رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: جهاد العايش 17 أكتوبر، 2016 0 تعليق

الأربعون الفلسطينية الْحَديثُ الحادي الْعِشْرُون – عَمُودُ الدِّينِ فِي الشَّامِ

من فوائد الحديث أن ما يحدث اليوم في الشام من تسلط الباطل وأهله عليها وأهلها ما هي إلا مرحلة استثنائية من الزمن وأنه زائل لا محالة

كتاب الأحاديث الأربعون الفلسطينية، وثيقة نبوية تؤكّد ارتباط الأرض المقدسة فلسطين برسالة التوحيد عبر الأزمان كلها أولها وأوسطها وآخرها، إنها أحاديث المصطفى[ التي تشد العالمين إلى أرض فلسطين، إنها زبدة أحاديث سيد المرسلين حول فلسطين وأهلها، صحيحة صريحة تبعث فينا الأمل والجرأة في الحق، وصدق اليقين، ولقد لقي متن كتاب: (الأحاديث الأربعون الفلسطينية) قبولا واسعا؛ فقد تدافع كثيرون إلى ترجمته إلى لغاتهم؛ فاستحق أن يكون لهذا المتن شرح يليق به، وها نحن أولاء نشرح هذه الأحاديث في هذه السلسلة المباركة، واليوم مع شرح الحديث الحادي والعشرون:

     عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إني رأيتُ عمودَ الكتاب» وفي رواية: «عمود الإسلام احتمل من تحت رأسي»، «وفي رواية عن أبي الدّرداء رضي الله عنه : بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ» انتُزِعَ من تَحتِ وسادَتي، فنظرت، «وفي رواية: وأتبعته بصري»، فإذا هو نورٌ ساطعٌ عُمد به إلى الشام، «وفي رواية عن أبي الدّرداء: فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ»  ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام».

 

شرح الحديث:

قضى النبي زمانه بين مكة والمدينة، لكن فؤاده وبصره كانا يشخصان هناك باتجاه الشام؛ لما فيه من بركة ولما له ولأهله من مكانة.

ولما كانت رؤيا الأنبياء حقًا لا مرية فيه كان ما رآه النبي أن أمر الدين سيؤول إلى الشام وأهلها، وأنهم هم حملته ورواده فإن نقص الدين والجهاد في غيرهم زاد فيهم وعندهم.

قوله: إني رأيت عمودَ الكتاب: أي: رأى في منامه، ورؤى الأنبياء حق، والعمود: عمود البيت وجمعه أعمدة وفي الكثرة عَمَدٌ، قال ابن تيمية: وعمود الكتاب والإسلام ما يُعتمد عليه وهم حملته القائمون به.

     قال الشيخ العز بن عبدالسلام -رحمه الله-: «ما يعتمد أهل الإسلام عليه، ويلجؤون إليه» وقال: «إن عمود الإسلام هو الإيمان يكون عند وقوع الفتن بالشام، بمعنى أن الفتن إذا وقعت في الدين كان أهل الشام براء من ذلك ثابتين على الإيمان، وإن وقعت في غير الدين كان أهل الشام عاملين بموجب الإيمان وأي مدح أتم من ذلك».

     قال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله-: «فإن الكتاب إنما يقام به ملك يؤيده، ويقاتل به من خرج عنه، كما جمع الله بين الأمرين في قوله: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحديد: 25)، وكأن الشام وأهله هم حملة الإسلام، كما تُحمل الخيمة بعامودها.

قوله: انتُزِعَ من تَحتِ وسادَتي: أصل النّزْع: الجَذْب والقَلْع. ومنه نَزْعُ الميّتِ رُوحَه، والوسادة ما يتوسده الشخص في اتكائه أو يضع عليها رأسه في منامه.

     قوله: فنظرت فإذا هو نورٌ ساطعٌ عُمد به إلى الشام: يظهر جليًا في هذا الحديث نصيب الشام من إشراقة نور النبي، وما يحمله من رسالة سطع نورها حتى ارتكز عمودها في الشام، ليس هذا في حياته فحسب، بل رأت أم النبي صلى الله عليه وسلم لما حملت به نورًا يخرج منها يضيء قصور الشام، كما أخبر عن ذلك النبي  محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال: «ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام». وقال ابن كثير في تعليقه على هذا الحديث: «تخصيص الشام بظهور نوره إشارة إلى استقرار دينه ونبوته ببلاد الشام، ولهذا تكون الشام في آخر الزمان معقلًا للإسلام وأهله».

      قوله: ألا إنَّ الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام: الفتنة: الاختبار والامتحان تقول (فَتَنَ) الذهب يفتنه بالكسر إذا أدخله النار لينظر ما جودته، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (البروج: 10) أي حرقوهم، ويُسمى الصائغ (الفتان) وكذا الشيطان. أي إن الفتن إذا وقعت في الدين كان أهل الشام ثابتين على الحق والإيمان.

من فوائد الحديث:

1- ما يراه الأنبياء في منامهم، حق وصدق ولا بد من وقوعه.

2- هذا الحديث من دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه يخبر عن أمر غيبي يقع لا محالة آخر الزمان.

3- النبي صلى الله عليه وسلم يخبر عن أمر غيبي متعلق بأهل الشام وثباتهم على الدين والإيمان حال الفتن، وأن أهل الشام في معزل عنها والله أعلم.

4- فيه إشارة إلى أن الشام هي مقر الفئة المؤمنة، وإليها المفر آخر الزمان.

5- وفيه أن ما يكون اليوم في الشام من تسلط الباطل وأهله عليها وأهلها، ما هي إلا مرحلة استثنائية من الزمن، وأنه زائل لا محالة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك