فلا تقدموا عليه، إثبات الحذر، والنهي عن التعرض للتلف، وفي قوله:لا تخرجوا فرارًا منه، إثبات التوكل والتسليم لقضاء الله، فأحد الأمرين تأديب وتعليم، والآخر تفويض وتسليم.

     قال البغوي: وقيل: قوله: فلا تقدموا عليه، رخصة لمن أراد ألا يدخلها وأحب أن ينصرف، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : «فِرَّ مِنَ المجذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ»، رخصة فلو دخلها كان أقرب إلى التوكل، بدليل أن الصحابة اختلفوا على عمر حين استشارهم في دخول الشام،وقد وقع بها الطاعون، وقال أبو عبيدة: تفر من قدر الله».

قال السرمري: فنهيه صلى الله عليه وسلم عن الخروج من بلد به الطاعون لأنه لا عدوى، ونهيه عن الدخول إليه؛ لئلا يتعجل الإنسان من الهم والحزن وضيق الصدر والقلق والانزعاج والجزع ما يجده في غيره من البلاد، ولما يعرض من سوء الاعتقاد لمن عنده ضعف في دينه، ووهن في يقينه.

ما الفرق بين الطاعون والوباء:

     مما لا شك فيه أن الطاعون يغاير الوباء، ومنهم من أطلق على الوباء طاعونا من باب المجاز، وقد فرّق ابن حجر بين الطاعون والوباء فقال: الوباء أعم من الطاعون، فكل طاعون وباء، وليس كل وباء طاعونًا، لكن لما كان الوباء ينشأ عنه كثرة الموت، وكان الطاعون أيضًا كذلك أطلق عليه اسمه.

أما الطاعون:

- لا يدخل المدينة، فدل ذلك على أن الطاعون غير الوباء.

-  كل طاعون وباء ووجع من غير عكس.

- والطاعون له سببان: وخز الجن وهيجان الدم وانصبابه.

وأما الوباء: عام خُصَّ منه الطاعون:

وكان في المدينة وباء كما جاء في حديث عائشة: «قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهِيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللَّهِ»، وكما جاء في حديث الْعُرَنِيّينَ أنهم استوخموا المدينة، وفي لفظ أنهم قالوا إنها أرض وبئة، وبه يعلم أن الوباء كان موجودًا في بالمدينة.

     وقوله: ورجسٌ على الكافر:الرّجْس: بالسّين المهملة بدل الزّاي والمحفوظ بالزّاي. القَذَر، وقد يُعبّر به الحرام والفعل القبيح، والعذاب، واللعنة، والكفر، وفي رواية «رِجْزٌ» وهو العذاب المقلقل. وجاء في قوله -تعالى- بمعنى اللَّعنة في الدُّنيا والعذاب في الآخرة كقوله تعالى: {وَيجْعَل الرجس على الَّذين لَا يعْقلُونَ}.

قوله: على الكافرين: لأنهم لا يؤجرون على ألم؛ ولأنه يسرع بهم إلى عذاب الله.

من فوائد الحديث:

1- دعا الرسول صلى الله عليه وسلم بِنقل الحُمَّى من المدينة إلى الجُحفة؛ لأن اليهود كانوا فيها.

2- فيه رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه فاختار لهم ما به أقل الضرر عليهم.

3- فيه استجابة الله -تعالى- لدعاء نبيه صلى الله عليه وسلم .

4- فيه جواز الدعاء على اليهود بنقل ما يضرهم إليهم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك