
الأربعون الفلسطينية (الْحَديثُ السَّابِعُ وَالثَّلاثُون)(2) عِيسَى عليه السلام يَقْتُلُ الدَجَّـالَ فِـي فِلَسْطِـين
كتاب الأحاديث الأربعون الفلسطينية، وثيقة نبوية تؤكّد ارتباط الأرض المقدسة فلسطين برسالة التوحيد عبر الأزمان كلها أولها وأوسطها وآخرها، إنها أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم التي تشد العالمين إلى أرض فلسطين، إنها زبدة أحاديث سيد المرسلين حول فلسطين وأهلها ، صحيحة صريحة تبعث فينا الأمل والجرأة في الحق، وصدق اليقين، ولقد لقي متن كتاب: (الأحاديث الأربعون الفلسطينية) قبولا واسعا فقد تدافع كثيرون إلى ترجمته إلى لغاتهم ، فاستحق أن يكون لهذا المتن شرح يليق به، وها نحن أولاء نشرح هذه الأحاديث في هذه السلسلة المباركة، واليوم نستكمل شرح الحديث السابع والثلاثون:
معنى كلمة (لد) وسبب تسميتها ومكانها وتاريخها
(لُدّ): مدينة بالشام، بضم أوله، وتشديد ثانيه، وهو جمع ألد والألد الشديد الخصومة ولها من اسمها نصيب مع الدجال، وهي بوابة غربية لمدينة القدس، وتوأم لمدينة الرملة، ترتفع نحو 50م عن سطح البحر.
لا يعرف بالضبط تاريخ تأسيسها، ومن المحتمل أن يكون الفلسطيّنيون هم الذين أسسوها فوق أنقاض قرية أقدم عهدًا يعود تاريخها للعصر الحجري الحديث، كما بنوا مدينة (صقلغ) واستوطنوها فضلاً عن استيطانهم خمس مدن كنعانية كانت قائمة آنذاك. وربما كانت تسميتهم لها اللد، أو (لود)، تخليدًا لذكرى أقاربهم الليديين الذين استوطنوا سواحل آسيا الصغرى (الإيجبية). وجاء ذكر (لود) أكثر من مّرة في العهد القديم. وقد جرت في منطقتها معارك شديدة بين أهل البلاد من (الأيدوميين) والفلسطينيين والكنعانيين وبين المحتلين الجدد من العبرانيين.
فتحها القائد عمرو بن العاص في خلافة أبي بكر الصدّيق رضي الله عنهما. وعلى إثر معركة حطين (في سنة 583هـ /1187م) رأى صلاح الدين الأيوبي تدمير حصونها حتى لا يستفيد منها الصليبيون بقيادة (ريكاردوس) قلب الأسد بعد انتصارهم في عكا و(أرسوف). وذكر أن مفاوضات الصلح بين (ريكاردوس) ملك الصليبيين والملك العادل نيابة عن أخيه صلاح الدين الأيوبي بدأت في اللد، ولكنها فشلت ولم يصل الطرفان إلى اتفاق وعادت اللد إلى سيطرة الصليبيين الذين احتفظوا بها إلى أن حرّرها الملك (بيبرس).
وفي 15/10/1917م انتهى العهد العثماني وبدأ عهد الاحتلال البريطاني الذي استمر واحدًا وثلاثين عامًا. وقد أخذت اللد تتوسع في هذا العهد نتيجة مرور خط سكة حديد القنطرة- حيفا منها منذ عام 1919م، ونتيجة إنشاء مطار اللد عام 1963م. وما حلّ عام 1945م حتى أصبحت رقعة المدينة تشغل مساحة 3، 855 دونمًا.
والجدير بالذكر أن مدينة اللد كانت بين سنتي 1936 و 1947م خالية من الصهيونيين.
لكن بعد الاحتلال الصهيوني لمدينة اللد في 11/7/1948م طرد معظم السكان الفلسطينيين من مدينتهم وأجبروا على الرحيل عنها، ولم يبق منهم إلا القليل بعد أن تغشاها الصهاينة وكانوا الغالبية فيها.
وليس بعيدًا عنها المطار الرئيس لدولة الصهاينة المعروف بمطار (بن غوريون) وهو أول رئيس وزراء لكيانهم اللقيط.
وجدير بالذكر أنني في زيارة قمت بها عام 1997م، لمدينة اللد مررت ببوابة لها في مقدم المدينة تعارف الناس عليها بأنها بوابة للمدينة، وزرت في مدينة اللد إحدى المؤسسات اليهودية الأصولية، وقد اتخذت من مقدم مدينة اللد وقريبًا جدًا من البوابة مقرًا تدعي أنه مهيأ لاستقبال مخلصهم، وسيكون من نسل داود، وسينزل آخر الزمان في هذا المكان تحديدًا !
قوله: فينزل عيسى: (وفي رواية: عند صلاة الفجر)، (وفي رواية أوس بن أوس الثقفي: عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مَهرُودَتَينِ)، (وفي رواية أوس بن أوس الثقفي: عليه ممصَّرتان).
فينزل عيسى» فيه تأكيد على نزوله بعد صعود بأمر اختصه الله به دون غيره من أنبياء الله، بأنه رفعه إليه من غير أن تناله أيدي اليهود لما أرادوا به مكرًا، قال تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) {آل عمران: 55}
وقوله تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (النساء: 157-158)، وولدته أمه ببيت لحم من أرض (أوري شلِّم) لمضي خمس وستين سنة من غلبة الإسكندر على أرض بابل، وأوحي إليه على رأس ثلاثين سنة، ورفع وهو ابن ثلاث وثلاثين، فكانت نبوته ثلاث سنين. قال مقاتل: رفع من بيت المقدس ليلة القدر في رمضان، وعاشت أمه مريم بعد رفعه ست سنين.
ونزوله عليه السلام يكون في دمشق عند المنارة البيضاء تحديدًا، ودِمَشْق: بكسر أوله وفتح ثانيه. البلدة المشهورة قصبة الشام وهي جنة الأرض بلا خلاف لحسن عمارة ونضارة بقعة، وكثرة فاكهة، ونزاهة رقعة، وكثرة مياه، ووجود مآرب، قيل: سميت بذلك؛ لأنهم دمشقوا في بنائها أي أسرعوا.
المنارة البيضاء
يقول ابن كثير عن المنارة البيضاء إنها بنيت في زمانه: وقد جدد بناء منارة في زماننا في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة من حجارة بيض، وكان بناؤها من أموال النصارى الذين أحرقوا المنارة التي كانت مكانها، ولعل هذا يكون من دلائل النبوة الظاهرة؛ حيث قيض الله بناء هذه المنارة من أموال النصارى لينزل عيسى ابن مريم، عليها فيقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ولا يقبل منهم جزية.
قال السيوطي: هو من الدلائل بلا ريب فإن النبي صلى الله عليه وسلم أوحي إليه بجميع ما يحدث بعده ما لم يكن في زمنه.
غير أن السيوطي يرى أن المنارة البيضاء ستكون في بيت المقدس وليس دمشق معللًا بأن بيت المقدس شرقي دمشق، حيث قال: حديث نزول عيسى بيت المقدس راجح لا ينافيه سائر الروايات؛ لأن بيت المقدس وهو شرقي دمشق وهو معسكر المسلمين إذ ذاك، والأردن اسم الكورة كما في الصحاح وبيت المقدس داخل فيه فاتفقت الروايات، فإن لم يكن في بيت المقدس الآن منارة بيضاء فلا بد أن تحدث قبل نزوله. وفي دمشق اليوم منارات عدة أشهرها المنارة المنصوبة على سور مدينة دمشق فوق الباب الشرقي و المنارة الشرقية للمسجد الأموي والمعروفة بمنارة سيدنا عيسى عليه السلام.
عيسى -عليه السلام- يصلي خلف إمام المسلمين
كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أن وقت نزول عيسى -عليه السلام- يكون وقت اصطفاف المسلمين للصلاة فيدعونه ليؤم الناس في قوله: «تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة».«وفي رواية عن أبي أمامة: وإمامهم رجل صالح، فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح؛ إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح، فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى ليتقدم عيسى، فيضع يده بين كتفيه، ثم يقول له: تقدم فصلِّ، فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم»، قال الوليد بن مسلم: فقلت لابن أبي ذئب: إن الأوزاعي حدثنا عن الزهيري عن نافع عن أبي هريرة: «وإمامكم منكم». قال ابن أبي ذئب: أتدري ما «أمكم منكم»؟ قلت: تخبرني. قال: فأمكم بكتاب ربكم وسنة نبيكم.
وإمامكم منكم: يريد أن محمدًا خاتم النبيين وشريعته متصلة إلى يوم القيامة، حصل في كل قرن منهم طائفة من أهل العلم.
وفي رواية أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامُكم منكم؟».أي: رجل منكم، لا يتأمر عليكم ولا يؤمكم كما قد جاء في مسلم، أنه يقال له: «صلِّ لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة لهذه الأمة» ويحتج به من يرى عدم خلو العصر من القائم لله بالحجة، وحكى الجوزقي عن بعضهم أن معناه يحكم بينكم بالقرآن لا بالإنجيل.
وفيه تكرمة من الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يصلي وراء واحد من أمته كما جاء الرواية السابقة بـ«تكرمة الله»: نصبٌ على المفعول لأجله، والعامل محذوف، والمعنى: شرع الله أن يكون إمام المسلمين منهم، وأميرهم من عدادهم تكرمة لهم وتفخيمًا لشأنهم، أو على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة التي قبله.
ومن رواية أبي سعيد قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم : «منَّا الذي يصلِّي عيسى بن مريم خَلفَهُ». وهو المهدي محمد بن عبدالله -عليه السلام- من عترة الرسولصلى الله عليه وسلم من ولد فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم جاء عن المصطفى صلى الله عليه وسلم بحقه أحاديث كثيرة صحيحة بلغت حد التواتر، ومع هذا أنكر بعض أهل العلم حقيقة خروجه، ولا يتسع المقام لتناول المسألة حتى لا نخرج عن صلب الموضوع.
قال العلامة الألباني رحمه الله: يعني في بيت المقدس، وأما في دمشق أول نزوله، فيأتم هو بالمهدي عليهما السلام.
وقال: من المعلوم أن عيسى -عليه السلام- ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، وأنه يصلي خلف المهدي صلى الله عليه وسلم ، وهذا يعني أن عيسى -عليه السلام- يكون مع المؤمنين في بيت المقدس حين يحاصره الدجال، ويكون معه سبعون ألفًا من يهود أصبهان عليهم الطيالسة، وهذا يعني: ألا يهود يومئذٍ في فلسطين، أو على الأقل في بيت المقدس، وهذا وذاك يعني: أن دولة اليهود يكون المسلمون قد قضوا عليها.
واستدل بذلك على ما نقله عن السيوطي: «قد تواترت الأخبار، واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم بمجيء المهدي وأنه من أهل بيته، وأنه يخرج مع عيسى -عليه السلام-؛ فيساعده على قتل الدجال... وأنه يؤم هذه الأمة، وعيسى يصلي خلفه...».
وجاء من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم : «منّا الذي يُصلِّي عيسى ابن مريم خلفه»، ويتضح من بعض الروايات الأخرى أن الذي صلى خلفه عيسى -عليه السلام- هو المهدي -عليه السلام- الذي سيكون ظهوره في زمن عيسى عليه السلام.
ومما سبق يتضح أن عيسى -عليه السلام- بعد نزوله يتعبد بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم بالأصول والفروع ويكون خليفة لمحمد صلى الله عليه وسلم بالعمل بشريعته مقيمًا لشعيرة الجهاد وحاكمًا من حكام ملته.
لاتوجد تعليقات