رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 14 يوليو، 2021 0 تعليق

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية – الأحكام المستفادة من قصة يوسف -عليه السلام- مشروعية الشهادة وبعض شروط الشاهد

 

قال الله -تعالى-: {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} (سورة يوسف:81)، هذه الآية الكريمة في سياق قصة يوسف -عليه السلام-، وتقدم ذكر الوسيلة التي توصل بها يوسف لإبقاء أخيه عنده، فلما استيأس إخوة يوسف من يوسف أن يسمح لهم بأخيهم {خَلَصُوا نَجِيًّا} أي: اجتمعوا وحدهم، ليس معهم غيرهم، وجعلوا يتناجون فيما بينهم، فـ{قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ} في حفظه، وأنكم تأتون به إلا أن يحاط بكم {وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ}، فاجتمع عليكم الأمران، تفريطكم في يوسف السابق، وعدم إتيانكم بأخيه باللاحق، فليس لي وجه أواجه به أبي».

     قال الشيخ ابن سعدي: «ثم وصَّاهم بما يقولون لأبيهم، فقال: {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ} أي: وأخذ بسرقته، ولم يحصل لنا أن نأتيك به، مع ما بذلنا من الجهد في ذلك، والحال أنَّا ما شهدنا بشيء لم نعلمه، وإنما شهدنا بما علمنا، لأننا رأينا الصواع استخرج من رحله، {وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} أي: لو كنا نعلم الغيب لما حرصنا وبذلنا المجهود في ذهابه معنا، ولما أعطيناك عهودنا ومواثيقنا، فلم نظن أن الأمر سيبلغ ما بلغ»، وقد دلت الآية الكريمة على مسألة (مشروعية الشهادة، وبعض شروط الشاهد)، ومن المعلوم أن الشهادة من طرق الإثبات للحقوق ومن الحجج القضائية التي يدلي بها المدعي أمام القضاء لإثبات حقه ويلزم القاضي الأخذ بها إذا توفرت شروطها ولم يطعن بها المدعى عليه.

أولا: تعريف الشهادة

الشهادة لغة: مصدر الفعل (شهد)، وله معان:

1- المعاينة: فشهد بمعنى: عاين كقوله -تعالى-: {مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ}.

2- الحضور: كقوله -تعالى-: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} أي: من حضر رمضان.

3- القسم: كقوله -تعالى-: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ} أي: يحلف أربع مرات.

4- شهد بمعنى أخبر خبرا قاطعا كقوله -تعالى-: {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا}.

وأما الشهادة في الاصطلاح: فهي إخبار صادق في مجلس الحكم لإثبات حق للغير على الغير.

ثانيا: مشروعية الشهادة

     ثبتت مشروعية الشهادة بوصفها دليلا قضائيا بالكتاب والسنة والإجماع، فمن الكتاب الكريم قوله -تعالى-: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ}، وقوله سبحانه: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ}. فأمر -سبحانه- بالإشهاد في مواضع مختلفة مما يدل على مشروعية الشهادة لإثبات الحقوق والدعاوى.

ومن السنة المطهرة قال الأشعث بن قيس: كَانَتْ بَيْنِي وبيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ في بئْرٍ، فَاخْتَصَمْنَا إلى رَسولِ اللَّهِ -[-، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ: «شَاهِدَاكَ أوْ يَمِينُهُ» الحديث أخرجه البخاري، وانعقد الإجماع على مشروعية العمل بالشهادة كما نقله ابن قدامة وغيره.

ثالثا: شروط الشاهد

الشهادة حجة قضائية يلزم القاضي الأخذ بها متى تحققت شروطها وخلت من الموانع، ولا يجوز إهمالها أو كتمانها، وقد اشترط الفقهاء في الشاهد شروطا عديدة للتأكد من صدق خبره الذي يعتمد عليه القاضي في بناء الحكم، ومن تلك الشروط:

أولا: أن يكون الشاهد بالغا عاقلا

فلا تقبل شهادة المجنون باتفاق لأنه لا يعقل، ولا تقبل شهادة غير البالغ إلا في جناية الصغار وعدم وجود شاهد بالغ إلا صبيان مميزين فتقبل شهادتهم بشروط مشددة.

ثانيا: أن يكون عالما بما يشهد به

     لقوله -سبحانه-: {إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}، وقوله -تعالى-: {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} مما يدل على أن الشهادة يجب أن تستند إلى العلم، قال القرطبي: «تضمنت هذه الآية جواز الشهادة بأي وجه حصل العلم بها؛ فإن الشهادة مرتبطة بالعلم عقلا وشرعا، فلا تسمع إلا ممن علم، ولا تقبل إلا منهم، وهذا هو الأصل في الشهادات، فكل من حصل له العلم بشيء جاز أن يشهد به وإن لم يشهده المشهود عليه قال الله -تعالى-:{إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (الزخرف: 86).

ثالثا: الإسلام

     فإذا كان المشهود عليه مسلما فيشترط أن يكون الشاهد مسلما اتفاقا لقوله -تعالى-: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ} والكافر ليس من رجالنا، وقوله سبحانه: {وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} والشهادة فيها نوع ولاية ولا ولاية لكافر على مسلم، وذهب الحنابلة وابن تيمية وابن عثيمين إلى أنه تقبل شهادة الكافر على المسلم استثناء من هذا الأصل في حالة المسلم تحضره الوفاة، ويريد أن يوصي وهو في السفر ولم يحضره مسلم فيجوز أن يشهد على وصيته من حضره من غير المسلمين لقوله -تعالى-: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ} الآية.

رابعًا: أن يكون الشاهد عدلا

     لقوله -تعالى- {وأشهدوا ذوي عدل منكم}، قال ابن قدامة:» والعدل هو الذي تعتدل أحواله في دينه وأفعاله، قال القاضي: يكون ذلك في الدين والمروءة والأحكام، أما الدين فلا يرتكب كبيرة ولا يداوم على صغيرة، فإن الله أمر ألا تقبل شهادة القاذف فيقاس عليه كل مرتكب كبيرة، وأما المروءة فاجتناب الأمور الدنيئة المزرية».

خامسًا: عدم التهمة

أي: ألا يكون الشاهد متهمًا في شهادته؛ بحيث يقع الشك في صحة شهادته على وجه يرجح كذبه، وللتهمة المانعة من قبول الشهادة صور منها:

1- العداوة الدنيوية

فلا تقبل شهادة العدو على عدوه عند الجمهور لحديث: «لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولا ذي غمر على أخيه» أخرجه أبو داود وحسنه الألباني، والغمر هو الحقد، قال الشوكاني:» وهذا يدل على أن العداوة تمنع من قبول الشهادة لأنها تورث التهمة».

2- جلب منفعة

بأن يجلب الشاهد لنفسه منفعة أو يدفع ضررا مثل شهادة الدائنين لمدينهم المفلس بأن له دينا على غيره، وشهادة الدائنين لمدينهم الميت بدين أو مال على غيره.

3- الشركة والوكالة

لا تقبل شهادة الشريك لشريكه ولا الوكيل لموكله في موضوع الشركة أو الوكالة، قال ابن قدامة: «لا نعلم فيه مخالفا»، وتقبل فيما سواهما لانتفاء التهمة.

4- القرابة

لا تقبل شهادة الوالدين وإن علوا للولد وإن سفل، ولا شهادة الولد وإن سفل لهما وإن علوا، وهو مذهب الجمهور؛ لأنه متهم كتهمة العدو في الشهادة على عدوه، وتقبل شهادة أحدهما على صاحبه عند عامة أهل العلم.

وقال ابن المنذر:» أجمع أهل العلم على أن شهادة الأخ لأخيه جائزة». وذك للفرق بين الوالد والأخ؛ لأن بين الوالد والولد بعضية وقرابة قوية بخلاف الأخ.

5- الزوجية

فلا تقبل شهادة أحد الزوجين للآخر عند الجمهور لانتفاع كل منهما بشهادته للآخر.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك