رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 9 ديسمبر، 2019 0 تعليق

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية – حكم صلاة الاستسقاء (2)


ما زلنا في الحديث عن حكم صلاة الاستسقاء من قول الله -سبحانه-: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}، قال ابن كثير: «يقول -تعالى-: واذكروا نعمتي عليكم في إجابتي لنبيكم موسى -عليه السلام- حين استسقاني لكم، وتيسيري لكم الماء، وإخراجه لكم من حجر يحمل معكم، وتفجيري الماء لكم منه من ثنتي عشرة عينا، لكل سبط من أسباطكم عين قد عرفوها، فكلوا من المن والسلوى، واشربوا من هذا الماء الذي أنبعته لكم بلا سعي منكم ولا كد، واعبدوا الذي سخر لكم ذلك {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} ولا تقابلوا النعم بالعصيان فتسلبوها»، وقد ذكرنا خمس مسائل في فقه صلاة الاستسقاء واليوم نستكمل تلك المسائل.

المسألة السادسة: كيفية صلاة الاستسقاء

1- قال ابن قدامة: «وَلَا يُسَنُّ لَهَا أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَلِأَنَّهَا صَلَاةُ نَافِلَةٍ، فَلَمْ يُؤَذَّنْ لَهَا كَسَائِرِ النَّوَافِلِ».

2- ويصلي ركعتين: لَا خِلَاف فِي أَنَّ صلاة الاستسقاء رَكْعَتَانِ، وَاخْتَلَفَوا فِي صِفَتِهَا، فذهب قوم إلى أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِيهِمَا كَتَكْبِيرِ الْعِيدِ سَبْعًا فِي الْأُولَى، وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ. وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَدَاوُد، وَالشَّافِعِيِّ ورواية عن أحمد، وَذَلِكَ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْعِيدِ».

     وَذهب قوم إلى أَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ التَّطَوُّعِ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَإِسْحَقَ وهو رواية عن أحمد؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ قَالَ: اسْتَسْقَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ التَّكْبِيرَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يُكَبِّرْ، والأظهر أنه َكَيْفَمَا فَعَلَ كَانَ جَائِزًا حَسَنًا لورود ذلك في أحاديث صحيحة متنوعة.

3- وَيُسَنُّ أَنْ يَجْهَرَ بِالْقِرَاءَةِ؛ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: «خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَسْقِي، فَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ يَدْعُو، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ».

4- وَإِنْ قَرَأَ فِيهِمَا بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} فَحَسَنٌ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْعِيدِ».

5- ومن صفة صلاة الاستسقاء أن يخطب خطبة وقد اخْتَلَفوا فِي وَقْتِهَا:

المذهب الأول

     أَنَّ فِيهَا خُطْبَةً بَعْدَ الصَّلَاةِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. والصحيح من مذهب أحمد قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ؛ لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَطَبَنَا». وَلِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «صَنَعَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، كَمَا صَنَعَ فِي الْعِيدَيْنِ»، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ ذَاتُ تَكْبِيرٍ، فَأَشْبَهَتْ صَلَاةَ الْعِيدِ.

المذهب الثاني

     أَنَّهُ يُخْطَبُ قَبْلَ الصَّلَاةِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِوَذَهَبَ إلَيْهِ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وهو رواية عن أحمد؛ لِمَا رَوَى أَنَسٌ وَعَائِشَةُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ وَصَلَّى، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: «رَأَيْت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ يَسْتَسْقِي، فَحَوَّلَ ظَهْرَهُ إلَى النَّاسِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَدْعُو، ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ».

مُخَيَّرٌ فِي الْخُطْبَةِ

     والأظهر أنه هو مُخَيَّرٌ فِي الْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَبَعْدَهَا؛ لِوُرُودِ الْأَخْبَارِ بِكِلَا الْأَمْرَيْنِ، وَدَلَالَتِهَا عَلَى كِلْتَا الصِّفَتَيْنِ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ، قال الشيخ ابن عثيمين: «خطبة الاستسقاء قبل الصلاة وبعدها، ولكن إذا خطب قبل الصلاة لا يخطب بعدها، فلا يجمع بين الأمرين».

اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ

6- ويُسْتَحَبُّ لِلْخَطِيبِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي أَثْنَاءِ الدعاء؛ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ يَسْتَسْقِي، فَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ يَدْعُو، وَفِي لَفْظٍ: «فَحَوَّلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَدْعُو».

تحويل الرداء

7- وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحَوِّلَ رِدَاءَهُ فِي حَالِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ؛لِأَنَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي، فَحَوَّلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا لَفْظٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي لَفْظٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ: «فَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ». وَفِي لَفْظٍ: «وَقَلَبَ رِدَاءَهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَيُسْتَحَبُّ تَحْوِيلُ الرِّدَاءِ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: «الظاهر من الأحاديث الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الاستسقاء أن الرداء يكون على حالته المعتادة، وإنما يقلب في أثناء الخطبة عندما يحول الإمام رداءه، أما أن يحول الرداء أو العباءة عن حالها قبل ذلك فالأظهر أن ذلك غير مشروع ومخالف للسنة».

 المسألة السابعة: قسم الماء بين الناس

     قال الشيخ ابن عثيمين: «ومن فوائد هذه الآية أنه ينبغي قسم الماء بين الناس عند الكثرة وتوزيعه عليهم حتى لا يحصل الازدحام والاقتتال والعداوة والبغضاء بينهم؛لأن النفوس مجبولة على محبة الاستئثار بالشيء، فإذا توزع الشيء صار كل طائفة لهم جهة معينة مخصوصة كان ذلك أقرب إلى السلامة مما يترتب من الآثار السيئة على اجتماعهم على مشرب واحد».

 

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك