رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: خالد بن صالح الغيص 3 يناير، 2011 0 تعليق

الأدلة من الأحاديث النبوية والرد على بعض الشبه- جريـان الشمس والقمر وسكـون الأرض

الحمد لله القائل في كتابه العزيز: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}، والصلاة والسلام على محمد رسول الله الذي تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك, وبعد:

     فقد كتب الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله رسالة صغيرة في نهاية القرن الـ 14 هـ، قامت بنشرها مكتبة الرياض الحديثة والنسخة التي بين يدي هي الطبعة الثانية 1402 هـ، وقد بيّن وأوضح فيها أن الشمس جارية في فلكها كما سخرها الله سبحانه وتعالى، وأن بدورتها يحصل تعاقب الليل والنهار على سطح الأرض (اقتباس من عبارات الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في فتاوى العقيدة) ، وأن الأرض ثابتة قارة قد بسطها الله لعباده وجعلها لهم فراشاً ومهداً وأرساها بالجبال لئلا تميد بهم، وأن ذلك قد دل عليه القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، وإجماع علماء الإسلام، والواقع المشاهد المحسوس ، ثم طفق الشيخ في تبيان الأدلة من القرآن الكريم ثم من الأحاديث النبوية وأقوال علماء الإسلام والواقع المشاهد المحسوس. 

     ولقد رأيت في رسالتي هذه – في جزئها الثاني - أن أكمل وأتمم ما قام به الشيخ رحمه الله من الاستدلال بالأحاديث النبوية (وأما الاستدلال بالقرآن الكريم فقد مر بنا في الجزء الأول، فقد استدل الشيخ رحمه الله:

أولاً: بحديث أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ لأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ: «أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ؟»، قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنُ لَهَا وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلا يُقْبَلَ مِنْهَا وَتَسْتَأْذِنَ فَلا يُؤْذَنَ لَهَا، يُقَالُ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}». رواه البخاري، وفي رواية لمسلم عَنْه أَنَّ النَّبِيَّ [ قَالَ يَوْمًا: «أَتَدْرُونَ أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَخِرُّ سَاجِدَةً وَلاَ تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا ارْتَفِعِي ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَرْجِعُ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلِعِهَا ثُمَّ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَخِرُّ سَاجِدَةً وَلاَ تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُقَالَ لَهَا ارْتَفِعِي ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَرْجِعُ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَطْلِعِهَا ثُمَّ تَجْرِي لاَ يَسْتَنْكِرُ النَّاسُ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا ذَاكَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَيُقَالُ لَهَا ارْتَفِعِي أَصْبِحِي طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِكِ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِهَا» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ [: «أَتَدْرُونَ مَتَى ذَاكُمْ ذَاكَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا»، قلت: وهذا الحديث من أقوى الأدلة على أن الشمس هي التي تدور حول الأرض وأن بدورتها يحصل تعاقب الليل والنهار، فإن النبي [ كان خطابه عن الشمس: «أَتَدْرُونَ أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ» - كما في رواية مسلم - مما يوضح المعنى من غير لبس أوغموض، ثم خطابه عن الشمس بقوله: «تذهب» و«فَتَخِرُّ» و«ارتفعي» و«ارجعي» و«فَتَرْجِعُ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً» و«ارْتَفِعِي أَصْبِحِي طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِكِ فَتُصْبِحُ طَالِعَةً مِنْ مَغْرِبِهَا» خطاب واضح في أن الحركة والدوران للشمس وليس للأرض، قال ابن حجر رحمه الله: وَظَاهِره مُغَايِر لِقَوْلِ أَهْل الْهَيْئَة أَنَّ الشَّمْس مُرَصَّعَة فِي الْفَلَك، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الَّذِي يَسِير هُوَ الْفَلَك وَظَاهِر الْحَدِيث أَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَسِير وَتَجْرِي». (الفتح بَاب صِفَة الشَّمْس وَالْقَمَر بِحُسْبَانِ).

ثانياً: ومما أضيفه على استدلال الشيخ رحمه الله تعالى من الأحاديث النبوية ما يلي:

1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ [: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ وَذَلِكَ حِينَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا ثُمَّ قَرَأَ الآيَةَ». رواه البخاري والآية التي قرأها النبي - كما في الرواية الأخرى- هي: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} (الأنعام: 158).

2- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ [: «ثَلاَثٌ إِذَا خَرَجْنَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَالدَّجَّالُ وَدَابَّةُ الأَرْضِ». رواه مسلم.

3- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ [: «مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ». رواه مسلم.

4-وعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ [ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيء اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا». رواه مسلم.

5- وعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ اطَّلَعَ النَّبِيُّ [ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ فَقَالَ: «مَا تَذَاكَرُونَ؟» قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ، قَالَ: «إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ» فَذَكَرَ الدُّخَانَ وَالدَّجَّالَ وَالدَّابَّةَ وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَثَلاَثَةَ خُسُوفٍ خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ». رواه مسلم.

6- وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ حَدِيثًا لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ [ يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ الآيَاتِ خُرُوجًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيبًا». رواه مسلم.

7- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ [ قَالَ: «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتًّا الدَّجَّالَ وَالدُّخَانَ وَدَابَّةَ الأَرْضِ وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَأَمْرَ الْعَامَّةِ وَخُوَيِّصَةَ أَحَدِكُمْ». رواه مسلم.  

 قلت: وفي كل هذه الأحاديث جاء خطاب النَّبِيِّ [ موجّهاً عن الشمس بقوله: «طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا» بخطاب صريح وواضح لا لبس فيه ولا غموض في أن الدوران والجريان هما للشمس وليس للأرض، فليس الأرض هي التي تعكس دورتها أو جريانها كما يقول البعض تأويلاً وتحريفاً للكلم عن موضعه لتوافق الأحاديث النبوية في نظره النظرية السائدة – ولا حول ولا قوة إلا بالله.

8- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ [: «غَزَا نَبِيٌّ مِنْ الأَنْبِيَاءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ لا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا وَلا أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا وَلا أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ وِلادَهَا فَغَزَا فَدَنَا مِنْ الْقَرْيَةِ صَلاةَ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِلشَّمْسِ إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَجَمَعَ الْغَنَائِمَ فَجَاءَتْ يَعْنِي النَّارَ لِتَأْكُلَهَا فَلَمْ تَطْعَمْهَا فَقَالَ إِنَّ فِيكُمْ غُلُولاً فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ فَقَالَ فِيكُمْ الْغُلُولُ فَلْيُبَايِعْنِي قَبِيلَتُكَ فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ بِيَدِهِ فَقَالَ فِيكُمْ الْغُلُولُ فَجَاءُوا بِرَأْسٍ مِثْلِ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنْ الذَّهَبِ فَوَضَعُوهَا فَجَاءَتْ النَّارُ فَأَكَلَتْهَا ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا الْغَنَائِمَ رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فَأَحَلَّهَا لَنَا». رواه البخاري.

     قلت: فليس بعد هذا الحديث شكٌ في أن الشمس هي التي تجري وتدور في فلكها حول الأرض وبه يحدث تعاقب الليل والنهار وليس الأرض هي التي تدور، حيث جاء الخطاب موجّهاً إلى الشمس بقوله: «فَقَالَ لِلشَّمْسِ إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا فَحُبِسَتْ» ، وهذا الحديث من أصرح أحاديث النَّبِيِّ في هذا المعنى ويصعب على من يرى غير ذلك تفسيره بتفسير آخر يوافق ما ذهبوا إليه فلا يسعهم إلا التسليم بدوران الشمس حول الأرض والذي به يحصل تعاقب الليل والنهار ، أو مخالفة صريح القرآن وصريح الأحاديث بتأويلات وتحريفات ما أنزل الله بها من سلطان ، وأحاديث النَّبِيِّ [ هي خير ما فُسر به القرآن ، فإذا كان هناك من يحاول أن يفسر آيات القرآن التي تثبت دوران الشمس حول الأرض بأنها فيما يبدو للناس أو حركتها في المجرة؛ فإن تفسير النَّبِيِّ [ في هذه الأحاديث وغيرها يلغي كل تفسير وتأويل.

9- وردت أحاديث كثيرة عن النَّبِيِّ [ جاء الخطاب فيها موجّهاً الى الشمس أنها هي التي تتحرك فتطلع أو تغرب أو غيرها، ولكن أصحاب الرأي الآخر أبوا إلا أن يؤّولوها ويفسروها بـ«فيما يبدو للناس» ولكن الأحاديث السابقة ترد عليهم فيما ذهبوا إليه، وهي قد جاءت صريحة في المعنى ومحكمة، والأصل أن يُفسر المتشابه بالمحكم ويُرد إليه - لأن أحاديث النَّبِيِّ [ متوافقة المعنى - لا العكس عملا ً بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُو الألْبَابِ} (آل عمران: 7)، وبقوله في حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا قَالَتْ: تَلاَ رَسُولُ اللَّهِ [: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ}، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ [: «إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ». رواه مسلم ، وهذه الأحاديث هي – وجميعها من رواية مسلم في صحيحه-:

ا- عن أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ [ أَنَّهُ أَتَاهُ سَائِلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلاَةِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا - قَالَ - فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ وَالنَّاسُ لاَ يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالظُّهْرِ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدِ انْتَصَفَ النَّهَارُ وَهُوَ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُمْ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالْمَغْرِبِ حِينَ وَقَعَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ ثُمَّ أَخَّرَ الْفَجْرَ مِنَ الْغَدِ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ أَوْ كَادَتْ ثُمَّ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالأَمْسِ ثُمَّ أَخَّرَ الْعَصْرَ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدِ احْمَرَّتِ الشَّمْسُ ثُمَّ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ ثُمَّ أَخَّرَ الْعِشَاءَ حَتَّى كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ ثُمَّ أَصْبَحَ فَدَعَا السَّائِلَ فَقَالَ: «الْوَقْتُ بَيْنَ هَذَيْنِ».

ب- وعَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ قُلْتُ لِجَابِرِ ابْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللَّه [؟ قَالَ: نَعَمْ، كَثِيرًا كَانَ لاَ يَقُومُ مِنْ مُصَلاَّهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ أَوِ الْغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ؛ فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ.

ج- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: عَرَّسْنَا مَعَ نَبِيّ اللَّهِ [ فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ النَّبِيُّ [: «لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ » قَالَ فَفَعَلْنَا ثُمَّ دَعَا بِالْمَاءِ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ - وَقَالَ يَعْقُوبُ ثُمَّ صَلَّى سَجْدَتَيْنِ - ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى الْغَدَاةَ.

د- وعن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ َقالُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ [: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا».

هـ- وعن أَبَي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّه [: «غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ».

و- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ [: «لأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ أَحَبُّ إِلَيّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ». قلت: ولم أجد حديثاً واحداً من أحاديث النَّبِيِّ [ بعد البحث والتقصي يضيف فيه النَّبِيِّ [ الحركة للأرض، فهذا من الأدلة على أن الدوران للشمس وليس للأرض.

     وفي الختام أرجو أن أكون قد وُفقت في إتمام وإكمال ما وقف عنده الشيخ رحمه الله في رسالته – فقد كفّى ووفّى رحمه الله – وأرجو كذلك أني قد وضّحت وبيّنت وأزلت الشبهة في هذه المسألة المهمة وهي: «أن تعاقب الليل والنهار هو بسبب جريان ودوران الشمس في فلكها حول الأرض وليس العكس « وهي التي دلت عليها الأدلة من القرآن الكريم والأحاديث النبوية وأقوال علماء الإسلام والواقع المشاهد المحسوس، وأهميتها تكمن في أنها تتعلق بإيماننا وتصديقنا بالقرآن الكريم الذي سنسأل عنه يوم القيامة كما قال تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} (الزخرف: 43 - 44)، ولم أقصد أن أتكلم في قضايا من الترف الفكري ولكنها شبهة وجهت نحو كتاب الله تعالى، فعلينا جميعاً أن نذب ونحوط عنه، فإذا كان الجاهل يجهل والعالم يسكت فمتى يظهر الحق كما قال الامام أحمد بن حنبل رحمه الله: إذا سكت العالم تقية والجاهل يجهل فمتي يظهرالحق؟! (الآدَابِ الشَّرْعِيَّة لابن مفلح) وحتى لا تنتشر هذه الشبهة فيُربي فيها الصغير ويهرم عليها الكبير ولا تجد من ينكرها، وكذلك كانت سيرة العلماء من سلفنا الصالح، فكانوا يبادرون إلى درء الشبهات عن الناس ويرجعونهم إلى الفطرة السليمة، وإذا لم تكن هناك شبهة أو فتنة تركوا الناس على فطرتهم التي فطرهم الله تعالى عليها، وكما قيل: «ولو سكتوا لسكتنا».      

     والله تعالى يبتلي عباده بما شاء فهو جل وعلا ما خلقنا إلا ليبتلينا كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (هود: 7)، فهو سبحانه كما ابتلى السابقين بما يناسب حالهم وبما عندهم من العلم كما في حادثة الإسراء، فإن المسافة بين مكة وبيت المقدس لا تقطع في زمانهم في ليلة ولكن ابتلاهم الله تعالى في ذلك ليظهر من يؤمن بالقرآن وبالنبي بحق وصدق من غيره، فإن من أولى صفات المؤمنين المذكورة في القرآن هي أنهم يؤمنون بالغيب كما قال تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ. وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} (البقرة: 3 - 4)، فكما ابتلى السابقين كذلك يبتلينا الله تعالى في زماننا – زمان الطائرات والتقدم العلمي – بما يناسب حالنا ويتحدى ما عندنا من العلم ليظهر من يؤمن بالقرآن وبالنَّبِىِّ بحق وصدق من غيره، ولا تعارض بين نصوص الوحيين وبين العقل والعلم الصحيح، ولكن البعض يظن أن ما وصل إليه هو العلم الصحيح، ولكن الواقع يخالفه، ودين الله لم يأت ليوافق ما درج وسار عليه الناس في أقوالهم وعاداتهم وعلومهم، بل جاء ليبين الحق ولو خالف ما عليه الناس من باطل، كما جاء في صفة نبينا عندما سأل هرقل عظيم الروم أبا سفيان عن نبينا: «قَالَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ قُلْتُ: يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ» رواه البخاري .

     والقرآن كتاب هداية وليس كتاب فلك أو طب أو غيرهما من علوم دنيوية ولكن لا يعني ذلك أن نخالف ما تكلم به القرآن من علوم دنيوية بهذه الحجة الواهية أو نؤول ونفسر القرآن بما نريد، فقد تكلم النَّبِىِّ [ في أمور طبية وعلاجية كما في موضوع الحجامة مثلاً؛ فلا نردها بنفس الحجة ونقول: إن النَّبِىِّ [ لم يبعث بالطب وبأمور العلاج!! بل علينا أن نؤمن بكل ما جاء به القرآن أوالسنة الصحيحة ولو خالف عادتنا وعُرف الناس وهذا هو موقف المسلم الصحيح كما قال الطحاوي رحمه الله: ولا يثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام، فمن رام علم ما حظر عنه علمه ولم يقنع بالتسليم فهمه، حجبه مرامه عن خالص التوحيد وصافي المعرفة وصحيح الإيمان. (العقيدة الطحاوية)، ولقد حرصت كل الحرص على أن أستدل فقط بأحاديث البخاري ومسلم، فصحيحاهما أصح كتابين بعد كتاب الله تعالى – كما قال علماء الحديث - وإلا فأحاديث النَّبِىِّ [ الصحيحة كثيرة في غيرهما تدحض تلك الشبهة ، ولكن حتى لا يكون هناك شك أو لبس لدى أحد.

ومن لديه حجة شرعية غير ذلك فليدل بدلوه، ومن جهل شيئاً من الدين أو لم يفهم نصاً من القرآن      أو من أحاديث النَّبِىِّ [ فعليه أن يسأل أهل العلم كما أمره الله تعالى بقوله: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النحل: 43)، لا أن يجادل في دين الله بغير علم؛ فإن ذلك من صفات المخالفين للقرآن كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ} (الحج: 8)، وقال أيضاً: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ} (غافر: 4)، أعاذني الله وإخواني المؤمنين من ذلك ، وأسأل الله تعالى أن ييسر لي الرد على باقي الاعتراضات والشبه في مقال آخر .

     وأكرر دعوتي لإخواني الفلكيين وعلماء الهيئة من المسلمين مرة أخرى، أدعوهم إلى الجد والاجتهاد في إبطال قول من قال بدوران الأرض حول الشمس مخالفين بذلك صريح القرآن، إبطاله بما آتاهم الله تعالى من علم صحيح في الهيئة والفلك، وألا يكونوا إمعة ومقلدين للكفار في ذلك، فإذا كان اليهود والنصارى وغيرهم كفروا بدينهم الباطل وبكتبهم المحرفة وخالفوها فإن المسلم يؤمن بدينه الحق وبكتاب ربه الذي قال الله تعالى فيه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ, لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (فصلت: 41 - 42)،

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك