رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد عبدالوهاب الحداد 17 مايو، 2016 0 تعليق

اقتصاديات الشرك

كان العامل الاقتصادي من العوامل التي منعت كفار قريش من الدخول في الإسلام لئلا تقاطعهم بقية القبائل اقتصاديا وسياسيا

هناك دول إسلامية مستعدة لدفع جيوشها وأسلحتها لقتل مئات الآلاف من المسلمين الأبرياء بحجة الدفاع عن هذه الأضرحة وتلك القبور

 

أن ترى مشهد ملايين المسلمين وهم يطوفون حول القبور، ويوجهون بدعهم لها بدلا من التوجه لله -سبحانه وتعالى- في نقض كبير للعقيدة الإسلامية التي تحرم الدعاء إلى غير الله، وتحرم الطواف حول القبور والذبح لها ولكوني اقتصاديا وإداريا سأطرح هذا الموضوع من هذه الزاوية؛ كون كثير من قضايا الطواف على القبور واللجوء إلى السحر وغيره القصد فيها اقتصادي من ناحية القائمين على هذه القبور واللاجئين إليها بقصد طلب الرزق، يقول الله تعالى في سورة العنكبوت {إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون}(العنكبوت: 17)، وقبل أن ندخل في صلب الموضوع سنطرح بعض المفاهيم الأساسية في الدين:

التوحيد هو الأصل

     الأصل في الدين هو التوحيد وعبادة الله وحده، يقول الله -تعالى- مخاطبا نبيه: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}، وفي سورة هود عندما سرد الله قصص الأنبياء، فنوح -عليه السلام- قال لقومه: {إني لكم نذير مبين أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم} وهود -عليه السلام- قال لقومه: {قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}، وصالح -عليه السلام- {وإلى ثمود أخاهم صالحا، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}، وهكذا قصص بقية الأنبياء في القرآن جميعها تؤكد توحيد الله في العبادة وأنه لا معبود بحق إلا الله، وهذا فرق بيننا وبين كفار الجاهلية في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنهم يؤمنون بربوبية الله وخلقه لهم؛ حيث يقول الله -تعالى- عنهم في القرآن في سورة لقمان: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله}، ولكنهم وضعوا الأولياء والأصنام طريقاللوصول إلى الله؛ ولذلك يقولون: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}، فالأصل في الإسلام توحيد الله في العبادة والدعاء والرجاء والخوف.

النهي عن الشرك

     النهي عن الشرك وإحباطه للعمل: فالشرك محبط للأعمال الصالحة، يقول الله -عز وجل-: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}، ويقول المولى -عز وجل- مخاطبا نبيه: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين}(الزمر: 65)، وقال إبراهيم في دعائه لنفسه ولأبنائه عندما بنى الكعبة: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام}، وعندما مر النبي - صلى الله عليه وسلم - على شجرة ذات أنواط مع أصحابه وكان الكفار يضعون أسيافهم عليها تبركا بها، فأراد المسلمون عمل الشيء نفسه فقالوا للرسول اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال: «الله أكبر إنها السنن لقد قلتم كما قال قوم موسى لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة». ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث القدسي عن الله -عز وجل- «أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه».

الدعاء يكون لله وحده

     الدعاء يكون لله وحده فقط: فلا يجوز صرف الدعاء لغير الله لقوله -عز وجل-: {ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}(غافر: 60)، ويقول الله -عز وجل- أيضا طالبا من عباده توجيه الدعاء إليه وحده وأنه قريب منهم: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}(البقرة: 186)، ويقول الله تعالى {أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكّرون}(النمل: 62)، والآيات السابقة جميعها تدعو المسلم إلى دعاء الله وحده، وألا يجعل وسطاء بينه وبين الله سواء كانوا أولياء أم أنبياء أم بشرا؛ فالدعاء خالص لله وحده ولا يجوز صرفه لغيره.

قضاء الحاجات بالله وحده

     ارتباط الرزق وقضاء الحاجات بالله وحده: يقول الله -تعالى- مخاطبا نبيه: {لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى}، ويقول تعالى: {وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم}(العنكبوت: 60)، وقال تعالى: {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}، وقوله تعالى: {وفي السماء رزقكم وما توعدون}(الذاريات: 22)، وقوله: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا} {ويرزقه من حيث لا يحتسب}، ويقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: علمني النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاء لقضاء الدين ولو كان مثل الجبال «اللهم أغنني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك»، وكان العامل الاقتصادي من العوامل التي منعت كفار قريش من الدخول في الإسلام: {وان خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله} فكان خوف قريش من دخول الإسلام لئلا تقاطعهم بقية القبائل اقتصاديا وسياسيا، فبين لهم الله أن الرزق بيده والله -تعالى ابتداء- جعل أفئدة الناس تفد إليهم وإلا فإن مكة لا زرع فيها ولا ضرع، وأيضا نهاهم -سبحانه وتعالى- عن قتل أولادهم خشية الفقر.

     قال تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم}، وأما فيما يتعلق بالأضرحة فغالبا ما يكون عامل جَنْيِ أموال الزائرين هو الأساس، ومع الأسف يقوم ملايين المسلمين بدفع الأموال والتبرع بها لهذه القبور من أجل طلب الرزق أو التوفيق بأمر معين، ولكنه لا يعلم أنه أشرك بالله وحبط عمله الصالح. ومما يندي له الجبين أن هناك الآن دولا إسلامية مستعدة لدفع جيوشها وأسلحتها لقتل مئات الآلاف من المسلمين الأبرياء بحجة الدفاع عن هذه الأضرحة والقبور، ونحن نعلم علم اليقين أن أصحاب هذه القبور من الصالحين، ويرفضون الطواف حول قبورهم كما أوصي علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أبناءه بدفنه ليلا بعيدا عن أعين الناس حتي لا يتخذ قبره مزارا.

ختاما مازالت قضية حرب الشرك من أهل التوحيد قائمة وإن برزت بقوة هذا العصر. نسأل الله لجميع المسلمين الإخلاص في عبادة الله وحده -سبحانه- وتوحيده؛ فمنه التوفيق ومنه الرزق ومنه كل خير في هذه الدنيا وفي الآخرة. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك