رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 30 مارس، 2021 0 تعليق

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية من الأحكام المستفادة من قصة يوسف -عليه السلام – الحيل والمخارج الشرعية

قال الله -تعالى-: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (سورة يوسف: 76)، قال الشيخ ابن سعدي: «{فَبَدَأَ} المفتش {بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ} وذلك لتزول الريبة التي يظن أنها فعلت بالقصد، فلما لم يجد في أوعيتهم شيئا {اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ} ولم يقل: «وجدها، أو سرقها أخوه» مراعاة للحقيقة الواقع، فحينئذ تم ليوسف ما أراد من بقاء أخيه عنده، على وجه لا يشعر به إخوته، قال -تعالى-: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} أي: يسرنا له هذا الكيد، الذي توصل به إلى أمر غير مذموم {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} لأنه ليس من دينه أن يتملك السارق، وإنما له عندهم، جزاء آخر، فلو ردت الحكومة إلى دين الملك، لم يتمكن يوسف من إبقاء أخيه عنده، ولكنه جعل الحكم منهم، ليتم له ما أراد»، يستفاد من الآية الكريمة مسألة (الحيل والمخارج الشرعية)، قال القرطبي: «وفيه جواز التوصل إلى الأغراض بالحيل إذا لم تخالف شريعة، ولا هدمت أصلا».

أولا: تعريف الحيلة

الحيلة في اللغة: الحذق في تدبير الأمور، وهي ما يتوصل به إلى حالة ما في خفية.

     أما في الاصطلاح فلا يبعد التعريف الاصطلاحي عن التعريف اللغوي، قال ابن حجر: «هي ما يتوصل به إلى مقصود بطريق خفي»، وقال ابن القيم عن التحيل بأنه: «سلوك الطرق الخفية التي يتوصل بها إلى حصول الغرض بحيث لا يتفطن له إلا بنوع من الذكاء والفطنة».

ثانيا: أنواع الحيل

      الحيلة نوع من التصرف الخفي للوصول إلى المقاصد والغايات، وغلب إطلاقها في عرف الناس على التوصل إلى المقاصد الممنوعة شرعا أو قانونا أو عادة، فالمتبادر من لفظ (الحيلة) أنها مذمومة وممنوعة، لكن باستقراء أدلة الشرع اتضح أن الحيلة نوعان؛ مشروعة وممنوعة، قال ابن القيم: «ليس كل ما يسمى حيلة (حراما)».

      وقال ابن حجر: «وهي عند العلماء على أقسام بحسب الحامل عليها؛ فإن توصل بها بطريق مباح إلى إبطال حق أو إثبات باطل فهي حرام، أو إلى إثبات حق أو دفع باطل فهي واجبة أو مستحبة، وإن توصل بها بطريق مباح إلى سلامة من وقوع في مكروه فهي مستحبة أو مباحة، أو إلى ترك مندوب فهي مكروهة».

فيستفاد من هذا أن الحيلة نوعان:

- النوع الأول: الحيلة المشروعة: وهو ما يسمى بالمخارج الشرعية:

قال ابن القيم مبينا هذا النوع: «نوع يتوصل به إلى فعل ما أمر الله -تعالى- به، وترك ما نهى الله عنه، وتخليص الحق من الظالم المانع له، وتخليص المظلوم من يد الظالم الباغي، فهذا النوع محمود يثاب فاعله ومعلمه».

الأدلة على مشروعية هذا النوع من الحيل

(1) قوله -تعالى-: {كذلك كدنا ليوسف} قال ابن كثير: «وهذا من الكيد المحبوب المراد الذي يحبه الله ويرضاه، لما فيه من الحكمة والمصلحة المطلوبة»، قال ابن القيم: «وفى ذلك تنبيه على أن العلم الدقيق بلطيف الحيل الموصلة إلى المقصود الشرعي الذي يحبه الله -تعالى- ورسوله، من نصر دينه وكسر أعدائه، ونصر المحق وقمع المبطل: صفة مدح يرفع الله -تعالى- بها درجة العبد».

(2) قوله -تعالى-: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} (النساء: 98) قال ابن القيم: «أي: التحيل على التخلص من الكفار وهذه حيلة محمودة يثاب عليها فاعلها».

(3) عن أبي سعيد قال: أنَّ رَسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا علَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ قالَ: لا واللَّهِ يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِن هذا بالصَّاعَيْنِ، والصَّاعَيْنِ بالثَّلَاثَةِ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: لا تَفْعَلْ، بِعِ الجَمْعَ بالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا».أخرجه البخاري، قال ابن القيم: «فأرشده إلى طريقة يتوصل بها إلى المقصود دون الوقوع في الربا المحرم».

(4) عن سعيد بن سعد بن عبادة قال: كانَ بينَ أبياتِنا رجلٌ مُخدَجٌ ضَعيفٌ، فلَم يُرَعْ إلَّا وَهوَ علَى أمةٍ من إماءِ الدَّارِ يخبُثُ بِها فرفعَ شأنَهُ سعدُ بنُ عُبادةَ إلى رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- فقالَ: اجلِدوهُ ضَربَ مائةِ سوطٍ قالوا: يا نبيَّ اللَّهِ هوَ أضعَفُ من ذلِكَ، لو ضرَبناهُ مائةَ سوطٍ ماتَ، قالَ فخُذوا لَهُ عِثكالًا فيهِ مائةُ شِمراخٍ فاضرِبوهُ ضَربةً واحدةً» أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني، قال الطيبي: «العثكال الغصن الكبير الذي يكون عليه أغصان صغار ويسمى كل واحد من تلك الأغصان شمراخا»، «والحديث دليل على أن المريض إذا لم يحتمل الجلد ضرب بعثكال فيه مائة شمراخ أو ما يشابهه ويشترط أن تباشره جميع الشماريخ، وقيل يكفي الاعتماد، وهذا العمل من الحيل الجائزة شرعا، وقد جوز الله مثله في قوله: {وخذ بيدك ضغثا} الآية» قاله الشوكاني.

النوع الثاني: الحيل الممنوعة

      عرفها ابن القيم بقوله: «ونوع يتضمن إسقاط الواجبات، وتحليل المحرمات، وقلب المظلوم ظالما، والظالم مظلوما، والحق باطلا، والباطل حقا، فهذا النوع الذي اتفق السلف على ذمه وصاحوا بأهله من أقطار الأرض، قال الإمام أحمد: «لا يجوز شيء من الحيل في إبطال حق مسلم».

أدلة تحريم الحيل المحرمة

(1) قوله -تعالى-: {يخادعون الله وهو خادعهم} فالله -تعالى- ذم المنافقين لأنهم يخادعون الله والمؤمنين، مما يدل على أن مخادعة الله -تعالى- حرام، والحيل في حقيقتها مخادعة لله -تعالى- فهي حرام.

(2) أخبر -تعالى- عن أهل السبت من اليهود أنه مسخهم قردة وخنازير لما احتالوا على إباحة ما حرم الله -تعالى- عليهم من الصيد بأن نصبوا الشباك يوم الجمعة ورفعوا يوم الأحد.

(3) وأخبر -تعالى- عن أهل الجنة في سورة القلم أنهم لما تحيلوا على إسقاط نصيب المساكين، فعاقبهم الله -تعالى- فكان في ذلك عبرة لكل محتال على إسقاط حقوق الله -تعالى.

(4) عن أبي هُرَيرَة قال: قال رسولُ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «لا تَرْتكِبوا ما ارتكبَتِ اليهودُ، فتستحلُّوا محارِمَ اللهِ بأدْنَى الحِيَلِ»رواه ابن بطة وجود إسناده الألباني.

(5) وروى ابن ماجه عن عقبة بن عامر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَار؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «هُوَ الْمُحَلِّلُ، لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ، وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» وحسنه الألباني قال ابن القيم: «لأن فيه استحلال الزنا باسم النكاح».

(6) وقال - صلى الله عليه وسلم -: «قاتل الله اليهود؛ عن الله لما حرم عليهم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه»متفق عليه قال الخطابي: «في هذا الحديث بطلان كل حيلة يحتال بها المتوصل إلى الحرام، وأنه لا يتغير حكمه بتغير هيئاته وتبديل اسمه».

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك