رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: جهاد العايش 29 نوفمبر، 2016 0 تعليق

الأربعون الفلسطينية (الْحَديثُ الرَّابعُ وَالْعِشْرُون) عُقْرُ دَارِ الإِسْلامِ بِالشَّامِ

تربعّت الشام وتجلت في قلوب المؤمنين وسكنتها أفئدة الصالحين ودرجت إليها جموع الأنبياء والمرسلين فهي سيّدةُ البقاع بعد الحرمين

 

كتاب الأحاديث الأربعون الفلسطينية، وثيقة نبوية تؤكّد ارتباط الأرض المقدسة فلسطين برسالة التوحيد عبر الأزمان كلها أولها وأوسطها وآخرها ، إنها أحاديث المصطفى[ التي تشد العالمين إلى أرض فلسطين، إنها زبدة أحاديث سيد المرسلين حول فلسطين وأهلها, صحيحة صريحة تبعث فينا الأمل والجرأة في الحق، وصدق اليقين، ولقد لقي متن  كتاب {الأحاديث الأربعون الفلسطينية) قبولا واسعا فقد تدافع كثيرون إلى ترجمته إلى لغاتهم, فاستحق أن يكون لهذا المتن شرح يليق به، وها نحن أولاء نشرح هذه الأحاديث في هذه السلسلة المباركة، واليوم مع شرح الحديث الرابع والشعرون:

عن سلمة بن نفيل الكندي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «عُقْرُ دَارِ المؤمنينَ», وفي رواية : «الإِسْلاَمِ بِالشَّامِ».

مناسبة الحديث

     وهو جزء من حديث طويل كما جاء نصه عن النَّوَّاس بن سَمعَان: «كنت جالسًا عند رسول الله[، فقال رجل: يا رسول الله أذال الناس الخيل ووضعوا السلاح وقالوا: لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه وقال: كذبوا، الآن الآن جاء القتال، و لا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق، و يزيغ الله لهم قلوب أقوام ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة وحتى يأتي وعد الله، و الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وهو يوحي إليَّ: أني مقبوض غير ملَبَّث، وأنتم تتبعوني أفنادًا، يضرب بعضكم رقاب بعض وعقر دار المؤمنين بالشام».

شرح الحديث

     هذا الحديث وحديث الباب السابق متمم ومبين كل منهما للآخر وفيهما تربعّت الشام وتجلت في قلوب المؤمنين، وسكنتها أفئدة الصالحين، ودرجت إليها جموع الأنبياء والمرسلين، فهي سيّدةُ البقاع بعد الحرمين، وإليها موئل الإيمان ومأرز الجهاد  آخر الزمان، وفيها  مهاجر جند الإيمان ومعسكرهم قبل نهاية الزمان.

     قوله: عُقْرُ دارِ المؤمنينَ:عقر الدار: وسطها، أي أصله ومَوْضعه، قال ابن منظور : عُقْرُ الدار أَصلُها في لغة الحجاز فأَما أَهل نجد فيقولون عَقْر ومنه قيل العَقَارُ وهو المنزل والأَرض والضِّيَاع. وقال أبو زيد: عقر دار القوم: وطنهم، وقال ثابت: عقر الدار: معظمها، وقال يعقوب: العقر: البناء المرتفع.كأنه أشار به إلى وقت الفتَن؛ أي يكون الشام يومئذ آمِنًا منها، وأهل الإسلام به أسلم.

قوله: بالشام: وسبق التعريف بها وحدودها،  وجاء عن عبدالله بن عمرو قال: «يأتي على الناس زمان لا يبقى فيه مؤمن إلا لحق بالشام».وهذا تأكيد على أنها هي مأوى أهل الإيمان آخر الزمان.

     قال الشيخ العز بن عبد السلام -رحمه الله- في فضل الشام: «وهذه شهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم باختيار الشام، وبفضلها وباصطفائه ساكنيها، واختياره لقاطنيها، وقد رأينا ذلك بالمشاهدة، فإن من رأى صالحي أهل الشام ونسبتهم إلى غيرهم رأى بينهم من التفاوت ما يدل على اصطفائهم واجتبائهم».

من فوائد الحديث :

1- استفاضة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة والصريحة في فضائل الشام, وهذا دليل على عظيم فضلها وعلو مكانتها .

2- تعدد رواة أحاديث فضائل الشام ووفرتهم دليل على تعدد مناسبات وأزمان وأماكن ذكر فضل الشام وأهلها .

3- إن الشام وعاء صفوة العباد وزبدة  الخلق، وهي حاضنة أهل الإيمان آخر الزمان، ولم يأت ذكر فضل مثله لغيرها.

4- الشام لا تكون ملاذًا آمنًا لأهل الإيمان إلاّ وقد هيأها الله دارًا تتناسب مع من خصهم الله بجميل عطائه.

5- والحديث من دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فقد أخبر فيه عن أمر سيقع آخر الزمان لا محالة .

 

 

تعاقب السنين

      إن ما نلمسه من تعاقب السنين والأعوام، وسرعة انصرام الأزمان والأيام، إشارة إلى معجزة نبوية، وعلامة من علامات الساعة قد أخبر عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: «يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويُلقى الشح، ويكثر الهرج»، قالوا: يا رسول الله وما الهرج؟ قال صلى الله عليه وسلم : «القتل، القتل».

     ونقل بعض أهل العلم في معنى تقارب الزمان ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قالً: «لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان؛ فتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كالضرمة بالنار».

     فيا أيها الموفق: أينقضي عام ويدخل آخر، وتمر الأيام والأعوام، دون أن نقف ساعة لنستفيق فيها من غفلتنا، ونتفكر في نهايتنا، ونعتبر؟ يقول - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}، فهذه دعوة من الله -عز وجل- لي ولك أيها الأخ الكريم أن ننظر في مستقبل أعمارنا، وما قدمناه لغدنا، فإن غداً لناظره لقريب، فهل ستقبل الدعوة، وتحيا أنفاسك في يقظة من الغفوة؟ فوالله قد طال السبات، وقرب الفوات، وأناخت بجوارك السكرات يا أسير الغفلات، فاغتنم العمر، وبادر بالتقى قبل الممات، قال الإمام الحسن البصري -رحمه الله-: «أدركتُ أقوامًا كان أحدُهم أشحَ على عمره منه على درهمه».

     والكل منا يعلم أن الحياةَ الدنيا لها أشكال كثيرة، وألوان عديدة، ويريد بعضنا -بل الكثير- أن ينال من لذائذها، ويستمتع بشهواتها، ويحظى بساعاتها، وغفل عن أن هذه المتع كلها زائلة، وشهواتها رخيصة فانية؛ مهما بذل الإنسان في سبيلها، وسعى في تعميرها، وتربع على عروشها، وجال في قصورها، فهي ساعات قصيرة يوشك أن تنقضي، ولحظات بسيطة تكاد أن تنتهي، ثم بعد ذلك سيلقى كل منا حتفه، ويعاين مصيره .

     قال مطرف بن عبد الله -رحمه الله-: «إن هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم؛ فالتمسوا نعيماً لا موت فيه»، ولا ندري من يعيش يوماً آخر أَوْ عاماً جديداً، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «ما لي وللدنيا، إنما مَثَلي وَمَثَلُ الدنيا كمثل راكبٍ، قَالَ  نام في ظِلِّ شجرةٍ، ثم راحَ وتَرَكَهَا»، وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: «كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابرُ سبيل»، وكان ابن عمر يقول: «إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساءَ، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك»، وزاد فيه: «وعُدَّ نَفْسَكَ من أصحاب القبور».

فالحذر الحذر من الاغترار بالدنيا، والانغماس في شهواتها!؛ فالإنسان المسلم يُؤمن بما بعد هذه الحياة الدنيا؛ فيُدرك قيمة الزمن، ويُسخر ساعات هذه الحياة للبِرِّ والتقوى، وللعمل بما يُرضى الله -تعالى-: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك