رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: جهاد العايش 13 فبراير، 2017 0 تعليق

الأربعون الفلسطينية (الْحَديثُ الثَّالِثُ وَالثَّلاثُون) عِمْرَانُ بَيْت الْمَقْدِسِ آخِر الزَّمَانِ

كتاب الأحاديث الأربعون الفلسطينية، وثيقة نبوية تؤكّد ارتباط الأرض المقدسة فلسطين برسالة التوحيد عبر الأزمان كلها أولها وأوسطها وآخرها، إنها أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم التي تشد العالمين إلى أرض فلسطين، إنها زبدة أحاديث سيد المرسلين حول فلسطين وأهلها، صحيحة صريحة تبعث فينا الأمل والجرأة في الحق، وصدق اليقين، ولقد لقي متن كتاب» الأحاديث الأربعون الفلسطينية «قبولا واسعا فقد تدافع كثيرون إلى ترجمته إلى لغاتهم، فاستحق أن يكون لهذا المتن شرح يليق به، وها نحن أولاً نشرح هذه الأحاديث في هذه السلسلة المباركة، واليوم مع شرح الحديث الثالث والثلاثون:

     عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه-، قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم -: «عِمْرانُ بَيتِ المقدِسِ خَرابُ يَثرِبَ، وخَرابُ يَثرِبَ خُروجُ الملحَمةِ، وخروجُ الملحَمةِ فَتحُ القُسطنطينيَّةَ، وَفَتحُ القُسطَنطينيَّةِ خُروجِ الدَّجَّالِ»، وذكر أبو داود تكملة للحديث: «ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِ الَّذِي حَدَّثَهُ أَوْ مَنْكِبِهِ (منكبيه) ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا لَحَقٌّ كَمَا أَنَّكَ هَاهُنَا أَوْ كَمَا أَنَّكَ قَاعِدٌ - يَعْنِي مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ-».

شرح الحديث

هذا الحديث يستعرض جملة من أشراط الساعة في آخر الزمان، ويحدد فيها مراحل تتعاقب فيها أحداث يذكرها بتسلسل.

     قوله:عِمْرانُ بَيتِ المقدِسِ: قيل: عمارته بكثرة الرجال والعقار والمال، وقيل عمرانه باستيلاء الكفار، وقال الأردبيلي في الأزهار: قال بعض الشارحين: المراد بعمران بيت المقدس عمرانه بعد خرابه؛ فإنه يخرب في آخر الزمان ثم يعمره الكفار، والأصح أن المراد بالعمران الكمال في العمارة أي عمران بيت المقدس كاملًا مجاوزًا عن الحد وقت خراب يثرب؛ فإن بيت المقدس لا يخرب.

خَرابُ يَثرِبَ: مدينة يثرب وهي المدينة المنورة مدينة رسول الله، والنسب إليها يَثْرِبِيّ.

سبب تسميتها يَثْرِب

     سُميت قديمًا يثرب: باسم أول من سكنها، وهو يثربُ بن قانية، من ولد سام بن نوح، وهو الحفيد الرابع لنوح (يثرب بن عبيل) الذي بناها واستوطنها، وقيل: إنها وجدت قبل هجرة الرسول إليها بـ «1500» عام، وأقدم ذكر لها كان في عهد المعينيين في فترة «1300 إلى 630» ق. م، وفيها كانت حضارتهم، ودخلتها ملل كاليهودية والمسيحية والحنيفية، أما اليهود فدخلوها عام 586 ق. م, لما هجَّرهم بختنصر البابلي من فلسطين، وقبيلة بنو قينقاع أشهر اليهود بها.

وكانت في الجاهلية تدعى غلبة، غلبت اليهود عليها العمالقة، وغلبت الأوس والخزرج عليها اليهود، وغلب المهاجرون عليها الأوس والخزرج، وغلبت الأعاجم عليها المهاجرين.

النهي عن تسمية المدينة المنورة بيثرب

     جاء في الأثر ذم تسميتها بيثرب؛ لأنها لفظة مشتقة من التثريب وهو العتاب، والتعيير واللوم، كقول اللَّهُ -عَزَّ وجل- على لسان يوسف عليه السلام لإخوانه: {لا تثريب عليكم اليوم}. وقد ورد لفظ يثرب مرة واحدة في القرآن، حكاية عن قول المنافقين، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} (الأحزاب: ١٣).

     ويشير المسعودي إلى أن ما وقع في القرآن الكريم من تسميتها بهذا الاسم إنما هو حكاية عن قول المنافقين. وهي ضمن الإصلاحات التي أجراها النبي -صلى الله عليه وسلم - عليها بعد هجرته إليها أن غير اسمها إلى المدينة وطابة، فعن البراء بن عازب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَمَّى الْمَدِينَة يَثْرِب فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّه، هِيَ طَابَة هِيَ طَابَة».

     ودعا لها -صلى الله عليه وسلم - فقال: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَيْ مَا جَعَلْتَ بِمَكَّةَ مِنَ الْبَرَكَةِ», كما أن مكة حرم وقد حرَّمها إبراهيم -عليه السلام- كما جاء في حديث عبدالله بن زيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم -، قال: «إن إبراهيم حرَّم مكة ودعا لها، وحرَّمت المدينة كما حرَّم إبراهيم مكة، ودعوت لها في مُدِّها وصاعها مثلما دعا إبراهيم عليه السلام لمكة».

      وخَرابُ يَثرِبَ خُروجُ الملحَمةِ: الملحمة: الوقعة العظيمة القتل، وقيل: موضع القتال. وألحمت القوم: إذا قتلتهم حتى صاروا لحمًا. وألحم الرجل إلحاماً، واستلحم استلحامًا إذا نشب في الحرب فلم يجد مخلصًا». هي: الحرب وموضع القتال، والجمع الملاحم، مأخوذ من اشتباك الناس واختلاطهم. وخروجُ الملحَمةِ فَتحُ القُسطنطينيَّةَ: خروج الملحمة: أي ظهور الحرب العظيمة، قال القاري نقلًا عن الأشرف: لما كان بيت المقدس باستيلاء الكفار عليه، وكثرة عمارتهم فيها أمارة مستعقبة بفتح قسطنطينية، وهو أمارة مستعقبة بخروج الدجال، جعل النبي -صلى الله عليه وسلم -، كل واحد عين ما بعده.

     وَفَتحُ القُسطَنطينيَّةِ خُروجِ الدَّجَّال: والقسطنطينية: هي دار ملك الروم، بينها وبين بلاد المسلمين البحر المالح، عَمَّرَهَا ملك من ملوك الروم، يقال له (قسطنطين)؛ فسميت باسمه وهي اليوم تعرف باسطنبول من أهم مدن الجمهورية التركية -حفظها الله- من كيد الأعداء.

وفي جانب سورها قبر أبي أيوب الأنصاري، صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، واسمه خالد بن زيد، ولما قتل دفنه المسلمون وقالوا للروم: «هذا من كبار أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وو الله إن نُبِشَ لا دُقَّ بناقوس في أرض العرب أبدًا.

     «وسيكون بعد فتح قسطنطينية روما، لما سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: أيُّ المدينتين تفتح أولًا: أقسطنطينية أو رُوميةُ؟ فقال رسول الله: مدينة هرقل تفتح أولًا. يعني: (قسطنطينية). ورومية: هي روما عاصمة إيطاليا اليوم» قال المناوي: «جعل المصطفى-صلى الله عليه وسلم -، كلَّ واحد منهما عين ما بعده، وعبَّر به عنه»، وذكر أبو داود تكملة للحديث: «ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِ الَّذِي حَدَّثَهُ أَوْ مَنْكِبِهِ (منكبيه) ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا لَحَقٌّ كَمَا أَنَّكَ هَاهُنَا أَوْ كَمَا أَنَّكَ قَاعِدٌ - يَعْنِي مُعَاذَ بْنَ جَبَل». إن هذا لحق: أي: تحقق الأخبار المذكورة في الحديث قطعي يقيني، كما أن جلوسك ههنا قطعي يقيني.

ما جاء في الحديث هي من العلامات بين يدي الساعة، وقد تحقق بعضها وظهرت علامات تحقق بعضها الآخر والله أعلم.

من فوائد الحديث

- بشارة النبي -صلى الله عليه وسلم - وإخباره بعمارة بيت المقدس آخر الزمان.

- «وقد تحقق الفتح الأول على يد محمد الفاتح العثماني، كما هو معروف، وذلك بعد أكثر من ثمانمائة سنة من إخبار النبي بالفتح، وسيتحقق الفتح الثاني بإذن الله -تعالى- ولا بدّ، ولتعلمن نبأه بعد حين. ولا شك أيضا أن تحقيق الفتح الثاني يستدعي أن تعود الخلافة الراشدة إلى الأمة المسلمة..».

-  هذا الحديث من دلائل نبوة محمد يخبر عن أمور هي من أشراط الساعة تقع آخر الزمان.

- نؤمن أن ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم - حق وسيقع كما أخبر وبالترتيب الذي أشار إليه النبي -صلى الله عليه وسلم -.

-  في الحديث إشارة بزوال ما يسمى زورا دولة إسرائيل بعمارة بيت المقدس بالإيمان.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك