الأخلاق والقيم حصننا المنيع
- في بادرة رائعة سعت جمعية إحياء التراث الإسلامي من خلال مشروع سباق الخير، إلى تنفيذ مشروع (تحصين للبرامج القيمية الهادفة)، الذي يستهدف تحصين الشباب من الظواهر السلوكية الدخيلة، وتعزيز القيم الإيجابية الأصيلة لديهم، ولاشك أنها بادرة رائعة، وانطلاقة متميزة لتحقيق رسالة الجمعية في الدعوة إلى الله -تعالى.
- فالأخلاق والقيم ركنان أساسان من أركان شريعتنا الإسلامية؛ لذلك فلا غرابة أن تستهدف الأمة وتحارب من خلال قيمها وأخلاقها؛ لأنه لو أصيبت الأمة في هذا الجانب، سهل بعد ذلك الاستحواذ على أركانها؛ فالأمة التي تنهار أخلاقُها، يوشك أن ينهارَ كيانُها، كما قال شوقي:
وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ
فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا
- ولقد اعتنى الإسلام بترسيخ هذا المبدأ، وجعل له أهمية ومكانة عظيمة، لا لشيء، إلا لأن الخُلق هو أبرز ما يراه الناسُ، ويلاحظونه دون سائر أعمال الإسلام؛ فالناس لا يرون عقيدةَ الشخص؛ لأن محلَّها القلبُ، كما لا يرون عباداته، لكنهم يرَوْن أخلاقه، ويتعاملون معه من خلالها؛ لذا فإنهم سيُقيِّمون دِينَه بِناءً على تعامله؛ فيحكُمون على التزامه من عدمه من خلال خُلقه وسلوكه، لا عن طريق دعواه وقوله.
- كما أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الغاية من بِعثته الدعوة للأخلاق؛ فقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم قوله: «إنما بُعِثْتُ لأتممَ مكارم الأخلاق»، وبين صلى الله عليه وسلم بهذا الأسلوب أهمية الخُلق، بالرغم من أنه ليس أهمَّ شيء بُعث صلى الله عليه وسلم من أجله؛ فالعقيدة أهم منه، والعبادة أهم منه، ولكن هذا أسلوب نبوي لبيان أهمية الشيء، وإن كان غيرُه أهمَّ منه.
- وقد حدَّثَنا التاريخ أن الشرق الأقصى، لم يعتنقْ أهلُه الإسلام بفصاحة الدعاة، ولا بسيف الغزاة، بل بأخلاقِ التجَّار وسلوكِهم، من أهل حضرموت وعمان؛ وذلك لما تعاملوا معهم بالصدق، والأمانة، والعدل، والسماحة، وإن مما يؤسَفُ عليه اليوم، أن الوسيلةَ التي جذبت كثيرًا من الناس إلى الإسلام، هي نفسها التي غدَت تصرِفُ الناس عنه؛ وذلك لما فسَدت الأخلاق وساء السلوك؛ فرأى الناس تباينًا، بل تناقضًا بين الادِّعاء والواقع.
- الذي ينظر في حال أمتنا الآن، يجد أن الكثير من المجتمعات الإسلامية تعيش حالة ضعف الالتزام بالأخلاق، والقيم، والمبادئ، والمثل الإسلامية السامية، مثل: إفشاء السلام، والعدل، والإحسان، والصدق، والأمانة، وحسن الأخلاق، والتواضع، والتراحم، وحسن الظن بالآخرين، والمحافظة على أعراضهم، ومحبة المسلم لأخيه ما يحبه لنفسه.
- ولا شك أن هذه الحالة من الضعف في ممارسة الأخلاقيات، والقيم، والمبادئ الإسلامية، يجعل من الواجب استشعار خطورة هذه المشكلة، وتأثيرها السلبي على مستقبل تلك المجتمعات، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال القدواتِ الصالحة، التي يجِب أن تقدَّم للأجيال حتى يتخلَّقوا بأخلاقها ويسيروا على نهجِها، وأجلُّ هذه القدوات رسولُنا صلى الله عليه وسلم، قال -تعالى-: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} (الأحزاب: 21).
- لذلك علينا أن ندرك أن أخطر ما يهدِّد القيَم، ويزعزِع بنيَانَها القدواتُ السيّئة، التي يفتَقِد أصحابها إلى التحلّي بأبجديّات الآداب والأخلاق الإسلاميّة، هذه القدواتُ السيّئة تعمل على خَلخَلة القِيَم، وتنتج نفوسًا فارغة من القِيَم والأخلاق الحميدة.
- وأخيرًا؛ فإن القيم تذبُل وتتوارَى في المجتمع، إذا ضعُف التدين في الفرد والمجتمع؛ فعقوقُ الوالدين، والكذِب، والغشّ، وتضييع الأوقات، والاختلاطُ، والانكباب على الدنيا، وغيرُ ذلك من أثر ضعفِ التديّن ووَهن علاقةِ الناس بربهم؛ لأنهم يفقِدون الطاقة الإيمانيّةَ، والشعور بالجزاء الأخرويّ؛ فأزمَةُ الأمّة اليوم أزمةُ قيَمٍ إيمانية، لا قيَم مادية، وقد سجَّلت الأمّةُ في فتراتِ رسوخ الدّين وعلوِّ الإسلام مبادَراتٍ مِنَ الأعمال الخيِّرة والسّلوك الرشيد، أثارتِ الإعجابَ، وأدهشتِ المنصفين، قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} (محمد: 17).
23/12/2019م
لاتوجد تعليقات