رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 4 أغسطس، 2022 0 تعليق

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية – بعض الأحكام المستفادة من قصة لوط عليه السلام – اختلاف الفقهاء في

تقدم في المقالة السابقة ذكر اختلاف الفقهاء في حكم صناعة التماثيل الكاملة لذوات الأرواح، وترجح القول بالحرمة، ويستثنى من ذلك لعب الأطفال فقط، وهو مذهب عامة الفقهاء، وقد اختلف الفقهاء في علة منع التصوير، على مذاهب لخصها د. محمد واصل في رسالته الجامعية (أحكام التصوير في الفقه الإسلامي) نذكرها في هذه المقالة.

المذهب الأول

     العلة هي المضاهاة لخلق الله -تعالى-، وتشبيه فعل المخلوق بفعل الخالق، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله».

المذهب الثاني

     العلة هي كون التصوير وسيلة إلى الغلو وعبادة غير الله، وذلك لحديث ابن عباس - رضي الله عنه - في تفسير ودّ وسواع ويغوث ويعوق ونسرا، قال: «هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون إليها أنصابا وسموهم بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت».أخرجه البخاري، ولقوله - صلى الله عليه وسلم-: «إن أولئك كانوا إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا تلك الصور» متفق عليه

قال الخطابي: «إنما عظمت عقوبة المصور؛ لأن الصور كانت تعبد من دون الله، ولأن النظر إليها يفتن، وبعض النفوس إليها تميل».

المذهب الثالث

    العلة هي المنع من دخول الملائكة، لقوله - صلى الله عليه وسلم-: «إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تماثيل أو صورة»، والامتناع هنا بسبب الصور المحرمة التي يحرم اقتناؤها، بخلاف الصور الممتهنة أو الضرورية، لأن مثل هذه الصور وجدت في بيته - صلى الله عليه وسلم - كما قالت عائشة لما قطعت الستر وجعلته وسادتين توطآن قالت: «فقد رأيته متكئا على إحداهما، وفيها صورة».

المذهب الرابع

     العلة هي التشبه بفعل المشركين الذين يصنعون الصور والتماثيل ويعبدونها من دون الله -تعالى-، ولو لم يقصد المصور ذلك، ولو لم تعبد الصور التي صورها؛ إذ يكفي أن الحال شبيهة بالحال، كما نهينا عن الصلاة في أوقات النهي؛ لأن الكفار يسجدون للشمس حينئذ؛ فنهينا عن الصلاة ولو لم نقصد ذلك؛ لما تجره المشابهة إلى الموافقة.

الحالة الثانية: صناعة التماثيل الناقصة أو المشوهة

     ذهب عامة الفقهاء إلى جواز صناعة تماثيل ذوات الأرواح إذا كانت مقطوعة الرأس قطعا كاملا يزيل الرأس عن الجسد؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم-: «الصورة الرأس، فإذا قطع فلا صورة»، وقول جبريل -عليه السلام- للنبي - صلى الله عليه وسلم-: «فمر برأس التمثال فيقطع فيصير كهيئة الشجرة».

واختلفوا في حكم صناعة التماثيل إذا كان الرأس باقيا، وكانت الصورة ناقصة عضوا مما لا تبقى الحياة بفقده على مذهبين:

المذهب الأول

     يحرم مطلقا ما دام الرأس باقيا، ودليلهم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن الصورة إذا قطع رأسها كان باقيها كهيئة الشجرة، مما يدل على أن المسوغ لبقائها هو خروجها عن شكل ذوات الأرواح ومشابهتها للجمادات، والصورة إذا قطع أسفلها فقط لا تكون كذلك لبقاء الرأس فيها.

المذهب الثاني

     تباح الصورة لو قطع منها أي عضو لا يمكن بقاء الحياة مع فقده، ودليلهم: قياس بقية الأعضاء على الرأس بجامع أن الحياة لا تبقى مع فقد كل منها.

      ويجاب: بأن الرأس فيه الوجه وهو أشرف الأعضاء ومجمع المحاسن، وهو أعظم فارق بين الحي والجماد، وبطمسه تذهب بهجة الصورة، فغير الرأس لا يساويه، وقياس غيره عليه قياس مع الفارق.

وبهذا يظهر رجحان المذهب الأول لقوة أدلتهم وسلامتها من المناقشة، ولاسيما وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الصورة الرأس».

الحالة الثالثة: صناعة الصور المسطحة مما يوطأ ويمتهن كالسجاد والفرش

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على مذهبين:

المذهب الأول: التحريم مطلقا

ودليلهم ما يلي:

1-عموم الأحاديث الدالة على وعيد المصورين.

2-عن جابر - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصورة في البيت، ونهى أن يصنع ذلك (أخرجه أحمد)، والإطلاق صريح ولم يرد ما يقيد ذلك بنية المضاهاة أو نية العبادة أو التعظيم.

المذهب الثاني: يجوز ذلك وهو خلاف الأولى.

ودليلهم ما يلي:

1- حديث الشيخين عن بسر بن سعيد حدثه أن زيد بن خالد الجهني حدثه ومع بسر عبيد الله الخولاني أن أبا طلحة حدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة»، قال بسر: فمرض زيد بن خالد، فعدناه فإذا نحن في بيته بستر فيه تصاوير، فقلت لعبيد الله الخولاني: ألم يحدنا في التصاوير؟ قال: إنه قال: «إلا رقما في ثوب» ألم تسمعه؟ قلت: لا، قال: بلى قد ذكر ذلك».

فهذا الحديث مخصص للنصوص العامة في النهي عن التصوير.

ويجاب: بأنه يحتمل أن المراد بالاستثناء ما كانت الصور فيه من غير ذوات الأرواح، أو أن الجواز كان قبل النهي عن التصوير.

     وهناك فرق بين الصناعة والاستعمال، فيحرم التصوير ويباح الاستعمال إذا كان مهانا، قال العلامة ابن باز: «الصورة التي تكون في البسط ونحوها فيداس ويمتهن كالوسائد فهذا معفو عنه؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عفا عنه، والمقصود العفو عن استعماله أما التصوير فلا يجوز».

المسألة الرابعة: ما حكم اقتناء الصور؟ اقتناء الصور على أنواع:

النوع الأول: أن تكون الصورة مجسمة

أي ذات جسم فاقتناؤها حرام، وقد نقل ابن العربي الإجماع عليه، وقال: هذا الإجماع محله في غير لعب البنات.

     قال النووي: «وأما اتخاذ المصور فيه صورة حيوان فإن كان معلقا على حائط أو ثوبا ملبوسا أو عمامة ونحو ذلك مما لا يعد ممتهنا فهو حرام، وإن كان في بساط يداس ومخدة ووسادة ونحوها مما يمتهن فليس بحرام». قال: «ولا فرق في هذا كله بين ماله ظل وما لا ظل له، هذا تلخيص مذهبنا في المسألة وبمعناه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم».

النوع الثاني: أن تكون الصورة غير مجسمة

بأن تكون رقمًا على شيء، فهذه أقسام:

1- أن تكون معلقة على سبيل التعظيم، فهذا حرام؛ لما فيه من الغلو بالمخلوق.

2- أن تكون معلقة على سبيل الذكرى، فهذه محرمة أيضا لحديث البخاري عن أبي طلحة قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة».

3- أن تكون معلقة على سبيل التجميل والزينة، فهذه محرمة أيضا لحديث عائشة قالت: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سفر وقد سترت بقرام لي على سهوة لي فيها تماثيل فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هتكه وقال: «أشد الناس عذبا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله» قالت: فجعلته وسادة أو وسادتين.

4- أن تكون ممتهنة كالصورة التي تكون في البساط والوسادة، فنقل النووي عن جمهور العلماء من الصحابة والتابعين جوازها.

5- أن تكون مما تعم به البلوى ويشق التحرز منه كالصور المنقوشة على النقود وغيرها، فالذي يظهر أن هذا لا حرج فيه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك