رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 10 أغسطس، 2022 0 تعليق

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية – بعض الأحكام المستفادة من قصة إبراهيم -عليه السلام – حكم الأضحية

 

قال -تعالى-: { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} (سورة الصافات:107)، اختار الله -تعالى- إبراهيم -عليه السلام- ليكون خليل الرحمن، وابتلاه بأمور عظيمة قدم خلالها إبراهيم -عليه السلام- أوثق الأدلة على صدق عبوديته لله -تعالى-، وكمال محبته لربه -سبحانه-، فمدحه ربنا -عزوجل- بقوله: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} (سورة النجم:37).

     وكان من جملة ما ابتلي به إبراهيم -عليه السلام- ذبح ولده إسماعيل -عليه السلام- وهو صغير، فلما أذعنا -عليهما السلام- لأمر ربهما -تعالى- منّ عليهما بالفداء كما قال -سبحانه-: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}، قال الشيخ ابن سعدي: «أي: صار بدله ذبح من الغنم عظيم، ذبحه إبراهيم، فكان عظيما من جهة أنه كان فداء لإسماعيل، ومن جهة أنه من جملة العبادات الجليلة، ومن جهة أنه كان قربانا وسنة إلى يوم القيامة».

حكم الأضحية

فمما يستفاد من هذه الآية الكريمة مسألة (حكم الأضحية):

 

أولاً: تعريف الأضحية في اللغة

الأضحية: بضم الهمزة وكسرها وتخفيف الياء وتشديدها وجمعها أضاحٍ بتخفيف الياء وتشديدها، ويقال لها ضحية بفتح الضاد وكسرها وجمعها ضحايا، والضحية ما ضحيت به وضحى بالشاة إذا ذبحها ضحى، قال ابن فارس: «وإنما سميت الأضحية بذلك؛ لأن الذبيحة في ذلك اليوم لا تكون إلا في وقت إشراق الشمس».

ثانياً: تعريف الأضحية في الاصطلاح

الأضحية: اسم لما يذكى من الأنعام تقربا إلى الله -تعالى- في أيام النحر بشرائط مخصوصة.

ثالثا: حكم الأضحية

الأضحية مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع:

فمن الكتاب الكريم قوله -تعالى-: {فصل لربك وانحر} (سورة الكوثر:2)

قال بعض أهل التفسير: المراد به الأضحية بعد صلاة العيد.

     ومن السنة المطهرة ما رواه أنس قال: ضحى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما. (متفق عليه). وأجمع المسلمون على مشروعية الأضحية.

     وقد اتفق الفقهاء على أن الأضحية المنذورة واجبة سواء أكان الناذر غنيا أم فقيرا؛ لأن التضحية قربة لله -تعالى- من جنسها واجب كالهدي فتلزم بالنذر كسائر القرب، والوجوب بسبب النذر يستوي فيه الفقير والغني.

أضحية التطوع

واختلف الفقهاء في وجوب أضحية التطوع على مذهبين:

المذهب الأول

الأضحية سنة مؤكدة وليست بواجبة. وهو قول الجمهور، وأدلتهم على ذلك كما يلي:

     (1) عن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئا «أخرجه مسلم، قال ابن قدامة مبينا أوجه الدلالة منه: «علقه على الإرادة، والواجب لا يعلق على الإرادة، فلو كانت واجبة لاقتصر على قوله: «إذا دخل العشر فلا يمس من شعره وبشره شيئا».

(2) عن جابر - رضي الله عنه - قال: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عيد الأضحى فلما انصرف أتي بكبش فذبحه وقال: «بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي». أخرجه أبو داود وصححه الألباني.

فالنبي - صلى الله عليه وسلم - ضحى عن أمته فهي تجزئ عمن تمكن منها ومن لم يتمكن منها.

(3) ما أخرجه البيهقي عن أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- أنهما كانا لا يضحيان السنة والسنتين مخافة أن يرى ذلك واجبا. أخرجه البيهقي، مما يدل على أنهما لم يكونا يريان الوجوب.

المذهب الثاني: الأضحية واجبة

وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والثوري والأوزاعي والليث وربيعة وهو رواية عن الإمام أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وأدلتهم على ذلك كما يلي:

(1) قوله -تعالى-:{فصل لربك وانحر}. قيل في تفسيرها: صلّ صلاة العيد وانحر البدن، والأمر يفيد الوجوب.

(2) حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا» أخرجه ابن ماجه وهو حسن، وجه الدلالة من الحديث أنه قد خرج مخرج الوعيد على ترك الأضحية، والوعيد إنما يكون على ترك الواجب، مما يدل على أن الأضحية واجبة.

(3) قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من ذبح قبل الصلاة فليذبح شاة مكانها، ومن لم يكن يذبح فليذبح على اسم الله (متفق عليه)، فلو لم تكن الأضحية واجبة لما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعادة الذبح لمن ذبح قبل الصلاة.

ونوقش هذا الاستدلال كما يلي:

1- أما الآية فهي محتملة لوجوب النحر يوم العيد، وتحتمل معنى آخر كوضع اليدين عند النحر في الصلاة، ولو سلم أن المقصود بالنحر الذبح فالآية تدل على وقت النحر لا وجوبه.

وقيل: المراد بالآية تخصيص الرب -عز وجل- بالنحر له لا لغيره.

2- أما الحديث فقال عنه ابن قدامة: ضعفه أصحاب الحديث، ولو صح فيحمل على تأكيد الاستحباب كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «غسل الجمعة واجب على كل محتلم ( متفق عليه).

3- أما الحديث الآخر فلا يدل على وجوب الأضحية ابتداء، بل يدل على وجوب الأضحية إذا نوى أن يضحي وذبح قبل الصلاة فقد انقلب التطوع إلى فرض.

     فبهذا يظهر رجحان مذهب الجمهور؛ ولأن التضحية لو كانت واجبة لم تسقط بفواتها إلى غير بدل كالجمعة وسائر الواجبات، ووافقنا الحنفية على أنها إذا فاتت لا يجب قضاؤها، ولو كانت واجبة ما أجزأ أهل البيت أن يضحوا إلا عن كل إنسان بشاة وعن كل سبعة بجزور، ولكنها لما كانت غير واجبة كان الرجل إذا ضحى وقع ذلك عنه وعن أهل بيته.

هل الأفضل ذبح الأضحية أم التصدق بثمنها؟

وهنا يرد سؤال: هل الأفضل ذبح الأضحية أم التصدق بثمنها؟

      ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بقيمتها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحى وكذلك الخلفاء من بعده، ولو علموا أن الصدقة أفضل لعدلوا إليها، وروت عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى الله من إراقة دم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفسا» أخرجه الترمذي وابن ماجه وضعفه الألباني، ولأن إيثار الصدقة على الأضحية يفضي إلى ترك السنة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك