رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: جهاد العايش 25 أبريل، 2016 0 تعليق

الأربعون الفلسطينية الْحَديثُ الثَّانِي عَشْر (3) النَّبِيُّ مُحَمَّـد صلى الله عليه وسلم يَدْعُـو نَصَارَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِلإسْـلإمِ

كتاب: (الأحاديث الأربعون الفلسطينية)، وثيقة نبوية تؤكّد ارتباط الأرض المقدسة فلسطين برسالة التوحيد عبر الأزمان كلها أولها وأوسطها وآخرها ، إنها أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم التي تشد العالمين إلى أرض فلسطين، إنها زبدة أحاديث سيد المرسلين حول فلسطين وأهلها, صحيحة صريحة تبعث فينا الأمل والجرأة في الحق، وصدق اليقين، ولقد لقي متن  كتاب: (الأحاديث الأربعون الفلسطينية) قبولا واسعا؛ فقد تدافع كثيرون إلى ترجمته إلى لغاتهم, فاستحق أن يكون لهذا المتن شرح يليق به، وها نحن أولاء نشرح هذه الأحاديث في هذه السلسلة المباركة، واليوم معاً نستكمل الحلقة الثالثة من شرح الحديث الثاني عشر:

     عَنْ‏ابْنَ عَبَّاس -رضي الله عنهما- ‏‏أَنّ َ‏أَبَا سُفْيَانَ رضي الله عنه أَخْبَرَهُ:  ‏«‏أنَّ ‏‏هرَقْلَ ‏أَرسلَ إليه وهم ‏‏بإِيلياءَ، ‏ثُمَّ‏‏ دعا بكتَابِ رسُول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ‏فلمَّا فرغ من ْقرَاءة الكتَاب كثُرَ عندَهُ ‏‏الصَّخَبُ ‏فارتَفعَت الأصوَات، وَأُخْرِجنَا فقُلتُ لأصحابِي حين أخرِجنَا:  لقد‏‏أَمِرَ‏‏أَمْرُ‏‏ابن أَبِي كبْشةَ ‏‏إنَّهُ يخافهُ ملكُ ‏‏بني الأَصْفَرِ».

     قوله:  فَإِذَا فِيهِ:  بِسْمِ اللهِ الرَحْمنِ الرَّحِيمِ. مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ: وقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم كتابه بالبسملة ويرى الكثير من أهل العلم استحباب ذلك كما جاء عند النووي في شرحه على مسلم وغيره من العلماء «استحبابُ تصدير الكِتابِ بِبِسمِ اللَّهِ الرَّحمن الرَّحيم وإِن كان المبعُوثُ إِليهِ كافرًا، ومنها أَنَّ السُّنَّةَ في المُكَاتَبَةِ وَالرَّسَائِلِ بَينَ النَّاسِ أَن يَبدأَ الكَاتِبُ بِنَفسِهِ».

      قوله:  إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ:  عظيم الروم. هو حكاية على حاله بوصفة زعيم الروم ورئيسها. ولم يكتب له النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملك الروم حتى لا يكون من النبي صلى الله عليه وسلم  إقرار له على ملك لا يستحقه إلا بالإسلام. كما فيه ملاطفة وتألف لقلبه؛ لأن الزعماء يرغبون بالنعت الذي يظهر رياستهم. وهو من باب قوله تعالى لموسى وأخيه هارون أن يقولا لفرعون {فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً} (طه: 44). قولًا لينًا لا مداهنة فيه ولا يخالف شرع الله.

قوله:  سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى:  أي سلم من عذاب الله من أسلم. ولم يقصد بها بدء الكافر بتحية وإن قصد التحية. فقد جاءت وكأنها مشروطة أن من يستحق السلام هو من اتبع هدى الله. والله أعلم.

     قوله:  أَمَّا بَعْدُ فإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ:  بدعاية الإسلام بكسر الدال من قولك دعا يدعو دعاية أي بدعوته، وهي الكلمة الداعية إليه، وهي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. التي تدعى إليها الأمم، ويدخل بها الناس الإسلام. أدعوك بدعاية الإسلام وأقول لك ولأتباعك.

قوله:  أَسْلِمْ: وهي أمرٌ بالإسلام.

قوله: تَسْلَمْ:  وهي ترغيب. أي إنك تسلم من عقاب الله.

     قوله: وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ:  كان هرقل كافرًا يدين بالنصرانية. ويؤتك:  ترغيب آخر أي إن الله سيعطيك ويضاعف لك الأجر. أجر النصرانية و دخول الإسلام أجر الإيمان بعيسى وبمحمد عليهما السلام. أو يضاعف الأجر لك ومن معك ومن أسلم بسببك من أتباعك. وتكرار كلمة «أسلم»:  قد تكون للتأكيد أو للدخول في الإسلام والثاني للدوام عليه كما في قوله تعالى:  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْبِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} (النساء:  136) وهو موافق لقوله تعالى: {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} ( القصص: 54).

قوله:  فَإِنْ تَوَلَّيْتَ:  هو زجر له. أي أعرضت عن الإجابة إلى الدخول في الإسلام، وحقيقة التولي إنما هو بالوجه ثم استعمل مجازًا في الإعراض عن الشيء وهي استعارة تبعية.

     قوله:  فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ: الأريسيون:  كلمة أعجمية. وتروى على أوجه كثيرة. أي:  المزارعون والأجراء. هم اليهود والنصارى. الأكارون، أي:  الفلاحون. قال أبو عبيد:  المراد بالفلاحين أهل مملكته؛ لأن كل من كان يزرع، فهو عند العرب فلاح سواء كان يلي ذلك بنفسه أم بغيره. وقال الخطابي:  أراد:  إن عليه إثم الضعفاء والأتباع إذا لم يسلموا تقليدًا له؛ لأن الأصاغر أتباع الأكابر. قد اختلف في صيغها ومعناها. وأما معناها؛ فقال أبو عبـيد:  هم الخدم والخول، يعني:  لصده إياهم عن الدين، وجمعها أريسون وإريسون وأراسة، وهم الأكارون. وإنما قال ابن الأعرابي ذلك؛ لأن الأكارين كانوا عندهم من الفرس. وهم عبدة النار.وقال أبو عبـيد في كتاب (الأموال):  أصحاب الحديث يقولون الأرِيسِيوّن منسوبًا مجموعًا، والصحيح الأريسين، وقال بعضهم:  إن في رهط هِرَقْلَ فـرقةً تعرف بالأروسِيّة، فجـاء على النسب إليهم، وقيل:  إنهم أتباع عبدالله بن أَرِيس الذي وحد الله عندما تفرقت النصارى. بعث الله نبيًا في زمانه. فخالفه هو وأصحابه فقتلوه».

قوله: قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران:  64).

     قوله:  فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ ارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ عِنْدَهُ، وَكَثُرَ اللَّغَطُ، وَأُمِرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا:  جاء في حديث الباب أنه « كثر عنده الصّخَب، أي الضّجّة، واضطرابُ الأصواتِ للخِصَام. وجاء بلفظة أخرى أنهم «حاصوا»:  أي نفروا وكروا راجعين. وقيل صالوا والمعنى قريب.

فلما قرأ الكتاب طواه ثم رفعه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هؤلاء فيمزقون، وأما هؤلاء فستكون لهم بقية، ويؤيده ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه جواب كسرى قال:  «مَزَّقَ اللَّهُ مُلْكَهُ. وَلَمَّا جَاءَهُ جَوَابُ هِرَقْلَ. قَالَ:  ثَبَّتَ اللَّهُ مُلْكَهُ».

أين خبأ هرقل كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟: 

«ذكر السهيلي أنه بلغه أن هرقل وضع الكتاب في قصبة من ذهب تعظيمًا له، وأنهم يتوارثونه بينهم، حتى كان عند ملك الفرنج الذي تغلب على طليطلة ثم كان عند سبطه». فأما كسرى فلما قرأ الكتاب مزقه فدعا رسول الله[ عليه.

قوله:  قَالَ أبوسفيان:  فَقُلْتُ لأَصْحَابِي حِينَ خَرَجْنَا. لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ: أَمِرَ: أي عَظُم وزاد. أَمرُ:  بمعنى الشأن والحال. أي ارتفع شأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم . وهو جواب لقسم محذوف تقديره والله قد أمر أمره وانتشر.

     قوله:  ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ: يريد به النبي صلى الله عليه وسلم ، قيل إنه كنية جد جده وَهَب؛ لأن أمه آمنة بنت وَهَب، وأم جد وَهَب قيلة بنت أبي كَبْشة، وعادة العرب إذا تَنَقَّصَت نسبت إلى جد غامض، وقيل:  هو أبوه من الرَّضاعة، واسمه الحارث بن عبد العُزَّى، وكانت له بنتٌ تسمى كَبْشَة، يُكْنَى بها، وقيل:  هو رجل من خُزاعة اسمه وَخْز بن عامِر بن غالِب -بفتح الواو وسكون الخاء-، خالف قريشًا في عبادة الأوثان، فنسبوه إليه للاشتراك في مطلق المخالفة، وذكر ابن حبيب في (المُجْتَبى) جماعة من أجداده صلى الله عليه وسلم من قِبَلِ أبيه، ومن قِبَل أمه كل واحد منهم يُكنى أبا كبشة. لهذا نجد الغموض في معرفة معاني هذا القول، والله أعلم.

     قوله:  إِنَّهُ لَيَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَر:  قوله إنه يخافه هو بكسر الهمزة استئنافًا تعليليًا. قوله: ملك بني الأصفر هم الروم. وهو مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم :  نصرت بالرعب مسيرة شهر؛ لأنه كان بين المدينة وبين المكان الذي كان قيصر ينزل فيه مدة شهر أو نحوه.

     وما قاله أبو سفيان لأصحابه عن النبي صلى الله عليه وسلم هو نتيجة هذا الزلزال الوجداني الذي حصل له في هذا اللقاء التاريخي مع ملك من ملوك الأرض، إنه قدر الله أن يجتمع رأسان في الكفر على كتاب رسول الله، وهي تشكل نوعًا من أنواع اجتماع أهل الكفر في حديثهم عن الإسلام.

     قوله:  فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا بِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ  صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللهُ عَلَيَّ الإِسْلاَمَ:  أي تأكد لي بيقين أمر محمد. وفي رواية عبد الله بن شداد عن أبي سفيان: »فما زلت مرعوبًا من محمد حتى أسلمت «أخرجه الطبراني. حتى منَّ الله عليَّ بالإسلام فأظهرت ما كنت أضمر من يقين تجاه النبي  صلى الله عليه وسلم . قال الذهبي: وَلاَ رَيْبَ أَنَّ حَدِيْثَهُ عَنْ هِرَقْلَ وَكِتَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَدُلُّ عَلَى إِيْمَانِهِ، وَللهِ الحَمْدُ.

     ويبدو -والله أعلم- أن هرقل من حيث يدري أو لا يدري، حرك في أبي سفيان معاني الإيمان، وكان هذا باتجاهين أنه كافر مثله لكنه أعمل عقله. والثاني:  أنه سيد في قومه. و أعظم سلطانًا منه لكنه أذعن للحق وتواضع لهذا الرسول. بقوله:  «وَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ، وَلَيَبْلُغَنَّ مُلْكُهُ مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ». فكانت النتيجة أن أبا سفيان استقر في ضميره ووجدانه أن أمر رسول الله سيظهر.

     الحق ما شهدت به الأعداء، إن ما ذكره أبو سفيان لهرقل لما كان على الكفر حين صدقه القول، وشهد على حسن أخلاق هذا النبي الكريم، كان سببًا في تعريف هرقل بحقيقة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم الذي على ما يبدو أنه اقتنع بها، وأضمر إسلامه والله أعلم. وفي ظني أنه مهما حمله هذا اللقاء من معاني الإجلال والتقدير للنبي صلى الله عليه وسلم كان كل منهم يقر في داخله بعظيم شأن محمد وصدق دعوته؛ وذلك لما امتثل كل منهم صدق الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم.

     تنازع بعضهم مسألة إيمان هرقل؛ لأنه قد بدر من كلامه ما استحسن به هذا الخطاب، وما جاء به وحفظه، وهل ما قاله يكفي إقرارًا بإيمانه أم عدم تصريحه بالإيمان للخوف على نفسه من القتل ينفي ذلك؟ ومما يشير إلى عدم إيمانه ما كان منه بعد تاريخ الخطاب له ومن ذلك أنه جهز الجيوش لمواجهة المسلمين في مؤتة 8هـ، و تبوك، واختلف الإخباريون هل هو الذي حاربه المسلمون في زمن أبي بكر وعمر أو ابنه؟ قال ابن حجر في الفتح: والأظهر أنه هو والله أعلم.

من فوائد الحديث: 

1- قال ابن بطال:  فيه جواز كتابة بسم الله الرحمن الرحيم إلى أهل الكتاب وتقديم اسم الكاتب على المكتوب إليه. قال: وفيه حجة لمن أجاز مكاتبة أهل الكتاب بالسلام عند الحاجة. قال ابن حجر:  في جواز السلام على الإطلاق نظر، والذي يدل عليه الحديث السلام المقيد مثل ما في الخبر السلام على من اتبع الهدى أو السلام على من تمسك بالحق أو نحو ذلك.

2- أن أبا سفيان لما كان بإيلياء في لقائه مع هرقل لم يكن قد أسلم بعد لكنه كان يدرك رسالة الإسلام. وكذلك كان هرقل.

3- الصدق كان خلقًا عربيًا قديمًا قبل الإسلام. والكذب منقصة لصاحبه.

4- استشرف هرقل مستقبل دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بأنها ستصل إلى بلاد الشام عمومًا و بيت المقدس خصوصًا. بقوله: «سيملك موضع قدمي».

5- ويظهر من كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فن كتابة الخطابات الرسمية الرصينة مع أنه نبي أُمِّيّ؛ فقد احتوى الخطاب على المُرْسِل والمُرْسَل إليه والمُحتوى وهو نص الخطاب والخاتمة بكلمات جزلة مختصرة مركَّزة

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك