رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أحمد بن عبدالعزيز الحصين 23 أبريل، 2012 0 تعليق

افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب والرد عليها (الحلقة الثانية)

 

الفرية الأولى: الإمام محمد بن عبدالوهاب ينكر الشفاعة!

رد أئمة التوحيد على الخصوم الذين يقولون بأن الوهابية وعلى رأسهم الإمام محمد بن عبدالوهاب ينكرون الشفاعة، وأوردوا البراهين عليهم.

يقول الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: «فإن قال: أتنكر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ منها؟ قلت: لا أنكرها ولا أتبرأ منها، بل هو صلى الله عليه وسلم  الشافع المشفع، وأرجو شفاعته، ولكن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى: {قل لله الشفاعة جميعا} (الزمر:44)، ولا تكون إلا من بعد إذن الله كما قال عز وجل: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} (البقرة: 255)، ولا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال عز وجل: {يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً} (طه: 109).

       فإن كانت الشفاعة كلها لله، ولا تكون إلا من بعد إذنه، ولا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيها، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد، تبين لك أن الشفاعة كلها لله فاطلبها منه، وقل: اللهم لا تحرمني شفاعته، اللهم شفعه في، وأمثال هذا.

- فإن قيل: إن النبي  صلى الله عليه وسلم  أعطي الشفاعة، وأنا أطلبه مما أعطاه الله.

- فالجواب: أعطاه الشفاعة، ونهاك عن هذا فقال: {فلا تدعوا مع الله أحدا} (الجن:18)، فإن كنت تدعو الله أن يشفّع نبيه فيك، فأطعه في قوله: {لا تدعوا مع الله أحدا}، وأيضا فإن الشفاعة أعطيها غير النبي  صلى الله عليه وسلم  فصح أن الملائكة يشفعون، والأولياء يشفعون، والصالحين يشفعون، أتقول إن الله أعطاهم الشفاعة فأطلبها منهم، فإن قلت هذا، رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكر الله في كتابه، وإن قلت: لا، بطل قولك: أعطاه الله الشفاعة، وأنا أطلبه مما أعطاه»(1).

       ثم يرد على الخصوم الذين افتروا على الدعوة بإنكار شفاعة الرسول  صلى الله عليه وسلم  ، فيقول: «يزعمون أننا ننكر شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم  ، فنقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، بل نشهد أن محمدا رسول الله  صلى الله عليه وسلم  الشافع المشفع، صاحب المقام المحمود، نسأل الله رب العرش العظيم أن يشفّعه فينا، وأن يحشرنا تحت لوائه، هذا اعتقادنا وهذا الذي مشى عليه السلف الصالح، وهم أحب الناس لنبيهم، وأعظمهم في اتباع شرعه»(2).

       ويقول الشيخ عبدالله بن محمد بن  عبدالوهاب: «ونثبت الشفاعة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم  يوم القيامة حسب ما ورد، وكذا نثبتها لسائر الأنبياء والملائكة، والأولياء والأطفال حسب ما ورد أيضا، ونسألها من المالك لها، والإذن فيها لمن يشاء من الموحدين الذين هم أسعد الناس بها كما ورد، بأن يقول أحدنا متضرعا إلى الله تعالى: الله شفع نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم  فينا يوم القيامة، أو: اللهم شفع فينا عبادك الصالحين، أو ملائكتك، أو نحو ذلك مما يطلب من الله منهم، فلا يقال: يا رسول الله، أو يا ولي الله، أسألك الشفاعة، أو غيرها: كأدركني، أو أغثني، أو انصرني على عدوي، ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى»(3).

       ويقول -رحمه الله-: «وجملة القول أن طلب الشفاعة منه  صلى الله عليه وسلم  في حياته ثابت بلا شك، وكذلك طلب الشفاعة منه  صلى الله عليه وسلم  يوم القيامة، وهذا لا ينكره أحد»(2).

        وسئل شيخنا ووالدنا سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن عبدالله بن باز مفتي الديار السعودية: هل الوهابية ينكرون شفاعة الرسول  صلى الله عليه وسلم  ؟ فأجاب: «لا يخفى على كل عاقل درس سيرة الإمام محمد ابن عبدالوهاب وأتباعه أنهم براء من هذا القول؛ لأن الإمام -رحمه الله- قد أثبت في مؤلفاته، ولاسيما في كتابه «التوحيد» و«كشف الشبهات» شفاعة الرسول  صلى الله عليه وسلم  لأمته يوم القيامة، ومن هنا يعلم أن الشيخ -رحمه الله- وأتباعه لا ينكرون شفاعته  عليه الصلاة والسلام، وشفاعة غيره من الأنبياء والملائكة والمؤمنين، بل يثبتونها كما أثبتها الله ورسوله، ودرج على ذلك سلفنا الصالح عملا بالأدلة من الكتاب، وبهذا يتضح أن ما نقل عن الشيخ وأتباعه من إنكار شفاعة النبي  صلى الله عليه وسلم  من أبطل الباطل، ومن الصد عن سبيل الله، والكذب على الدعاة إليه، وإنما أنكر الشيخ -رحمه الله- وأتباعه طلبها من الأموات ونحوهم»(5).

        هذه عقيدة الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب وأتباعه من الموحدين في الشفاعة، وأنها لا تطلب من الأموات والأولياء والمشعوذين والدجالين، فالشفاعة كلها لله وحده: {قل لله الشفاعة جميعا}، وأن الأنبياء والصالحين لا يشفعون إلا بإذن الله، قال تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}، أما أن يقول القائل: اللهم إني أسالك بجاه محمد، أو بحقه، أو حرمته، فهذا القول بدعة محرمة لا يجوز.

الفرية الثانية

الإمام محمد بن عبدالوهاب يهدم القباب على القبور وينهى عن شد الرحال لزيارتها!

       اعترض أعداء الدعوة السلفية بأن الإمام محمد بن عبدالوهاب وأتباعه يهدمون الأبنية على القبور، ويمنعون شد الرحال لزيارة القبور وخاصة قبر الرسول عليه الصلاة والسلام.

- يقول سليمان بن سحيم: «فمن بدعه وضلالاته أنه عمد إلى شهداء أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  الكائنين في الجبيلة، زيد بن الخطاب والصحابة، وهدم قبورهم وبعثرها، لأجل أنهم في حجارة، ولا يقدرون أن يحفروا لهم، فطووا على أضرحتهم قدر ذراع ليمنعوا الرائحة والسباع، والدافن لهم خالد بن الوليد وأصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ، وعمد -أيضا- إلى مسجد فيه ذلك وهدمه»(6).

       وهذا الكنهوري الشيعي الذي استفاد هو وأتباعه من هذه الخصومة فأخذ يشهر خنجره على الموحدين، يقول: «إن الوهابيين سنة 1223هـ هدموا القباب، فهدموا قبة سيدتنا خديجة -رضي الله عنها.. وهدموا قبة مولد النبي  صلى الله عليه وسلم  ، ومولد أبي بكر»(7).

       يقول زين بن دحلان: «وأما قوله: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى».. فمعناه ألا تشد الرحال إلى مسجد لأجل تعظيمه والصلاة فيه إلا إلى المساجد الثلاثة، فإنها تشد الرحال إليها لتعظيمها والصلاة فيها، وهذا التقدير لا بد منه، ولو لم يكن التقدير هكذا، لاقتضى منع شد الرحال للحج، والهجرة من دار الكفر، ولطلب العلم، وتجارة الدنيا، وغير ذلك، ولا يقول بذلك أحد»(8).

ثم ساق الأحاديث في وجوب زيارة قبر الرسول  صلى الله عليه وسلم  ، فيقول:

1- «من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني».

2- «من زار قبري وجبت له شفاعتي».

3- «من حج فزارني في مسجدي بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي».

4- «من زارني بعد موتي، فكأنما زارني في حياتي».

       وبعد ما ذكر هذه الأحاديث المكذوبة المفتراة على رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ، يقول: «فتلك الأحاديث كلها في تأكيد زيارته  صلى الله عليه وسلم  حيا وميتا، والزيارة شاملة للسفر، لأنها تستدعي الانتقال من مكان الزائر إلى مكان المزور، وإذا كانت كل زيارة قربة، كان كل سفر إليها قربة»(9).

- ويقول العاملي: «هدم الوهابية المسجد الذي عند قبر سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلبرضي الله عنه بأحد، بعدما هدموا القبة التي على القبر، وأزالوا تلك الآثار الجليلة، ومحوا ذلك المسجد العظيم الواسع، فلا يرى الزائر لقبر حمزة اليوم إلا أثرا على تل من التراب»(10).

- ويقول: «ومنع الوهابية تعظيم القبور، وأصحابها، والتبرك بها من لمس، وتقبيل لها، ولأعتاب مشاهدها، وتمسح بها، وطواف حولها، ونحو ذلك»(11).

- ويقول أيضا: «لما دخل الوهابيون إلى الطائف هدموا قبة ابن عباس كما فعلوا في المرة الأولى، ولما دخلوا مكة المكرمة هدموا قبة عبدالمطلب جد النبي  صلى الله عليه وسلم  ، وأبي طالب عمه، وخديجة أم المومنين، وخربوا مولد النبي صلى الله عليه وسلم  ، ومولد فاطمة الزهراء، ولما دخلوا جدة هدموا قبة حواء، وخربوا قبرها، كما خربوا قبور من ذكر أيضا، وهدموا جميع ما بمكة ونواحيها والطائف ونواحيها من القباب، والمزارات والأمكنة التي يتبرك بها»(12).

ويقول الطباطبائي الرافضي: «قالت الوهابية: لا يجوز بناء القبور وتشييدها»(13).

ويقول علوي الحداد: «يهدمون القبب المبنية عليهم، أي على القبور»(14).

- ويقول الشيعي الكنهوري: «اعلم -رحمك الله- أن مذهبه (أي محمد بن عبدالوهاب) في القبور أنه يحرم عمارتها والبناء حولها، وتعاهدها، والدعاء والصلاة عندها، بل يجب هدمها وطمس آثارها»(15).

ويقول: «إن تقبيل القبر بعد الموت كتقبيل اليد في الحياة لوجود الملاك، وهو التعظيم فيهما على السواء»(16).

       والعجيب أن الرافضة وأتباعهم وجدوا ضالتهم بدعوة الإمام فأخذوا يغذونها مستغلين كتب الضالين أهل الخصوم وحقدهم الدفين على أهل السنة والجماعة، وخاصة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

- وبهذا يقول العاملي: «وقد منع الوهابية من شد الرحال إلى زيارة النبي صلى الله عليه وسلم  ، فضلا عن غيره، وقد عرفت أن ابن تيمية في مقام تشنيعه على الإمامية قال: إنهم يحجون إلى المشاهد كما يحج الحاج إلى البيت العتيق، وما حجهم إلا قصدهم زيارتها، فسماه حجا لزيادة التهويل والتشنيع»(17).

وقد تصدى للحملة المسعورة لهؤلاء الضالين المضللين أصحاب البدع، أئمةُ الدعوة من نجد وخارجها.

      يقول الشيخ حسين بن غنام -رحمه الله- وهو يرد على رسالة ابن سحيم: «فهذا الكلام ذكر فيه ما هو حق وصدق، وذكر فيه ما هو كذب وزور وبهتان، فالذي جرى من الشيخ -رحمه الله- وأتباعه أنه هدم البناء الذي على القبور والمسجد المجعول في المقبرة على القبر الذي يزعمون أنه قبر زيد بن الخطاب رضي الله عنه ، وذلك كذب ظاهر؛ فإن قبر زيد رضي الله عنه ومن معه من الشهداء لا يعرف أين موضعه، بل المعروف أن الشهداء من أصحاب الرسول  صلى الله عليه وسلم  قتلوا في أيام مسيلمة في هذا الوادي، ولا يعرف أين موضع قبورهم من قبور غيرهم، ولا يعرفون قبر زيد من قبر غيره، وإنما كذب ذلك بعض الشياطين.

- وقال الناس: هذا قبر زيد، فافتتنوا به، وصاروا يأتون إليه من جميع البلاد بالزيارة، ويجتمع عنده جمع كثير ويسألونه قضاء الحاجات، وتفريج الكربات؛ فلأجل ذلك هدم الشيخ ذلك البناء الذي على قبره، وذلك المسجد المبني على المقبرة اتباعا لما أمر الله به ورسوله من تسوية القبور، والنهي الغليظ الشديد عن بناء المساجد عليها، كما يعرف ذلك من له أدنى ملكة من المعرفة والعلم.

- وقوله (أي سليم سحيم): وبعثرها لأجل أنهم في حجارة ولا يقدرون أن يحفروا لهم فطووا على أضرحتهم قدر ذراع، ليمنعوا الرائحة والسباع، فكل هذا كذب وزور وتشنيع على الشيخ عند الناس بالباطل والفجور، وكلامه تكذبه المشاهدة؛ فإن الموضع الذي فيه تلك القبور موضع سهل لين الحفر، وأهل العيينة والجبيلة وغيرهما من بلدان العارض يدفنون موتاهم في تلك المقبرة، وهي أرض سهلة لا حجارة فيها»(18).

       وأشار ابن غنام إلى أن الإمام محمد بن عبدالوهاب حين كان في العيينة هدم القباب وأبنية القبور، يقول: «فخرج الشيخ محمد ابن عبدالوهاب، ومعه عثمان بن معمر (أمير العيينة) وكثير من جماعتهم، إلى الأماكن التي فيها الأشجار التي يعظمها عامة الناس، والقباب وأبنية القبور، فقطعوا الأشجار، وهدموا المشاهد والقبور، وعدلوها على السنة، وكان الشيخ الذي هدم قبر زيد بن الخطاب بيده، وكذلك قطع شجرة الذيب مع أصحابه، وقطع شجرة قريوة، ثنيان بن سعود ومشاري بن سعود، وأحمد بن سويلم وجماعة سواهم (19).

       ويوضح الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب ما فعلوه أثناء دخولهم مكة المكرمة سنة 1218هـ، قال رحمه الله: «فبعد ذلك أزلنا جميع ما كان يعبد بالتعظيم والاعتقاد فيه، ورجاء النفع، ودفع الضر بسببه من جميع البناء على القبور وغيرها، حتى لم يبق في البقعة المطهرة طاغوت يعبد، فالحمدلله على ذلك»(20).

- ويقول أيضا -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته-: «وإنما هدمنا بيت السيدة خديجة، وقبة المولد، وبعض الزوايا المنسوبة لبعض الأولياء حسما لذرائع الشرك، وتنفيرا من الإشراك بالله ما أمكن لعظم شأنه؛ فإنه لا يغفر»(21).

- ويقول الشيخ المجاهد سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب: «فإن عبّاد القبور لا يقتصرون على بعض من يعتقدون فيه الضر والنفع، بل كل من ظنوا فيه ذلك بالغوا في مدحه، وأنزلوه منزلة الربوبية، وصرفوا له خالص العبودية، حتى إنهم إذا جاءهم رجل وادعى أنه رأى رؤيا مضمونها أنه دفن في المحل الفلاني رجل صالح، بادروا إلى المحل وبنوا عليه قبة وزخرفوها بأنواع الزخارف، وعبدوها بأنواع من العبادة، وأما القبور المعروفة أو المتوهمة بأفعالهم معها، وعددها لا يمكن حصره، فكثير منهم إذا رأوا القباب التي يقصدونها كشفوا الرؤوس، فنزلوا عن الأكوار، فإذا أتوها طافوا بها، واستلموا أركانها، وتمسحوا بها، وصلوا عندها ركعتين»(22).

الهوامش:

1- مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب ج1 ص165-166.

2- نفس المرجع ج5 ص48.

3- الهدية السنية ص42.

4- صيانة الإنسان من وسوسة دحلان ص363.

5- مجلة البحوث العلمية -العدد 9 ص323، تصدر عن دار الإفتاء والدعوة والإشاد -الرياض.

6-  انظر روضة الأفكار لابن غنام ج1 ص112.

7- كشف النقاب ص125.

8- انظر الدرر السنية ص5.

9- انظر الدرر السنية ص4.

10- الدرر السنة ص4.

11- انظر كشف النقاب ص414.

12- كشف النقاب ص59.

13- البراهين الجلية ص41.

14- مصباح الأنام لعلوي الحداد ص42.

15- كشف النقاب ص82.

16- المصدر السابق ص118.

17- المصدر السابق ص429

18 - انظر روضة الأفكار ج1 ص123.

19- المصدر السابق ج1 ص78.

20- انظر روضة الأفكار ص37.

21- المصدر السابق ص43.

22- انظر الكتاب القيم «تيسير العزيز الحميد» تأليف: سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب ص221.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك