رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أحمد بن عبدالعزيز الحصين 3 ديسمبر، 2012 0 تعليق

افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (7) الإمام محمد بن عبدالوهاب يهدم القباب على القبور وينهى عن شد الرحال لزيارتها

 

اعترض أعداء الدعوة السلفية بأن الإمام محمد بن عبدالوهاب وأتباعه  يهدمون الأبنية على القبور، ويمنعون شد الرحال لزيارة القبور، ولاسيما قبر الرسول عليه الصلاة والسلام.

يقول سليمان بن سحيم: فمن بدعه وضلالاته أنه عمد إلى شهداء أصحاب رسول الله[ الكائنين في الجبيلة: زيد بن الخطاب والصحابة، وهدم قبورهم وبعثرها؛ لأجل أنهم في حجارة ولا يقدرون أن يحفروا لهم، فطووا على أضرحتهم قدر ذراع ليمنعوا الرائحة والسباع، والدافن لهم خالد بن الوليد وأصحاب رسول الله[، وعمد - أيضاً - إلى مسجد فيه ذلك وهدمه(1).

وهذا الكنهوري الذي استفاد هو وأتباعه من هذه الخصومة، فأخذ يشهر خنجره على الموحدين، يقول: إن الوهابيين سنة 1223هـ هدموا القباب، فهدموا قبة سيدتنا خديجة - رضي الله عنها - وهدموا قبة مولد النبي صلى الله عليه وسلم ومولد أبي بكر(2).

     يقول أحمد بن زيني بن دحلان: وأما قوله: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى» فمعناه ألا تشد الرحال إلى مسجد لأجل تعظيمه والصلاة فيه إلا إلى المساجد الثلاثة؛ فإنها تشد الرحال إليها لتعظيمها والصلاة فيها، وهذا التقدير لابد منه، ولو لم يكن التقدير هكذا، لاقتضى منع شد الرحال للحج، والهجرة من دار الكفر، ولطلب العلم، وتجارة الدنيا، وغير ذلك، ولا يقول بذلك أحد(3).

ثم ساق الأحاديث في وجوب زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيقول:

1 - «من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني».

2 - «من زار قبري وجبت له شفاعتي».

3  - «من حج فزارني في مسجدي بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي».

4 - «من زارني بعد موتي، فكأنما زارني في حياتي».

     وبعد ما ذكر هذه الأحاديث المكذوبة المفتراة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول: فتلك الأحاديث كلها في تأكيد زيارته صلى الله عليه وسلم حياً وميتاً، والزيارة شاملة للسفر؛ لأنها تستدعي الانتقال من مكان الزائر إلى المزور، وإذا كانت كل زيارة قربة كان كل سفر إليها قربة(4).

- ويقول العاملي: هدم الوهابية المسجد الذي عند قبر سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب - رضي الله عنه - بأحد بعدما هدموا القبة التي على القبر، وأزالوا تلك الآثار الجليلة، ومحوا ذلك المسجد العظيم الواسع، فلا يرى الزائر لقبر حمزة اليوم إلا أثراً على تل من التراب(5).

- ويقول: ومنع الوهابية تعظيم القبور وأصحابها، والتبرك بها من لمس وتقبيل لها، ولأعتاب مشاهدها، وتمسح بها، وطواف حولها، ونحو ذلك(6).

- ويقول أيضاً: لما دخل الوهابيون إلى الطائف هدموا قبة ابن عباس كما فعلوا في المرة الأولى، ولما دخلوا مكة المكرمة هدموا قبة عبدالمطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبي طالب عمه، وخديجة أم المؤمنين، وخربوا مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، ومولد فاطمة الزهراء، ولما دخلوا جدة هدموا قبة حواء، وخربوا قبرها، كما خربوا قبور من ذكر أيضاً، وهدموا جميع ما بمكة ونواحيها والطائف ونواحيها من القباب والمزارات والأمكنة التي يتبرك بها(7).

- ويقول الطباطبائي: قالت الوهابية: لا يجوز بناء القبور وتشييدها(8).

- ويقول علوي الحداد: يهدمون القبب المبنية عليها، أي على القبور(9).

- ويقول الكهنوري: اعلم - رحمك الله - أن مذهبه - أي محمد بن عبدالوهاب - في القبور أنه يحرم عمارتها والبناء حولها وتعاهدها والدعاء والصلاة عندها، بل يجب هدمها وطمس آثارها(10).

- ويقول أيضاً: إن تقبيل القبر بعد الموت كتقبيل اليد في الحياة لوجود الملاك، وهو التعظيم فيها على السواء(11).

والعجيب أن الفرق الضالة وأتباعهم وجدوا ضالتهم بدعوة الإمام فأخذوا يغذونها مستغلين كتب الضالين أهل الخصوم وحقدهم الدفين على أهل السنة والجماعة، ولاسيما شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله.

- وفي هذا يقول العاملي: وقد منع الوهابية من شد الرحال إلى زيارة النبي صلى الله عليه وسلم وآله وسلم، فضلا عن غيره، وقد عرفت أن ابن تيمية في مقام تشنيعه على الإمامية قال: إنهم يحجون إلى المشاهد كما يحج الحاج إلى البيت العتيق، وما حجهم إلا قصدهم زيارتها، فسماه حجاً لزيادة التهويل والتشنيع(12).

وقد تصدى للحملة المسعورة لهؤلاء الضالين المضلين أصحاب البدع، أئمة الدعوة من نجد وخارجها:

- يقول الشيخ حسين بن غنام - رحمه الله - وهو يرد على رسالة ابن سحيم: فهذا الكلام ذكر فيه ما هو حق وصدق، وذكر فيه ما هو كذب وزور وبهتان؛ فالذي جرى من الشيخ - رحمه الله - وأتباعه أنه هدم البناء الذي على القبور، والمسجد المجعول في المقبرة على القبر الذي يزعمون أنه قبر زيد بن الخطاب - رضي الله عنه - وذلك كذب ظاهر؛ فإن قبر زيد - رضي الله عنه - ومن معه من الشهداء لا يعرف أين موضعه، بل المعروف أن الشهداء من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم قتلوا في أيام مسيلمة في هذا الوادي، ولا يعرف أين موضع قبورهم من قبور غيرهم، ولا يعرفون قبر زيد من قبر غيره، وإنما كذب ذلك بعض الشياطين.

- وقال الناس: هذا قبر زيد، فافتتنوا به، وصاروا يأتون إليه من جميع البلاد بالزيارة، ويجتمع عنده جمع كثير ويسألونه قضاء الحاجات، وتفريج الكرب؛ فلأجل ذلك هدم الشيخ ذلك البناء الذي على قبره وذلك المسجد المبني على المقبرة؛ اتباعاً لما أمر الله به ورسوله من تسوية القبور، والنهي الغليظ الشديد في بناء المساجد عليها، كما يعرف ذلك من له أدنى ملكة من المعرفة والعلم.

- وقوله -أي سليمان بن سحيم-: «وبعثرها لأجل أنهم في حجارة ولا يقدرون أن يحفروا لهم فطووا على أضرحتهم قدر ذراع؛ ليمنعوا الرائحة والسباع» فكل هذا كذب وزور وتشنيع على الشيخ عند الناس بالباطل والفجور، وكلامه تكذبه المشاهدة؛ فإن الموضع الذي فيه تلك القبور موضع سهل لين الحفر، وأهل العيينة والجبيلة وغيرهما من بلدان العارض يدفنون موتاهم في تلك المقبرة، وهي أرض سهلة لا حجارة فيها.

     أشار ابن غنام إلى أن الإمام محمد بن عبدالوهاب حين كان في العيينة هدم القباب وأبنية القبور، يقول: فخرج الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ومعه عثمان بن معمر «أمير العيينة» وكثير من جماعتهم، إلى الأماكن التي فيها الأشجار التي يعظمها عامة الناس، والقباب وأبنية القبور، فقطعوا الأشجار، وهدموا المشاهد والقبور، وعدلوها على السنة، وكان الشيخ الذي هدم قبر زيد بن الخطاب بيده، وكذلك قطع شجرة الذيب مع أصحابه، وقطع شجرة قريوة، ثنيان بن سعود ومشاري بن سعود، وأحمد بن سويلم وجماعة سواهم (13).

     ويوضح الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب ما فعلوه أثناء دخولهم مكة المكرمة سنة 1218هـ،  فيقول رحمه الله: فبعد ذلك أزلنا جميع ما كان يعبد بالتعظيم والاعتقاد فيه، ورجاء النفع، ودفعا لضر بسببه من جميع البناء على القبور وغيرها، حتى لم يبق في البقعة المطهرة طاغوت يعبد، فالحمدلله على ذلك(14).

- ويقول -أيضا- رحمه الله وأسكنه فسيح جناته: وإنما هدمنا بيت السيدة خديجة، وقبة المولد، وبعض الزوايا المنسوبة لبعض الأولياء حسما لذرائع الشرك، وتنفيرا من الإشراك بالله ما أمكن؛ لعظم شأنه فإنه لا يغفر(15).

- ويقول الشيخ المجاهد سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب: فإن عباد القبور لا يقتصرون على بعض من يعتقدون فيه الضر والنفع، بل كل من ظنوا فيه ذلك بالغوا في مدحه، وأنزلوه منزلة الربوبية، وصرفوا له خالص العبودية، حتى إنهم إذا جاءهم رجل وادعى أنه رأى رؤيا مضمونها أنه دفن في المحل الفلاني رجل صالح، بادروا إلى المحل وبنوا عليه قبة وزخرفوها بأنواع الزخارف، وعبدوها بأنواع من العبادة، وأما القبور المعروفة أو المتوهمة بأفعالهم معها، فعددها لا يمكن حرصه، فكثير منهم إذا رأوا القباب التي يقصدونها كشفوا الرؤوس، فنزلوا عن الأكوار، فإذا أتوها طافوا بها، واستلموا أركانها، وتمسحوا بها، وصلوا عندها ركعتين(16).

- ويقول الشيخ عبدالرحمن بن حسن بن محمد ابن عبدالوهاب رحمه الله، عن شد الرحال إلى قبور الأنبياء والأولياء: فالجواب: لا ريب أن هذا مما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقوله: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد»، فإذا كان تبركا بالمحل المزور فهو من الشرك؛ لأنهم قصدوا بذلك تعظيم المزور كقصد النبي صلى الله عليه وسلم، أو الولي لتعود بركته عليهم بزعمهم، وهذه حال عباد الأصنام سواء كما فعله المشركون باللات والعزى ومناة؛ فإنهم يقصدونها لحصول البركة بزيارتهم لها، وإتيانهم إليها(17).

- ويقول العلامة حمد بن ناصر بن معمر -رحمه الله- في مناظرته لعلماء مكة سنة 1211هـ: ومن جمع بين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبور، وما أمر به وما نهى عنه، وما كان عليه أصحابه، وبين ما أنتم عليه من فعلكم مع قبر أبي طالب والمحجوب وغيرهما، وجد أحدهما مضادا للآخر مناقضا له، بحيث لا يجتمعان أبدا، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البناء على القبور، وأنتم تبنون عليها القباب العظيمة، والذي رأيته في المعلاة أكثر من عشرين قبة، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزاد عليها غير ترابها، وأنتم تزيدون عليها غير التراب، التابوت الذي عليه، ولبس الجوخ، ومن فوق ذلك القبة العظيمة المبنية بالأحجار والجص(18).

- ويوضح الشيخ محمد بن عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن -رحمهم الله- معتقد دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب وأتباعه في مسألة البناء على القبور بقوله: «فنحن ننكر الغلو في أهل القبور والإطراء والتعظيم، ونهدم البنايات التي على قبور الأموات؛ لما فيها من الغلو والتعظيم الذي هو أعظم وسائل الشرك بالله»(19).

- ويقول الشيخ فوزان السابق: إنهم يتعلقون بالأسماء، ويغيرون الحقائق من نصوص الكتاب والسنة، ويحرفونها عن مواضعها، ويعارضونها بالأحاديث الضعيفة والموضوعة، محتجين بها على فتح أبواب شركهم وضلالهم، الذي أضلوا به كثيرا من جهلة هذه الأمة، مقتفين في ذلك أثر من حذرهم نبيهم صلى الله عليه وسلم عن سلوك سبيلهم، وذلك فيما جاء عنه صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحيحة في لعن متخذي القبور مساجد؛ لأنه من الغلو الذي نهى الله تعالى عنه، وهو أصل عبادة الأصنام؛ ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: «ولولا ذلك لأبرز قبره، غير أنه خشى أن يتخذ مسجدا»(20).

     هذه هي عقيدتنا في مسألة القبور، وهي عقيدة الصحابة والتابعين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، فرضي الله عنهم أجمعين.

     وقد ثبت في الصحيحين والسنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن البناء على القبور وأمر بهدمه، كما رواه مسلم لنا في صحيحه عن أبي الهياج الأسدي، قال عليّ: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته»، كما أخرج مسلم عن جابر رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه، وأن يكتب عليه.

فالإمام رحمه الله قام بهدم القباب وأبنية القبور لتحقيق وصيته صلى الله عليه وسلم  .

     وينبغي على كل مسلم غيور على دينه أن يسعى لهدم وإزالة القباب التي نصبت فوق الأضرحة، ومحاربة الشرك والبدع بشتى أنواعها حتى يكون من الموحدين المخلصين الذين يعمرون الأرض بتحقيق «لا إله إلا الله محمد رسول الله».

الهوامش:

1 - انظر روضة الأفكار لابن غنام: ج1 ص112.

2 - كشف النقاب: ص125.

3 - انظر الدرر السنية: ص5.

4 - انظر الدرر السنة: ص4.

5 -  الدرر السنية: ص4.

6 - انظر كشف النقاب: ص414.

7 - كشف النقاب: ص 59.

8 - البراهين الجلية: ص41.

9 - مصباح الأنام لعلوي الحداد: ص42.

10 - كشف النقاب: ص82.

11 - المصدر السابق: ص 118.

12 - المصدر السابق: ص42913- انظر روضة الأفكار ج1 ص78.

14- انظر روضة الأفكار ص37.

15- المصدر السابق ص43.

16- انظر الكتاب القيم: «تيسير العزيز الحميد» تأليف سليمان بن عبدالله بن محمد ابن عبدالوهاب ص221.

17- انظر مجموعة الرسائل والمسائل ج2 ص41.

18- الهدية السنية ص85.

19- انظر المصدر السابق ص105.

20- انظر البيان والإشهار: تأليف فوزان السابق ص321.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك