رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 22 فبراير، 2021 0 تعليق

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية – من الأحكام المستفادة من قصة يوسف -عليه السلام- مشروعية الكفالة بالنفس

قال -تعالى-: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} (سورة يوسف:66)، قال الطبري: «يقول -تعالى- ذكره: قال يعقوب لبنيه: لن أرسل أخاكم معكم إلى ملك مصر، (حتى تؤتون موثقًا من الله)، يقول: حتى تعطون موثقًا من الله، بمعنى «الميثاق»، وهو ما يوثق به من يمينٍ وعهد (لتأتنني به) يقول لتأتنني بأخيكم، (إلا أن يحاط بكم)، يقول: إلا أن يُحيط بجميعكم ما لا تقدرون معه على أن تأتوني به».

من المسائل المستفادة من هذه الآية الكريمة (مشروعية الكفالة بالنفس) وهي كالتالي:

أولا: تعريف الكفالة بالنفس

عرف الفقهاء الكفالة بالنفس: بأنها التزام جائز التصرف في إحضار بدن من عليه الحق، وهناك فرق بين كفالة المال والكفالة بالنفس، قال الشيخ ابن سعدي: «فالضمان: الكفالة بالمال يكون للدين، والكفالة بالنفس لإحضار بدن الغريم».

ثانيا: حكم الكفالة بالنفس

دل الكتاب والسنة على مشروعية الكفالة بالنفس:

فأما الكتاب فقوله -تعالى-: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَن يُحَاطَ بِكُمْ} (سورة يوسف:66)

قال القرطبي: «هذه الآية أصل في جواز الحمالة بالعين والوثيقة بالنفس».

وأما السنة فعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الزعيم غارمٌ «أخرجه أبو داود والترمذي وصححه الألباني، قال في عون المعبود: أي: يلزم نفسه ما ضمنه، والغرم أداء شيء يلزمه، والمعنى أنه ضامن، ومن ضمن دينا لزمه أداؤه».

     وذكر البخاري في صحيحه في باب (الكفالة في القرض والديون والأبدان وغيرها) تعليقا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بَعَثَهُ مُصَدِّقًا، فَوَقَعَ رَجُلٌ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ، فَأَخَذَ حَمْزَةُ مِنَ الرَّجُلِ كَفِيلًا حَتَّى قَدِمَ عَلَى عُمَرَ، وَكَانَ عُمَرُ قَدْ جَلَدَهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ، فَصَدَّقَهُمْ وَعَذَرَهُ بِالْجَهَالَةِ».

وَقَالَ جَرِيرٌ، وَالأَشْعَثُ، لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: «فِي المُرْتَدِّينَ اسْتَتِبْهُمْ وَكَفِّلْهُمْ، فَتَابُوا، وَكَفَلَهُمْ عَشَائِرُهُمْ».

قال ابن حجر في الفتح: «وَاسْتُفِيدَ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ (خبر حمزة) مَشْرُوعِيَّةَ الْكَفَالَةِ بِالْأَبْدَانِ».

وأما أثر ابن مسعود ومشورة جرير والأشعث فقد قَالَ ابن الْمُنِيرِ: «أَخَذَ الْبُخَارِيُّ الْكَفَالَةَ بِالْأَبْدَانِ فِي الدُّيُونِ مِنَ الْكَفَالَةِ بِالْأَبْدَانِ فِي الْحُدُودِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى».

 وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ قَالَ بِهَا الْجُمْهُورُ قال ابن قدامة: «الكفالة بالنفس صحيحة في قول أكثر أهل العلم».

قال الشيخ ابن عثيمين: «الكفالة سنة، أي: مندوبة للكفيل؛ لما فيها من المساعدة وتفريج الكرب، بشرط أن يعلم أنه قادر على إحضار بدن المكفول أو إيفاء الدين، فإذا عرف أنه غير قادر فلا ينبغي أن يكفل».

ثالثا: شروط الكفالة بالنفس

     ويشترط أهلية الكفيل ورضاه؛ لأنه سوف يلتزم بحق وإذا لم يرض لا يلزمه كالتبرع بالأعيان، قال ابن قدامة: «ولا يعتبر رضى المكفول له؛ لأنها وثيقة له لا قبض فيها فصحت من غير رضاه فيها كالشهادة، ولأنها التزام حق له من غير عوض فلم يعتبر رضاه كالنذر».

رابعا: ما يمكن الكفالة بالنفس فيه

قال ابن قدامة: «وتصح الكفالة ببدن كل من يلزم حضوره في مجلس الحكم بدين لازم، سواء كان الدين معلوما أو مجهولا، لأن الكفالة بالبدن والبدن معلوم فلا تبطل الكفالة بالجهالة».

     وقال: «ولا تصح الكفالة ببدن من عليه حد، سواء كان حقا لله -تعالى- كحد الزنا والسرقة أو لآدمي كحد القذف والقصاص، وهذا قول أكثر أهل العلم» ثم علل ذلك بأن الكفالة استيثاق، والحدود مبناها على الإسقاط والدرء بالشبهات، فلا يدخل فيها الاستيثاق، ولأنه حق لا يجوز استيفاؤه من الكفيل إذا تعذر عليه إحضار المكفول به فلم تصح الكفالة بمن هو عليه كحد الزنا».

وقال ابن حجر: «وَلَمْ يَخْتَلِفْ مَنْ قَالَ بِهَا أَنَّ الْمَكْفُولَ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ إِذَا غَابَ أَوْ مَاتَ أَنْ لَا حَدَّ عَلَى الْكَفِيلِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ؛ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَمَا أَنَّ الْكَفِيلَ إِذَا أَدَّى الْمَالَ وَجَبَ لَهُ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ مِثْلُهُ».

قال الشيخ ابن عثيمين: «القاعدة أنه متى تعذر الاستيفاء من الكفيل فإن الكفالة لا تصح لعدم الفائدة».

قال ابن قدامة: «متى تعذر على الكفيل إحضار المكفول به مع حياته أو امتنع من إحضاره لزمه ما عليه» وعلل ذلك بعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الزعيم غارم»، ولأن الكفالة بالنفس أحد نوعي الكفالة فوجب بها الغرم كالكفالة بالمال.

خامسا: انتهاء الكفالة بالنفس وبراءة ذمة الكفيل

1- إذا سلم الكفيل المكفول للمكفول له برئ، سواء استوفى منه صاحب الحق أم لا، فإن عجز عن إحضاره صار ضامنا.

2- موت المكفول: إذا اشترط الكفيل ألا شيء عليه إذا مات المكفول، فمات برئ الكفيل بناء على الشرط، أما إذا لم يشترط ومات المكفول فهنا اختلف الفقهاء على مذهبين:

المذهب الأول: براءة الكفيل

إذا مات المكفول برئ الكفيل؛ لأنه التزم إحضاره وقد تعذر ذلك لموته، كما لو برئ من الدين. وهو مذهب الجمهور.

المذهب الثاني: ضمان الكفيل

يضمن الكفيل؛ لأن الكفالة بالنفس وثيقة بحق، فإذا تعذرت من جهة من عليه الدين، استوفي من الوثيقة كالرهن، ولأنه تعذر إحضاره فلزم كفيله ما عليه كما لو غاب. وهو قول الحكم والليث واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية كما نقله عنه المرداوي في الإنصاف.

3- إذا سلم المكفول نفسه برئ الكفيل، لحصول المطلوب من الكفيل، كما لو قضى مضمون عنه الدين.

3- إذا أبرئ المكفول برئ الكفيل؛ لأنه إذا برئ الأصل برئ الفرع.

4- إذا أبرئ المكفول له الكفيل انتهت الكفالة؛ لأنه حقه فيسقط بإسقاطه كالدين، ولم يبرأ المكفول؛ لأنه لا يبرأ الأصل ببراءة الفرع.

5- اختلف الفقهاء في انتهاء الكفالة بالنفس إذا مات الكفيل قبل تسليم المكفول على مذهبين:

- المذهب الأول: تنتهي الكفالة لتعذر إحضار المكفول، ولا شيء للمكفول له في تركته، وهو قول الحنفية والشافعية، لأنه لم يبق قادرا على تسليم المكفول بنفسه، وماله لا يصلح لإيفاء هذا الواجب وهو إحضار النفس.

- المذهب الثاني: لا تنتهي الكفالة بموت الكفيل، فيطالب ورثته بإحضار المكفول به فإن لم يقدروا أخذ من التركة قدر الدين المطلوب، وهو مذهب المالكية والحنابلة.

أما إذا مات المكفول له فلا تسقط الكفالة بالنفس، ويبقى الحق للورثة كسائر الحقوق المالية التي تورث، فيقوموا مقامه في المطالبة وبتسلم المكفول وإبراء الكفيل.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك