رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: جهاد العايش 11 مارس، 2017 0 تعليق

الأربعون الفلسطينية (الْحَديثُ السادس وَالثَّلاثُون) الدَّجَالُ يَسْأَلُ عَنْ نَخْل بيسان وَبُحَيْرَة طَبَرِيَّةٍ فِي فِلَسْطِينِ

كتاب الأحاديث الأربعون الفلسطينية، وثيقة نبوية تؤكّد ارتباط الأرض المقدسة فلسطين برسالة التوحيد عبر الأزمان كلها أولها وأوسطها وآخرها، إنها أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم التي تشد العالمين إلى أرض فلسطين، إنها زبدة أحاديث سيد المرسلين حول فلسطين وأهلها، صحيحة صريحة تبعث فينا الأمل والجرأة في الحق، وصدق اليقين، ولقد لقي متن كتاب: (الأحاديث الأربعون الفلسطينية) قبولا واسعا فقد تدافع كثيرون إلى ترجمته إلى لغاتهم، فاستحق أن يكون لهذا المتن شرح يليق به، وها نحن أولاء نشرح هذه الأحاديث في هذه السلسلة المباركة، واليوم مع شرح الحديث السادس والثلاثون:

     عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، أن نبي الله صعد المنبر فضحك فقال: «إنَّ تميمًا الداري حدثني بحديث، ففرحت، فأحببت أن أحدثكم: إن ناسًا من أهل فلسطين ركبوا سفينة في البحر،(وفي رواية: أن ركبًا ركبوا بَحر الشام في نَفَر من لَخم وجذام) فَجالت بهم حتى قذفتهم في جزيرةٍ من جزائرِ البحرِ، فإذا هم بِداَبةٍ، لبَّاسةٍ، ناشرة شعرها، فقالوا: ما أَنتِ؟ قالت: أنا الجسَّاسَةُ قالوا: فأخبرينا، قالت: لا أخبرُكُم ولا أَستَخْبِرُكُم، ولكن ائتوا أقصى القرية، فإنَ ثَمَّ مَنْ يُخبِرُكم ويَستخبِرُكُم، فَأتيْنا أقصى القريةَ،(وفي رواية: فانطلقنا سراعًا حتى دخلنا الدير)، فإذا رجل موثَق بِسِلسلة، فقال: أَخبِروني عَن عَيْنِ زُغَر، قلنا: مَلأى تَدْفِقُ،(وفي رواية قال: فما فعلت العرب أيش لباسهم؟ قلنا: صوف وقطن تغزله نساؤهم قال: فضرب بيديه على فخذه، ثم قال: هيهات) قال: أخبروني عن البُحيرة،قلنا: ملأى تدفق،(وفي رواية: قال:أما إنَّ ماءها يوشك أن يذهب)،قال: أخبروني عن نَخل بَيْسان، الذي بين الأردن وفلسطين، هل أَطعم؟ قلنا: نعم،(وفي رواية:قال:أما إنها توشك ألا تثمر) قال: أخبروني عن النبي، هل بعث؟ قلنا: نعم، قال: أخبروني كيف الناس إليه؟ قلنا: سِرَاعٌ قال: فَنَزَّى نَزْوَةً حتى كاد، قلنا: فما أنت؟ قال: أنا الدجال. وإنه يدخل الأمصار كلها إلا طيبةَ، وطيبة: المدينةُ».

مناسبة الحديث

     عن فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى: الصلاة جامعة، بعد أن أخَّر صلاة العشاء بسبب، فخرج الناس إلى المسجد، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصعد المنبر، فقال: أنذرتكم الدجال ثلاث مرات، ألا وإنه لم يكن فيما مضى، وهو كائن فيكم أيتها الأمة، ومن غير عادة النبي صلى الله عليه وسلم يصعد المنبر بعد صلاة العشاء بعد أن أخرها النبي صلى الله عليه وسلم ؛ بسبب استماعه لحديث تميم الداري وهو يحدثه عن رحلة بحرية لقي فيها عجائب الأمور.

شرح الحديث

     هذا الحديث مما يرويه كبير القدر والسن أو ما عرف عند علماء الحديث برواية الأكابر عن الأصاغر، فقد روى البخاري عن أُناس يُعدون من طلبته، وقد يستنكف بعض الناس أو يأنف من الرواية عمن هم دونهم في العلم أو السن، وهي من موانع العلم، ومع أن الحديث فيه من غرائب القصص و أساطيرها إلا أن النبي حدّث به ووافق ما عنده صلى الله عليه وسلم ، فرواه عن تميم الدراي -رضي الله عنه -.

     قولها: «أن نبي الله صعد المنبر فضحك»: أي: فاطمة بنت قيس أنها رأت من النبي صلى الله عليه وسلم وضحكه حال صعوده المنبر بعد صلاة العشاء الذي ما كان يصعده إلا يوم الجمعة.

ولعل سبب ضحك النبي ما يفسره قوله صلى الله عليه وسلم : «فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه، وعن المدينة ومكة».

     قوله: إنَّ تميمًا الداري حدثني بحديث: أبو رُقَيَّة تَميمٌ الدَّاريّ بن أوس بن خارجة بن سود بن جذيمة اللَّخمي، الفلسطيني. والدَّار: بطن من لَخم، ولَخم فخذ من يَعرُب بن قحطان. والداري منسوب إلى جد له اسمه الدار.

     لما وفد تميم الدَّاري إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان نصرانيًا، ثم أسلم سنة تسع للهجرة. وكان عابدا، تَلَّاءً لكتاب اللهِ. وروي أنّه «قرأَ القُرآن في ركعة، وهو ممن جَمَع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأوَل من أَسرج في المساجد، وأول من قصَّ، واستأذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك فأذن له، وقد روى عنه النبي صلى الله عليه وسلم قصة الجساسة، وهذه منقبة شريفة لتميم، سكن بيت المقدس بعد مقتل عثمان، وقيل إنه مات سنة أربعين.وقبره ببيت جبرين في فلسطين، وتولى إمارة بيت المقدس، كما روى ذلك روح بن زنباع: قال دخلت على تميم الداري وهو أمير على بيت المقدس وهو ينقي لفرسه شعيرًا...».

     حدَّث عنه: ابن عباس، وابن موهب عبد اللهِ، وأنس بن مالك،وآخرون، مسنده: يبلغ ثمانية عشر حديثا، منها في صحيح مسلم حديث واحد. قال البخاريّ: هو أخو أبي هند الدَّاري.قال ابن سعد: كان وفد الدَّاريّين عشرة، فيهم تميم.

    قوله: حدثني: هذا معدود في مناقب تَميم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه هذه القصة. وفيه رواية الفاضل عن المفضول، ورواية المتبوع عن تابعه، وفيه قبول خبر الواحد بيد أن الذي انفرد بنقل هذا الخبر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو تميم الدّاري - رضي الله عنه -.

     قوله: ففرحت فأحببت أن أحدثكم: أطل النبي على أصحابه من منبره وهو يتبسم ضاحكًا على عادته الشريفة، ومن شدة فرحه بما سمعه من تميم، عاجلهم بعد عشائهم صاعدًا منبره ومن غير عادته ليخبرهم بخبر تميم الداري.

قوله: أنَّ ناسًا من أهل فلسطين: وهذا فيه إثبات أن تميمًا ومن كان معه في هذه الرحلة البحرية كانوا من أهل فلسطين، وكان ذهابهم أو إيابهم منها أو إليها.

فلسطين حدها وسبب تسميتها

     وفِلَـسْطِينُ: بالكسر ثم الفتح، وسكون السين وطاء مهملة وآخره نون، والنسبة إليه فَلَسْطي. وهي آخر كور الشام من ناحية مصر قصبتها البيت المقدس.

     وقيل في تحديدها: إنها أول أجناد الشام من ناحية الغرب، وطولها للراكب مسافة ثلاثة أيام، أولها رفح من ناحية مصر، وآخرها اللجون من ناحية الغور، وعرضها من يافا إلى أريحا نحو ثلاثة أيام أيضًا، وزغر ديار قوم لوط وجبال الشراة إلى أيلة كله مضموم إلى جند فلسطين وغير ذلك، وأكثرها جبال والسهل فيها قليل، وقيل: إنها سُمِّيت بفلسطين بن سام بن إرم ابن سام بن نوح عليه السلام، وقال الزجاجي: سميت بفلسطين بن كلثوم من ولد فلان بن نوح، وقال هشام بن محمد نقلته من خط جخجخ: إنما سميت فلسطين بفليشين بن كسلوخيم من بني يافث بن نوح ويقال: ابن صدقيا بن عيفا بن حام بن نوح ثم عربت فليشين.

     وقال ابن الكلبي في قوله تعالى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ}(المائدة:21)، هي أرض فلسطين، وفي قوله تعالى: {الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:171). قال هي فلسطين.

وقف تميم الداري في فلسطين

     اختص رسول الله صلى الله عليه وسلم تميم بوقف أوقفه إيّاه من أرض فلسطين لِيُثبتَ مكانته ويُثبّته في مكانه، أملا بفتحها ونشر الدين فيها،كما يروي ذلك سَماعَة، فقال: إن تَميما الدّاري سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم  أن يقطِعَه قَرْيات بالشأم: عَيْنُونَ وفُلانَة، والموضع الّذي فيه قبرُ إِبراهيم وإِسحاق ويعقُوب صلوات الله عليهِم، قال: وكان بِها رُكْحُهُ وَوَطَنُهُ، قال: فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: إِذا صلَّيتُ فسلني ذلك.

     فَفَعَل، فَأَقْطَعَهُ إِيَّاهُنَّ بما فِيهنّ، فلمَّا كان زَمن عمر، وفتح اللَّه -تبارك وتعالى- عليه الشّام، أمضى له ذلك، وقال عمر لتميم: ليس لك أَن تَبيع. قال: فهي في أيدي أهل بيتِه إِلى اليوم.

     وقد سجَّل هذا الوقف رسميًا عام 1096م، وكان مصروفًا على منطقة الخليل، وأصبح يشمل أكثر من 60 % من منطقة الخليل، وكان دخله سنة 1947م، يصل إلى 15 ألف جنيه، لكن استغل الصهاينة عظم أراضيه وعقاراته في الاستيلاء على 500 دونم بموجب القرار العسكري رقم 59، بحجة الأمن تارة، وبحجة أن أراضيه أميرية؛ لأنها خارج مدينة الخليل.

      وجدير بالذكر أن هناك 340 قرية فلسطينية تعد وقفا كليًا وجزئيًا، وأن ما نسبته ما بين 5-7% من مساحة أرض فلسطين كانت وقفًا و 15% من مساحة الريف كانت وقفًا، و7 % من المدن هي أوقاف،وما نسبته 90% من العقار، وبتقدير لوستك أن 75% من أراضي الأوقاف في عام 1948م نقلت إلى مؤسسات يهودية.

     وتم نقل ما بين 80% إلى 90% من أوقاف أراضي الـ48 إلى المؤسسات الصهيونية، التي جاءت متناسقة مع بداية موجات الهجرة اليهودية وازدياد عدد اليهود.

     ومن ضمن الإجراءات التي سعى إليها الصهاينة للاستيلاء على الأوقاف وبحكم القوة والأمر الواقع، ثم العمل على استيعاب إداراتها والإشراف عليها، وتقسيمها إلى أوقاف دينية وأوقاف علمانية، وإسناد أمر الأوقاف الدينية إلى وزارة الأديان، والأوقاف العلمانية إلى سلطات الدولة المختصة. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك