رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: حسن عبدالحي 29 نوفمبر، 2015 0 تعليق

الأدوات المعرفية في تربية الأبناء

نخطئ كثيرًا عندما نظن أن عمود التربية الإسلامية للأبناء قائم فقط على المعرفة الشرعية التي يُربَّى عليها الطفل؛ من آداب وتعاليم دينية، أو سلوكيات عرفية، أو حتى تقاليد المنزل والأسرة.

 نعم، إقامة تلك المعارف والآداب في الأبناء هي الغاية التي يَرمي إليها المربّون، لكنها تحتاج لأدوات معرفية أخرى مغايرة لها، تلك الأدوات وإن كانت من جنس المعرفة مثل تلك الغايات، إلا أنها تفارق الغاية في كونها غير ثابتة، تختلف من مكان وزمان إلى آخر، وربما لم يكن يُحتاج إليها من قبل مثل الآن.

إذاً أدوات تربية الأبناء معارف مساعدة للتربية؛ معارف نصل بها إلى نجاح التربية على الوجه الذي نريده، فنفهم أنماط شخصيات الأطفال المختلفة، كما نعي المراحل العمرية لهم، كما ننجح في تواصلنا بالأبناء.

     كما أن تلك الأدوات غير الوسائل التي تُتّخذ في المسيرة التربوية؛ فالوسائل تعني الطرائق التي يتوصّل بها للغايات التربوية، مثل التربية بالقدوة، أو التربية بالموقف، فكلاهما وسيلة لتحقيق الغاية، وهي التربية على مضمونهما، والأدوات هي التي تؤهلنا للتوصل للوسيلة النافعة من المُربّى، فبمعرفتنا خصائص المرحلة العمرية للطفل، نستطيع أن نفهم أي الوسائل أجدى معه وأنفع له؟

 أدوات تربية الأبناء في الواقع المعاصر:

وفي واقعنا المعاصر أدوات معرفية بفهمها جيدًا يتحقق لنا الإلمام الكافي بالجوانب المحيطة بالتربية، فنكتسب الشق العلمي كاملا، ويبقى التوفيق لتحقيق الشق الآخر، وهو العملي.

 وتدور تلك الأدوات حول فهم شخص الطفل، من خلال:

- النفسية والصفات : لكل طفل نفسية وصفات مغايرة لغيره، ونحن لا نستطيع تربية الطفل على أي شيء كان قبل الإحاطة بهما.

 فهناك الطفل المتزن نفسيًا، وهناك غير المتزن، كما أن هناك الطفل الذكي أو الهادئ، وهناك الطفل غير الذكي أو العصبي، وكل صفة من تلك الصفات أو غيرها تحتاج لأسلوب مغاير لغيرها في قضية تربية الأبناء.

     وتُكتسب تلك المعرفة عن طريق الاحتكاك تارة بالطفل، وعن طريق تحليل تصرفات الطفل من أقواله وأفعاله تارة أخرى، وليس الغرض الخوض في علوم كبيرة قائمة على أصول لا يحيط بها الفرد المسلم العادي، وإنما المراد حصول قدر يمكن به فهم شخص الطفل النفسي والسلوكي؛ وهذا مما يتأتى بسؤال المختصين عند الالتباس والإبهام على الأب أو الأم.

 - المرحلة العمرية:

فلكل مرحلة عمرية في سن الطفولة خصائصها التي تنفرد بها، وفهم تلك المراحل بخصائصها يعني الوصول بقدر كبير إلى فهم شخص الطفل، كما أن جهلها يعني توصيفًا خطأ لشخص الطفل.

     فالذي يمارس التربية دون أن يحيط -ولو إحاطة عامة- بخصائص المرحلة العمرية للطفل يبُني توصيفه لشخص الطفل على غير أساس، ولهذا يستعظم آباء وأمهات تصرفات أطفالهم في مراحل مختلفة، وإذا راجعوا مستشارًا أو متخصصًا أو حتى أصحاب خبرات وتجارب سابقة تبيّن لهم غلط تصوّرهم.

- البيئة والمجتمع:

واقع مجتمعنا يتغيّر تغيراً سريعاً، وعقلية الطفل وميله النفسي يتأثر بما يحيط به؛ ولهذا كان لزامًا علينا الوقوف على تلك المتغيّرات دومًا حتى نفهم الطفل برؤية أوسع وأشمل.

 فلا يحسن بنا معالجة قضية التربية مع أبنائنا ونحن نجهل مؤثرات صناعة الشخصية وميلها في محيطه، وإلا فإننا سنصطدم بواقع نجهله جهلا تامًّا، فإما أن نقبله بلا تمحيص له وتنقيح لمشكلاته، وإما أن نرفضه كله فنصادم أطفالنا قبل أن نصادر ما ليس ممنوعًا، أو ربما ما كان مطلوبًا.

 تلك بعض الأدوات المعرفية لفهم جامع يُسهّل على المربي اختيار الوسائل الصحيحة في تربية الأبناء، ومن ثمّ التجربة الموفقة لتربيتهم.

 - كيفية تحقيق تلك الأدوات:

ولا ينبغي أن نهوّل في الحديث عن تحصيل تلك الأدوات؛ فالتربية الصحيحة مطلب واسع يشمل كلّ أحد: مثقف وغير مثقف، متعلّم وغير متعلّم، وإنما يخاطَب الناسُ على قدر استطاعتهم في ذلك.

 نعم، نمهد لطرائق التعلّم، ونفتح أبواب المعرفة الصحيحة لكل أحد حسب قدرته وإمكانيته، وتتأتّى تلك المعارف بالسؤال والاستفسار في أبسط صوره، كما تتسع عند آخرين بمزيد من المطالعة والتجارب المكتسبة، وهكذا تتفاوت بين الآباء والمربين.

 وإذا قامت في النفوس الحاجة لاكتساب تلك الأدوات حصلتها من وجوهها المختلفة، وعلى هذا نسعى لفرض تلك الحاجة عند كل أب وأم، ونترك باب التحصيل دون تفصيل دقيق ليعرفه كلّ أحد حسب ثقافته وقدراته التحصيلية.

- بصماتنا على أبنائنا:

من الأدوات المعرفية التي تؤهل الآباء لفهم أرقى لأبنائهم، كذلك الآثار التي تحدث نتيجة احتكاكهم بهم، إيجابية كانت أم سلبية.

      فكل علاقة لها انطباعها في طرفيها، والطفل وإن صغر في أعيننا إدراكه وتصوراته، إلا أنه في الحقيقة له تصور وله إدراك يستفيده ممن حوله، فهو يفهم أنّ أمّه تكتم خطأه عن أبيه، فلا يبالي بالمخالفة أمامها، ويفهم أن أباه هو من يجازيه ويثيبه على إحسانه فيتعمد إظهار صوابه أمامه، وهكذا يستفيد الابن من الاحتكاك بمربيه.

 وفهم تلك الأداة في التربية يعني اتساع ملاحظة تلك الآثار على الأبناء، كما يعني قراءة مستقبلية أكبر لتصرفات الطفل.

 فلأخطائنا في التربية آثار يجب أن نستفيدها في تكميل المسيرة التربوية، كما أن لصوابنا آثارًا يجب أن ندعم ثمارها في الأبناء، ويحسن أن أختم بتلك الأداة؛ لأنها مكتسبة من التربية، لا سابقة عليها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك