رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.بسام خضر الشطي 8 فبراير، 2017 0 تعليق

الأحزاب والمستقبل السياسي

ذكر الله -تبارك وتعالى-: {ألا إن حزب الله هم المفلحون}، وذكر -جل وعلا-: {إن حزب الشيطان هم الخاسرون}.

يطلق الحزب على تجمع مجموعة من الناس على منهج معين، قد يكون في الخير أو الشر، أو ظاهره الخير وباطنه الشر، وتكون الموالاة والمعاداة عليه، وقد يكون لدى أتباعه  أجندة ظاهرة أو باطنة تظهر من خلال فلتات ألسنتهم أو طلاسمهم بعد ذلك.

     والمسلمون عاشوا دون أحزاب إلى أن سقطت الخلافة الإسلامية عام 1922م على الصحيح، والإسلام يدعو المسلمين دوما إلى الوحدة على منهجية: الكتاب والسنة، وفهم الصحابة -رضي الله عنهم جميعا- ومن تبعهم بإحسان. فنجد الأدلة واضحة: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (آل عمران: 103)، وحديث: «يد الله مع الجماعة»، وقوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} (الأنعام: 159)، ومن الضروريات الخمس حفظ الدين.

هناك فتاوى تبين أن الكلام السابق في الدولة الإسلامية، وأما في حال عدم وجود دولة إسلامية؛ فيكونون حزبا يلتفون حوله ويجتمعون، مادام القائمون على ذلك التجمع ملتزمين بالكتاب والسنة عقيدة وقولا وعملا.

     والناظر إلى واقع الأحزاب في دولنا، يجد أنها أصبحت مصدرا للاستبداد والتعسف والقهر والهيمنة، وتثبيت قيم التسلط في الرأي والاستئثار بالأفكار والتعصب ورفض كل من يختلف معهم، فضلاً عن أنها تعيش جموداً تنظيمياً معقداً وبنية مغلقة بقبضة حديدية، وسلب أتباعها أي اعتراض ولو كان مبنيا على حقائق ووقائع، ومن يخالفهم يُستخدم معه الإرهاب الفكري، والقرارات التعسفية، والاستخفاف بهم، وإحداث جدار فاصل أمام المخالفين، وهم لا يريدون بناء أرضية مشتركة للحوار والتفاهم، بل ديدنهم الإصرار على التحدي والعناد، والتهديد والتخويف والترهيب، وتجييش (الشبيحة) إذا لزم الأمر، وقد يصل الأمر إلى الانتقام بكل الوسائل المشروعة والمحرمة دوليا!! فلا أقاموا شرعا ولا أبقوا دينا.

     كل ذلك في غياب تام للمشروعية الأدائية التي ترضي الله -عز وجل- وتؤدي حقوق العباد وتستكملها ومحاربة الفساد أو الحد منه، بل ضعف وهوان وتكوص!! فلا يريدون مواجهة القصور والضعف الذي مروا به، ولا تغيير القادة أو تأهيل الشباب وتأطيرهم وتوعيتهم، وعليها تعاملت معهم السلطة بالتحجيم وتقليم أظافرهم، وتجريدهم من الأنياب واختراقهم، والسعي إلى بث الشقاق بينهم!!

     ابتعدوا عن مبدأ الشفافية والحوار وتقبل الاختلاف، والاعتراف بقدرات الشباب وطلبة العلم، والتداول الراقي مع أصحاب النظر الثاقب والفكر السديد والثقافة العميقة، وتغيير لغة الخطاب بعيدا عن توظيف المعجم العدائي!! ورهنوا مستقبل البلاد بحسابات شخصية أو سياسية، واهتموا بالقضايا الثانوية؛ ممّا أدى  إلى ضعف يلحقه ضعف، ولاسيما أنهم يستمدون  آراءهم من خطاب يمكنهم في مقاعدهم، ولكن يبعد الغالبية العظمى التي تريد محاربة الفساد وتعديل القوانين والمراقبة الدقيقة لرداءة الوضع في أغلب مؤسساته، وأحزاب ليس لديها رؤية ومنهج واضح وخطوات ثابتة، بل تضع أبجديات تكون فيها الموالاة والمعاداة على المنهج الذي رسموه، في ظل تمييع الثوابت وكل ما يتعارض مع أهوائهم، وهمهم استقطاب أصحاب رؤوس الأموال لمساندتهم، وهاجسهم الحصول على مقاعد أكثر لخدمة أغراضهم الشخصية ومصالحهم الخاصة، ولو أدى إلى عزوف الناس عنها! وهؤلاء لاتحكمهم معايير الاستقامة والكفاءة، ولا يوجد عندهما من يقوم بإدارة الاختلاف والأزمات بموضوعية!، وأحزابهم تعيش على تجذير سياسة الجمود والتقهقر وكسب الولاءات؛ وهذا أدى إلى هشاشتها في مسلسل خيبات الأمل! حتى انطبق عليهم قوله -تعالى-: {كل حزب بما لديهم فرحون}, ولأن التحزب فعلا قد فرق الشمل، وأصبح بعضهم يلعن بعضا، ويضرب بعضهم رقاب بعض، والواجب أن توزع الأدوار بين الناس في أعمال الحياة ومرافقها الدينية والدنيوية؛ ليقوم كلٌّ بواجبه في جانب من جوانب الدين والدنيا.

     وما حل بالأمة من عوامل الانفلات والتغيير ضاربة في أعماقها؛ فلابد من رجال يهبون لانتشالها وحفظ كرامتها؛ مما أعقب البغضاء والشحناء وتراشق الأقلام بكلمات مسمومة، قال -تعالى-: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا} والبعد عن البيعات والتحالفات المعارضة للكتاب والسنة؛ لحديث:«لا حلف في الإسلام» (متفق عليه). وعدم الغلو الحاصل في الأحزاب للزعماء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: من نصب شخصا كائنا من كان فوالى وعادى على موافقته كان من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا.

{فماذا بعد الحق إلا الضلال فآنى تصرفون}.

نسأل الله الهداية والصلاح للجميع.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك