رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: جهاد العايش 25 يوليو، 2016 0 تعليق

الأربعون الفلسطينية الْحَديثُ السادس عَشْر (3) هل ثبت اسم (الهيكل) في شريعة الإسلام؟

كان الكفر وعصيان الأنبياء وقتلهم سببًا في حرمان بني إسرائيل الأرض والمسجد، وكان سببًا في اجتياح الأعداء واعتدائهم عليهم

 

كتاب الأحاديث الأربعون الفلسطينية، وثيقة نبوية تؤكّد ارتباط الأرض المقدسة فلسطين برسالة التوحيد عبر الأزمان كلها أولها وأوسطها وآخرها، إنها أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم التي تشد العالمين إلى أرض فلسطين، إنها زبدة أحاديث سيد المرسلين حول فلسطين وأهلها، صحيحة صريحة تبعث فينا الأمل والجرأة في الحق، وصدق اليقين، ولقد لقي متن كتاب: (الأحاديث الأربعون الفلسطينية) قبولا واسعا فقد تدافع كثيرون إلى ترجمته إلى لغاتهم، فاستحق أن يكون لهذا المتن شرح يليق به، وها نحن أولاء نشرح هذه الأحاديث في هذه السلسلة المباركة، واليوم نستكمل شرح الحديث السادس عشر:

هل ثبت اسم (الهيكل) في شريعة الإسلام؟

ونؤكد ذلك من خلال ما ثبت في كتاب الله -جل في علاه- وسنة نبيه المصطفى محمد ابن عبدالله صلى الله عليه وسلم من خلال ما ثبت فيهما من أسماء للمسجد الأقصى، ومنها:

     ما سماه الله -سبحانه وتعالى- تسمية صريحة باسمه ووصفه (المسجد الأقصى): قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ. السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الإسراء: 1) وسماه النبي[؛ كذلك فقال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجد الرسول ومسجد الأقصى».

كما سماه بيت المقدس، فعن جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلى الله لي بيت المقدس؛ فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه».

     وإنه كان مسجدًا حتى في عهد بني إسرائيل كما جاء عن الحارث الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، فكأنه أبطأ بهنَّ؛ فأوحى الله إلى عيسى: إما أن يبلغهن أو تبلغهن، فأتاه عيسى فقال له: إنك أمرت بخمس كلمات أن تعمل بهنَّ، وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهنّ، فإما أن تبلغهن وإما أن أُبَلّغُهنَّ، فقال له: يا روح الله، إني أخشى إن سبقتني أن أعذب أو يخسف بي، فجمع يحيى بني إسرائيل في بيت المقدس حتى امتلأ المسجد فقعد على الشرفات... إلخ».

     وسماه حكاية مسجد إيلياء كما جاء عن أبي هريرة يخبر أن الرسول الله[ قال: «إنما يسافر إلى ثلاثة مساجد: مسجد الكعبة، ومسجدي ومسجد إيلياء»، جاء في شرح النووي على مسلم: وأما إيلياء فهو بيت المقدس، وكل ذلك من نصوص كثيرة لم يذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه ولا أحد من العلماء المعتبرين والأئمة المهديين اسمًا للهيكل.

هيكل سليمان في نظر اليهود:

     يرى اليهود أن المسجد الأقصى هو المكان الحقيقي والكامل الذي كان عليه وفيه هيكل سليمان الأول، الذي هدمه (نبوخذنصر) عام (589) ق.م،وهو ذاته مكان الهيكل الثاني الذي هدمه (تيطس) عام 70م، ويرى طائفة من اليهود وجوبًا دينيًا بناء الهيكل الثالث مكان المسجد الأقصى بعد هدمه!

     تبدأ قصة اليهود مع الهيكل من عهد سليمان لما انتهى من بناء المسجد الأقصى وترميمه أو كما يسميه اليهود- الهيكل - بتاريخ (1005 ق.م) تقريباً؛ لذا يسمي اليهود هيكلهم الأول الذي نسبوه إلى نبي الله سليمان -تعالى-، باسم (هيكل سليمان الأول) ويعدونه منحة السماء للملك داود – على حد تعبيرهم، وأن سليمان هو المؤسس والباني الأول لهيكلهم المزعوم.

أول دمار تاريخي قوض المسجد الأقصى:-

تروي الآثار التاريخية أن الدمار الأول لبيت المقدس ومسجدها كان على يد نبوخذ نصر سنة (589) ق.م تقريباً، إلى أن ظهر عليهم الفرس وغلبوهم وطمسوا ذكرهم.

وفي سنة (806) ق.م استولى فرعون مصر على مملكة يهوذا ثم زحف إلى مملكة إسرائيل في الشمال وانتزعها لنفسه من سيطرة الآشوريين.

     ولما آل أمر آشور إلى الحاكم الجديد (بختنصر) زحف ليرد ما اغتصبه الآشوريُّونَ من مملكتي يهوذا والسامرة فاجتاح أورشليم – القدس – وأتى على مسجدها، وهدم ما فيه، وأحرق التوراة، وسبى أكثر أهلها، وقتل بعضهم، وفر الآخرون إلى مصر والمغرب والحجاز واليمن، وأنهى بختنصر بذلك حكم اليهود على مملكتي يهوذا والسامرة.

أسباب الدمار الأول للمسجد الأقصى:

     بعد وفاة سليمان  سنة (935) ق.م، تقريبًا، تولى ابنه (رحبعام) الملك على بني إسرائيل، ثم تمرد عليه بنو إسرائيل، ولم يبق معه سوى سبط (يربعام بن ناباط)؛ فانقسم بنو إسرائيل إلى مملكتين: مملكة يهوذا وعَاصمتها (أورشليم) في القدس، ومملكة إسرائيل – السامرة – وعَاصمتها (شكيم) في نابلس.

فقد كان الكفر وعصيان الأنبياء وقتلهم سببًا في حرمان بني إسرائيل الأرض والمسجد، وكان سببًا في اجتياح الأعداء واعتدائهم عليهم، وهو عين ما نقله ابن خلدون في تاريخه (2/134) قال: «ولما توغلوا في الكفر والعصيان أنذرهم بالهلاك على يد بختنصر».

     ومن ذلك تعقبهم الأنبياء بالقتل كما جاء في تاريخ الطبري (1/558): «ابتدأ بنو إسرائيل بأنبيائهم فقتلوهم، فكان آخر من قتلوا يحيي بن زكريا، وعدا أهل الرس على نبيهم فقتلوه، وعدا أهل حضور على نبيهم فقتلوه، فلما اجترؤوا على أنبياء الله، أذن الله في فناء ذلك القرن، من أنبيائهم، فبعث الله بختنصر على بني إسرائيل؛ فلما فرغ من إخراب المسجد الأقصى والمدائن وانتسف بني إسرائيل نسفًا...» فكانت هذه من جملة الأسباب التي سلبت بني إسرائيل ملكهم وتسلط الشعوب عليهم: {وقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا (5)} ( الإسراء: 3-5).

     قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ واصفًا حال كفرهم: «الذي نالهم مع ملوكهم العصاة الذين قتلوا الأنبياء وبالغوا في طلبهم وعبدوا الأصنام، وأحضروا من البلاد سدنة للأصنام لتقطيعها وتعظيم رسومها في العبادة، وبنوا لها البِيَع والهياكل، وعكفوا على عبادتها، وتركوا لها أحكام التوراة، وشرع موسى أزمنة طويلة وأعصارًا متصلة.

وجاء في إنجيل متى (23/38 -39) ما يُعضّد ويؤكد ما سبق: يا أورشليم «يا (أورشليم)، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين، كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة أفراخها، ولم تريدوا، هو ذا بيتكم يترك لكم خراباً».

     كما أنَّ الفساد استشرى في بني إسرائيل، وكان بينهم نبي يقال له (أشِعْيَاء)، وعظهم وذكرهم فلم يستجيبوا له، وتمادوا في الغيّ والضلال حتى قتلوا نبيهم (أشِعياء) ونشروه بالمنشار، فخلفه نبي يقال له (أرميا)، فحذرهم فساد طريقتهم، وأن الله مبتليهم بعبد يجوس ديارهم، ولا يرقب فيهم إلاًّ ولا ذمة، فكذبوه وقيدوه ثم سجنوه.

وعلى الصعيد السياسي فكلما حاول بختنصر تسوية حساباته مع دولة الفراعنة في مصر، كان له اليهود في فلسطين بالمرصاد، كعقبة تحول بينه وبين تنفيذ طموحاته في مصر.

حينها قرر بختنصر كسر شوكة اليهود في فلسطين، فكان اجتياحه لبيت المقدس بمثابة الكارثة الكبرى التي حلت بالمسجد الأقصى والمدينة المقدسة، التي أشار إليها اليهود على أن ما اجتاحه بختنصر هو هيكل سليمان الأول وليس المسجد الأقصى!! 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك