رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: جهاد العايش 22 أغسطس، 2016 0 تعليق

الأربعون الفلسطينية الْحَديثُ السادس عَشْر – الأربعون الفلسطينية الْحَديثُ السادس عَشْر (5)- الهَدْمُ الثاني للمسجد الأقصى

لما ساءت أحوال بني إسرائيل وفسدت عقائدهم اتخذوا المسجد (الهيكل) سوقا للصيارفة والمرابين

من بعد عام 70م لم تقم لليهود قائمة ولم تنشأ لهم دولة ولا هيكل حتى عام 1948

كتاب الأحاديث الأربعون الفلسطينية، وثيقة نبوية تؤكّد ارتباط الأرض المقدسة فلسطين برسالة التوحيد عبر الأزمان كلها أولها وأوسطها وآخرها، إنها أحاديث المصطفى صلى لله عليه وسلم التي تشد العالمين إلى أرض فلسطين، إنها زبدة أحاديث سيد المرسلين حول فلسطين وأهلها، صحيحة صريحة تبعث فينا الأمل والجرأة في الحق، وصدق اليقين، ولقد لقي متن كتاب: (الأحاديث الأربعون الفلسطينية) قبولا واسعا فقد تدافع كثيرون إلى ترجمته إلى لغاتهم، فاستحق أن يكون لهذا المتن شرح يليق به، وها نحن أولاء نشرح هذه الأحاديث في هذه السلسلة المباركة، واليوم نستكمل شرح الحديث السادس عشر:

الهَدْمُ الثاني للمسجد الأقصى

     في8 ديسمبر عام 70م أي بعد رفع عيسى -عليه السلام- بأربعين عامًا تقريبًا، وبعد إقامة المسجد من بناء سليمان -عليه السلام- بخمسة قرون تقريبًا، اجتاح القائد الروماني (تِيطُس) بقرار من الإمبراطور (فسبزيان) مدينة (أورشليم)، وقتل زهاء ستين ألف نفس، وأضرم النار في المعبد بعد أن سلب ما فيه، ثم طفق يتتبع اليهود مصمماً على إفنائهم، وإجلائهم عن (أورشليم) وهو ما عرف (بالسبي الثاني)، وبقي اليهود من غير كيان خاص بهم حتى أعلنوا عن تأسيس دولتهم المزعومة بقيادة (حاييم وايزمان) على أرض فلسطين المسلمة عام 1948م.

لماذا هدم المسجد الأقصى مرة ثانية؟

     ضاق الرومان ذرعاً بتمرد اليهود وكيدهم ومكرهم ودسائسهم، كعادة اليهود في كل زمان ومكان، فجاء (تِيطُس) عام (70م) بجيشٍ ضخمٍ لخراب بيت المقدس، حتى لم يبق لليهود أثر في بيت المقدس.

      جاء في الأخبار الإسرائيلية أنه لما ساءت أحوال بني إسرائيل، وفسدت عقائدهم، ورذلت أخلاقهم، وجشعت نفوسهم بحب المال، حتى اتخذوا المسجد – الهيكل – سوقًا للصيارفة والمرابين كما جاء في العهد الجديد: «ودخل يسوع إلى هيكل الله، وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل، وقلب موائد وكراسي باعة الحمام».

      كانت الشريعة التي جاء بها عيسى متممة لشريعة موسى -عليهما السلام- ومع هذا فقد خالف اليهود عيسى فيما جاء به وحاربوه، حتى أرادوا قتله؛ فعصمه الله منهم برفعه إليه: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا(157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا(158)} (النساء: 157-158).

     لكن المصادر النصرانية تشير إلى أن عيسى لما دخل المسجد ووجدهم قد حولوه إلى سوقٍ للصيارفة والمرابين قال لهم: (مكتوب أن بيتي بيت للصلاة، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص). ولما رأى منهم الكفر أنذرهم أن المسجد سيهدم كما جاء في إنجيل متى (24/1): (ثم خرج يسوع، ومضى من الهيكل، فتقدم تلاميذه لكي يروه أبنية الهيكل، ولما استيأس منهم حذرهم عقوبة الرب لهم بحرمانهم هذا المسجـد بقولـه: ماذا تنظرون؟ الحق أقول لكم: إنه لا يترك هاهنا حجر على حجر لا ينقض).

دمار المسجد كاملاً عــام (135) م

     أعلن اليهود تمردهم مرة أخرى عام (130م – 136م) بقيادة أحد زعمائهم يدعى (بركوكبا) على الإمبراطورية الرومانية، فاجتاحهم الإمبراطور (هدريان)؛ فأزال معالم المدينة وما بقي من مسجدها.

      وحرث الأرض تدميراً، ولاحق اليهود لاجتثاثهم من (أورشليم)، ثم أقام مكان معبد اليهود هيكلًا وثنيًا رومانيًا للمشتري –رب الآلهة عند الرومان- باسم (جوبيتار).

      بعدها لم يبق لليهود أثر في الأرض المقدسة بعد أن هاموا على وجوههم في البلاد؛ فغير الرومان كل شيء في المدينة المقدسة حتى اسمها الذي أصبح (إيليا كابوتلينيا) إلى أن جاء النصارى في عهد الإمبراطور (قسطنطين) فدمروا هيكل الرومان – جوبيتار-.

المسجد الأقصى في العهد الروماني بعد اجتياح (تيتوس):

     دانت الدولة الرومانية بالنصرانية المحرفة بعد المجمع الأول في نيقية عام 313م، في عهد الإمبراطور (قسطنطين)؛ حينها قامت أمه (هيلانة) المتعصبة لنصرانيتها بزيارة أورشليم –القدس- وقد أشربت بغض اليهود بما تعتقده- خطأ - من قتلهم للمسيح، فبنت كنيسة القمامة، ثم سميت بعد ذلك بالقيامة، ونكاية باليهود أمرت أن تحول ما بقي من أطلال للمسجد محطا لقاذورات المدينة؛ حيث موضع معبد اليهود.

     وبقيت ساحات المسجد خالية من أي بناء طوال حكم الرومان النصارى على القدس، غير ما بقي من أسوار للمسجد تحيطه وتحفظ عليه معالمه، وبقي هذا الحال إلى عهد الحاكم الروماني هرقل عام (126م)، وتقول بعض المصادر اليهودية: إن اليهود حاولوا إعادة بناء المسجد لكن من غير جدوى.

     وكل ما سبق من هدم عدّه اليهود هدمًا للهيكل الأول ثم الثاني، أما عن الرب وموقفه من هدم الهيكل فقد افتأت اليهود عليه مقالات جالت بالكفر وأنواعه يندى الجبين بذكرها! تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا. كما عمل اليهود على غرس عقيدة الهيكل في الوجدان اليهودي لتظل شاخصة أمام أعينهم راسخة في ضمائرهم.

     ومن بعد عام 70م لم تقم لليهود قائمة، ولم تنشأ لهم دولة ولا هيكل حتى عام 1948م حينما أعلن (حاييم وايزمن) وبمباركة الأمم المتحدة تأسيس دولة لهم في فلسطين! وأما قبل ذلك فكانوا ألعوبة بين الأمم والإمبراطوريات، ولم تكن لهم دولة ينعمون بالاستقرار فيها؛ مما اضطرهم إلى مزيد من التلون والمجاملة وعلى حساب معتقداتهم للأمم التي حكمتهم حتى ضاعت هويتهم العقدية والتاريخية وعاداتهم وتقاليدهم.

عقائد فاسدة تجتاح ساحات المسجد الأقصى:

     حاولت تتبع عقائد الأمم التي حكمت القدس خلال هذه الحقب التاريخية الطويلة، وما تركته من آثار عقائدية مختلفة شملت هياكل ومعابد وأوثانًا في ساحات المسجد الأقصى، فاليهود لما كانوا يومًا ما في القدس نصبوا معابدهم في المسجد الأقصى، كما كان الأمر كذلك بالنسبة للعرب الكنعانيين قبلهم، والرومان واليونان الوثنيين، والصابئة والنصارى في العهد الصليبي، وغيرهم ممن سيطر على بيت المقدس ومسجدها، نصبوا أوثانهم وهياكلهم، وعبدوها في باحات وساحات المسجد الأقصى، وهذا الحالُ قريب من حال الكعبة المشرفة لما كانت في عهد العرب وقريش الوثنية وقد جاء النبي محمد صلى لله عليه وسلم وقد كان فيها قرابة ثلاثمائة وستين صنماً يُعبد من دون الله حتى طهرها نبي الله محمد صلى لله عليه وسلم من الأوثان يوم الفتح.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك