رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 7 يوليو، 2022 0 تعليق

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية  – بعض المسائل المستفادة من سورة لقمان – مدة الرضاع ووقت فطام الرض

قال الله -عز وجل-: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (سورة لقمان: 14)، من المسائل المستفادة من الآية الكريمة مدة الرضاع ووقت فطام الرضيع. قال ابن كثير: «وقوله: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} أي: تربيته وإرضاعه بعد وضعه في عامين، كما قال -تعالى-: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (البقرة: 233)، ومن هاهنا استنبط ابن عباس وغيره من الأئمة أن أقل مدة الحمل ستة أشهر؛ لأنه قال -تعالى- في الآية الأخرى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} (الأحقاف:15)، قال القرطبي: «الْفِصَال وَالْفَصْل: الْفِطَام، وَأَصْله التَّفْرِيق، فَهُوَ تَفْرِيق بَيْن الصَّبِيّ وَالثَّدْي، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْفَصِيل، لِأَنَّهُ مَفْصُول عَنْ أُمّه.

ما تعريف الرضاع؟

الرضاع في اللغة: هو شرب اللبن من الضرع أو الثدي.

وفي الاصطلاح: هو اسم لوصول لبن امرأة أوما حصل من لبنها في جوف طفل بشروط مخصوصة.

ما مدة الرضاعة؟

      لا خلاف بين الفقهاء في أن مدة الرضاع حولان كاملان، وفطام الطفل قبل ذلك حق للوالدين معا بشرط عدم الإضرار بالطفل، فالتحديد بالعامين ليس تقديرا شرعيا حتميا لا يجوز الزيادة أو النقص منه، فعند اتفاق الزوجين على الفطام قبل ذلك أو بعده فلا مانع ما لم يضر ذلك بالرضيع، وعند الاختلاف كما لو كان الأب يريد الفطام مبكرا لتقليل النفقات، أو كانت الأم تريد تأخير الفطام لزيادة نفقة الرضاعة فهنا يلزم الأبوان بالمدة المقررة شرعا وهي الحولان.

      قال القرطبي: «قوله -تعالى-: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} دَلِيل عَلَى أَنَّ إِرْضَاع الْحَوْلَيْنِ لَيْسَ حَتْمًا، فَإِنَّهُ يَجُوز الْفِطَام قَبْل الْحَوْلَيْنِ، وَلَكِنَّهُ تَحْدِيد لِقَطْعِ التَّنَازُع بَيْن الزَّوْجَيْنِ فِي مُدَّة الرَّضَاع، فَلا يَجِب عَلَى الزَّوْج إِعْطَاء الْأُجْرَة لِأَكْثَر مِنْ حَوْلَيْنِ. وَإِنْ أَرَادَ الْأَب الْفَطْم قَبْل هَذِهِ الْمُدَّة وَلَمْ تَرْضَ الْأُمّ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَالزِّيَادَة عَلَى الْحَوْلَيْنِ أَوْ النُّقْصَان إِنَّمَا يَكُون عِنْد عَدَم الْإِضْرَار بِالْمَوْلُودِ وَعِنْد رِضَا الْوَالِدَيْنِ».

رضاع الطفل من غير أمه

      وهنا تأتي مسألة أخرى متعلقة بمدة الرضاع، وهي رضاع الطفل من غير أمه وما يتبع ذلك من أحكام الرضاع المحرم الذي ينشر المحرمية بين المرضع والطفل الرضيع، وهي مسألة كثيرة الفروع، عديدة الشروط.

شرط (مدة الرضاع)

وموضع البحث هنا عن شرط (مدة الرضاع) التي تثبت بها الحرمة، وهو موضع خلاف بين الفقهاء على مذاهب:

المذهب الأول

       يشترط ألا يبلغ الطفل حولين، فمتى بلغ حولين فلا أثر لارتضاعه، وهو قول الشافعية والحنابلة والصاحبين من الحنفية، ونسب القرطبي هذا القول للإمام مالك وَهُوَ قَوْل عُمَر وَابْن عَبَّاس، وَرُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود، ومما استدلوا به:

1- قوله -تعالى-: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} قال القرطبي: «اِنْتَزَعَ مَالِك -رَحِمَهُ اللَّه تعالى- وَمَنْ تَابَعَهُ وَجَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء مِنْ هَذِهِ الْآيَة أَنَّ الرَّضَاعَة الْمُحَرِّمَة الْجَارِيَة مَجْرَى النَّسَب إِنَّمَا هِيَ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بِانْقِضَاءِ الْحَوْلَيْنِ تَمَّتْ الرَّضَاعَة، وَلَا رَضَاعَة بَعْد الْحَوْلَيْنِ مُعْتَبَرَة، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَلا حُكْم لِمَا اِرْتَضَعَ الْمَوْلُود بَعْد الْحَوْلَيْنِ».

2- قوله -تعالى-:{وفصاله في عامين} قال القرطبي: «أَيْ: وَفِصَاله فِي اِنْقِضَاء عَامَيْنِ، وَالْمَقْصُود مِنْ الْفِصَال الْفِطَام، فَعَبَّرَ بِغَايَتِهِ وَنِهَايَته».

3- عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لَا رَضَاع إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ» أخرجه الدارقطني.

4- عن عمر - رضي الله عنه - قال: «لا رضاع إلا في الحولين في الصغر» أخرجه الدارقطني.

المذهب الثاني

يرى أصحاب هذا المذهب أنه لا يضر زيادة شهرين على الحولين. وهو قول المالكية.

المذهب الثالث

      يرى أصحاب هذا المذهب أنَّ أكثر مدة للرضاع المحرم سنتان ونصف، وهو قول أبي حنيفة، لقوله -تعالى-: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا}، ووجه الدلالة من الآية أن الله -تعالى- ذكر شيئين: الحمل والفصال، وضرب لهما مدة ثلاثين شهرا، وكل ما كان كذلك كانت المدة لكل واحد منهما بكاملها، كالأجل المضروب للدينين على شخصين بأن قال الدائن: أجلت الدين الذي لي على فلان والدين الذي على فلان سنة، يفهم منه أن السنة بكمالها لكل منهما.

      ونوقش بما قاله ابن قدامة: «وقول أبي حنيفة تحكم يخالف ظاهر الكتاب وقول الصحابة، فقد روينا عن علي وابن عباس أن المراد بالحمل حمل البطن، وبه استدل على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وقد دل على هذا قوله -تعالى-:{وفصاله في عامين}، فلو حمل على ما قاله أبو حنيفة لكان مخالفا لهذه الآية».

المذهب الرابع

      يرى أصحاب هذا المذهب أنَّ رضاع الكبير يحرم، فلو رضع بعد الحولين تنشر المحرمية بينهما، وهو قول عائشة - رضي الله عنها - وعطاء والليث والظاهرية وقال به شيخ الإسلام ابن تيمية عند الحاجة، ودليلهم حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: جاءت سهلة بنت سهيل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن سالما قد بلغ ما يبلغ الرجال، وعقل ما عقلوا، وإنه يدخل علينا، وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أرضعيه تحرمي عليه، ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة»، فرجعت فقالت: إني قد أرضعته فذهب الذي في نفس أبي حذيفة. أخرجه مسلم، قال القاضي عياض: «لعلها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها ولا التقت بشرتاهما».

      ونوقش هذا الاستدلال بما قاله ابن قدامة: «يتعين حمل خبر أبي حذيفة على أنه خاص له دون سائر الناس، كما قال أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -»، كما جاء في صحيح مسلم عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أبى سائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدخلن عليهن أحدا بتلك الرضاعة، وقلن لعائشة: والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسالم خاصة، فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ولا رائينا».

رجحان المذهب الأول

      والذي يظهر هو رجحان المذهب الأول لقوة أدلتهم وسلامتها من المعارضة وضعف أدلة المخالفين، وقد جاءت نصوص شرعية تدل على أن رضاع الكبير لا يؤثر في المحرمية بالرضاع منها:

1-عن أم سلمة أنه - رضي الله عنها - قال: «لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي، وكان قبل الفطام» أخرجه الترمذي وصححه الألباني صحيح الترمذي1/338، ومعنى قوله: «في الثدي» أي في وقت الحاجة إلى الثدي أي في الحولين، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن ابني إبراهيم مات في الثدي» أي وهو في زمن الرضاع.

2- عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشر العظم» أخرجه مالك.

3- عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما الرضاعة من المجاعة» أخرجه البخاري.

فهذه الأحاديث تدل على أن الرضاع الذي تثبت به المحرمية هو الذي يكون في الصغر قبل الفطام؛ حيث يسد اللبن جوع الصغير، وينمو منه عظمه ولحمه.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك