رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 7 أغسطس، 2012 0 تعليق

اعتداءات على القدس والمسجد الأقصى في شهر الطاعات

 

المسجد الأقصى يتعرض لسلسلة من الاعتداءات والاقتحامات التي غدت تتكرر – تكراراً شبه يومي – فقد تناقلت وسائل الإعلام في غرة شهر رمضان هذا العام – خداعاً وتضليلاً-  تسهيلات الشرطة اليهودية في القدس لحركة المصلين وتنقلاتهم ووصولهم والصلاة في المسجد الأقصى، ولكن سرعان ما تبع تلك الأخبار، أخبار أخرى تظهر تصعيد اليهود لاعتداءاتهم على المصلين التي رافقتها تصريحات نارية تدعو لهدم المسجد الأقصى. 

       وكانت شرطة الاحتلال قبل دخول شهر رمضان قد سمحت لليهود بدخول باحة الأقصى؛ حيث يدعي اليهود أنه تم في مثل هذا الزمن هدم الهيكل الأول والثاني، وتوجه آلاف اليهود إلى حائط البراق من أجل الصلاة في ذكرى هدم الهيكل.

وقامت قوة من قوات الاحتلال باقتحام  المسجد الأقصى  خلال الأيام الأُول من شهر رمضان، بصورة مفاجئة وقطعت الصلاة على المصلين بينما كان أكثر من 20 معتكفًا قَد بَدَأُوا بصَلاة الليل، واعتقلت كذلك إمام المسجد الأقصى أثناء سجوده، واقتادوه خارج المسجد، وفضت المسلمين المعتكفين داخله، وترادف مع ذلك اقتحام مجموعة من المتشددين اليهود بحماية قوات الاحتلال ساحات المسجد الأقصى وأغلقوا بواباته، وقد اندلعت مواجهات عنيفة بين عشرات الشبان والجنود بمنطقة كفر عقب وقلنديا ورأس العامود في القدس المحتلة، علماً بأن قوات الاحتلال تمنع الشبّان الفلسطينيين من سن 13-40 عاما من الوصول إلى المسجد الأقصى، وكذلك تمنع بقاء المصلين المعتكفين داخل المسجد المبارك.

       وقد شهد  محيط المسجد الأقصى خلال شهر رمضان حالة من الاستنفار القصوى من المصلين من القدس، ولاسيما بلدتها القديمة، ومن داخل أراضي عام 48، الذين زحفوا  للمسجد الأقصى وآثروا البقاء في المسجد والانتشار في باحاته ومرافقه للتصدي لأي محاولة اقتحام للمسجد من المتطرفين، فقد كان من المقرر أن يدخلوا إلى المسجد، وقد ارتأت الشرطة الصهيونية منعهم من دخول المسجد الأقصى تحسباً لأي احتكاك مع المصلين الذين يزداد عددهم تباعاً.

       وبتنسيق مسبق مع الجماعات اليهودية المتطرفة، التي تعلن نواياها للعالم أجمع بهدم المسجد الأقصى وإقامة المعبد اليهودي على أنقاضه، أعلنت مؤخراً شرطة الاحتلال أنها سمحت  لنشطاء اليمين اليهودي بتنفيذ تظاهراتهم ومسيراتهم التي تجوب شوارع القدس والبلدة القديمة، بل سمحت لهم باقتحام المسجد الأقصى من باب المغاربة في إطار تلك الاحتفالات، ضمن حماية أمنية مشددة.

       وتأتي هذه الممارسات لتكريس احتلال القدس والتأكيد على أنها عاصمة دولة الاحتلال بشقيها الغربي والشرقي، وعدم الالتفات إلى القرارات الدولية واتفاقات السلام التي تعد شرقي القدس مناطق محتلة، فمسيرات التهويد أضحت ممارسة شهرية حسب التقويم العبري، والاقتحامات  واعتبار ساحات المسجد الأقصى ساحات عامة مباحة للجميع !! 

       وبداية العام الحالي أعلنت سلطات بلدية الاحتلال وضمن مخطط لإحكام السيطرة على المسجد الأقصى وساحاته، وتهويده وتغيير معالمه، عن تحويل ساحات المسجد إلى ساحات عامة، على اعتبار أن تلك الساحات ليس لها أية حرمة، وأنها أرض مشاع، وليست جزءاً من المسجد الأقصى، ولا قداسة لها.

       وحسب هذا الإعلان فلا مانع لبلدية القدس أن تستثمر ساحاته لإقامة المطاعم والمقاهي والمعارض وغيرها، وتقديم المسكرات، وأن يمارس مرتادو تلك الساحات الموبقات والفواحش من شرب للخمور ومقابلات للعشاق، وارتداء للملابس الفاضحة، وغيرها من الأعمال والممارسات التي يجيدها اليهود.   

       وسبق ذلك الإعلان من سلطات الاحتلال إجراءات عدة ضمن مشروع تهويد القدس، فكان التضييق على المقدسيين وإبعادهم وسحب هوياتهم وسلب حقهم في الوجود في داخل القدس ليتحقق لليهود ما أرادوا من تغيير ديموغرافي يضمن لهم الأغلبية السكانية، وتسارع مع ذلك السيطرة على الأرض من خلال الجدار العازل والاستيطان وحفر الأنفاق وإقامة الكنس وتغيير المعالم وتزييف التاريخ بادعاء أن لهم أماكن مقدسة في القدس.

       وكانت ردود الأفعال وإدانة هذه التصرفات محصورة - في الغالب- على المعنيين من أهل القدس والمؤسسات الفلسطينية، فقد أدان المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، خطيب المسجد الأقصى الشيخ محمد حسين، اقتحام القوات الإسرائيلية المسجد، وقال إن هذا الاقتحام والاستباحة لحرمة المسجد «مستفزة، ولاسيما أنها تأتي في أيام شهر رمضان المبارك»، وعد أن «الاقتحام جزء لا يتجزأ من مسلسل الاعتداءات على المساجد الفلسطينية، ويأتي ضمن سياسة مبرمجة ومتواصلة»، وناشد «كل من يستطيع الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك ضرورة شد الرحال إليه، والرباط فيه، وإعماره بالصلاة لتفويت الفرصة على الاحتلال».

       والتساؤل: لماذا تستفز مشاعر المسلمين في شهر رمضان المبارك؟ وأين دور جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي لوقف هذه الاعتداءات المتكررة، واستخدام نفوذها وعلاقاتها الدولية لإجبار دولة الاحتلال على الالتزام بحماية المسجد الأقصى وسكان القدس؟!

       لا شك أن هذا التصرف الصهيوني العنصري يؤكد أننا أمام عصابات احتلال، فالمغتصبون اليهود – الذين يسمونهم مستوطنين هم الذراع الطولى لحكومة الاحتلال لتمارس من خلالهم تهويد  القدس وتغيير معالم المسجد الأقصى؛ ولهذا يضعون في البلدة القديمة في القدس أكثرهم  عناداً وعنفاً، تلك الجماعات التي تعتقد أن العقبة الرئيسة لبناء «الهيكل المزعوم» هي الوجود الإسلامي في البلدة القديمة ووجود المسجد الأقصى بأسواره وأبوابه والمصلى الجامع ومسجد قبة الصخرة، فهم  يعملون على هدم المسجد الأقصى لتحقيق عقيدتهم والتسريع في الخلاص و«عودة»  المخلص لليهود.

       لذا فسكوت العالم أجمع عما يجري في القدس – وكأنه أمر طبيعي – أعطى الضوء الأخضر لقوات الاحتلال ليمارسوا ويحققوا خططهم التي أرادوا أن يتعامل معها العالم وكأنها يجب أن تكون أمراً طبيعياً، وهو ضوء لكل الجهات العاملة من أجل تهويد القدس سواء كانت حكومية أو من جماعات يهودية لبدأ عملية «التهويد» الشامل للقدس.

       إن ما  تعيشه القدس معاناة حقيقية وتواطؤ دولي وعالمي لم يشهد له مثيل، والمجتمع الدولي والأمم المتحدة مطالبة بضرورة التحرك الفوري والعمل على وضع حد لهذه الانتهاكات ومحاسبة دولة الاحتلال عليها. وكذلك منظمة اليونسكو مطالبة بالتحرك الفوري لوقف هذه الاعتداءات على المسجد الأقصى والقدس.

       ولا بد من وقف الزحف الصهيوني على القدس والمسجد الأقصى، فنحن بحاجة إلى موقف عربي وإسلامي يقوم على فتح ملف الصراع من جديد، وتجميد كافة الاتفاقيات والمعاهدات في بحر تلك الاعتداءات،  ويقيناً أن السكوت عن هذه الجريمة سيقود إلى جرائم أكبر بحق المسجد الأقصى وبحق المسلمين في القدس. 

       ووسائلنا الإعلامية مطالبة بكشف حقيقة ما يجري في القدس ونقل الحقائق التي تمارس على الأرض من تغيير للمعالم وتهويد للأماكن وتضييق على المسلمين في القدس باعتبار أنهم أجانب وكأنهم مقيمون في بلد آخر، فقد انتهز قادة الاحتلال الأوضاع والغليان الحادث في عالمنا العربي، والانشغال بما أسموه الربيع العربي، فصعدوا من اعتداءاتهم على المسجد الأقصى.

       والسكوت عن تلك الممارسات تحت مسوغ اشتعال المنطقة، لا مكان له، فاليهود يجيدون استغلال الفرص، بل إن هذا الإعلان وتلك الممارسات ما هي إلا جس نبض الأمة، لمعرفة حقيقتها بعد التغير، هل تبدل بها الحال؟ وهل عادت لها الحياة؟ أم ما زالت لا تملك مقومات عزها ونصرها للوقوف أمام المعتدين على مساجدنا ومقدساتنا؟

       والحقيقة التي نراها بأعيننا أن مشاريع تهويد القدس والمسجد الأقصى مشاريع عملية وليست مجرد آمال وتطلعات، بل هي واقع يطبق بمنهجية واضحة تهدف لتهويد القدس كاملة.. نسأل الله تعالى أن يرد كيد اليهود، ويحفظ المسجد الأقصى وأرض المسرى من دنس اليهود ومن كل ظالم جحود.

 

المسجد الأقصى بين اقتراحاتهم واقتراحاتنا

       «يجب مستقبلاً إزالة المسجد الأقصى من دون هدمه ونقله إلى مكان آخر ليحل محله الهيكل اليهودي المزعوم!»، هذا ما صرح به النائب الصهيوني اليميني (أرييه الداد) خلال  مشاركته في مسيرة طافت أسوار البلدة القديمة من القدس، بينما المسلمون يشدون الرحال إلى المسجد الأقصى في شهر رمضان المبارك هذا العام. 

       كان من الأولى أن يقترح (أرييه الداد)  عضو البرلمان الصهيوني بدلاً من إزالة المسجد الأقصى (من دون هدمه) ونقله إلى مكان آخر ليحل محله الهيكل اليهودي المزعوم! أن يزيل أو ينقل الكيان الصهيوني (دون هدمه وتدميره) إلى أي مكان لا نقول آخر، بل إن مكانه موجود ومعروف عند اليهود وغيرهم.

       المكان هو  جمهورية اليهود في جنوب شرق روسيا، وهي دولة يهودية شرعية علمانية كانت قد أسست في العام 1928 في (بيروبيدجان) الروسية تطبيقا لسياسة «القومية العلمانية السوفيتية»، ولا شيء يمنع اليهود الروس الذين كانوا قد هاجروا إلى فلسطين من العودة إلى بيروبيدجان ولا سيما أن ثلث عددهم مستبعدون على أساس أنهم ليسوا يهودا أصليين بشكل كاف، ويمكن أن يشكلوا مشكلة خطيرة لدولة تأسست على النقاء العرقي فحسب.

       وتعد (بيروبيدجان) موطن اليهود الأول الذي يقع في جنوب شرق روسيا والذي ظل كذلك إلى أن ظهرت فكرة توطين اليهود في فلسطين ونجح الصهاينة في تحقيقها، فصرفت الأنظار عن جمهورية اليهود الأولى التي تأسست بطريقة سلمية ودون حاجة لاغتصاب أراض من سكان أصليين.

       فهو المكان الذي يحقق لليهود عودة آمنة، فعليهم أن ينتقلوا من فلسطين المحتلة إلى جمهورية اليهود التي اسمها أوبلاست ولكنها معروفة أكثر باسم عاصمتها بيروبيدجان؛ حيث من الممكن لهم أن يعيشوا بأمان وسلام ودون أي معاداة لساميتهم، وأن ينعموا بأجواء الثقافة اليهودية السائدة بقوة هناك وأن يتحدثوا اليديتش (لغة يهود أوروبا) كما يريدون على أن يتركوا أرض فلسطين لسكانها الأصليين.

       هذا ما تتبناه كذلك السيدة البريطانية (ميشيل رينوف) التي تحمل لقبا شرفيا هو (ليدي) وقد أسست لهذا الغرض منظمة تروج لهذا الحل بقوة وتحمل اسم جمهورية اليهود، فترى رينوف: أن هناك حلا لم يحظ بالاهتمام الواجب ويتمثل في عودة اليهود إلى وطنهم الأول الذي يقع في جنوب شرق روسيا.

        وتؤكد (الليدي رينوف) أن الثقافة السائدة في (بيروبيدجان) ومساحتها التي تعادل مساحة سويسرا تسمح بهذا الحل العادل وإنهاء مأساة الفلسطينيين المشردين في أصقاع الأرض؛ حيث الكثافة السكانية فيها 14 نسمة/ميل مربع مقابل 945 / ميل مربع في الكيان الصهيوني (إسرائيل) و1728 ميل مربع في الأراضي الفلسطينية.

        وزاد قناعتي بما طرح حينما قرأت كتاب اختراع الشعب اليهودي لـ (شلومو ساند) -أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب – الذي فيه: أن إعادة كتابة الماضي (اليهودي)، تمت على يد كتّاب أكفاء خلطوا شظايا الذاكرة بالخيال، وقد أسهمت في هذا، على وجه الخصوص، الدراسات الأكاديمية عن الماضي اليهودي التي أنتجتها الجامعات اليهودية في فلسطين ومن ثم في إسرائيل، وكذلك معاهد الدراسات اليهودية التي انتشرت في أنحاء العالم الغربي المختلفة، علاوة على عوامل أخرى. وتساءل (ساند) فيما لو أن اليهود في العالم كانوا حقاً «شعبا»، فما الشيء المشترك في مكونات الثقافة (الإثنوغرافية) ليهودي في كييف ويهودي في المغرب غير الاعتقاد الديني وبعض الممارسات الدينية؟!

        وفي مجال سعيه إلى تفنيد مزاعم اليهود بحق تاريخي في الأرض, يحرص (شلومو زاند) على البرهنة على أن أصول اليهود المعاصرين لا تنتهي إلى أرض فلسطين القديمة، ويستشهد بالنظرية القائلة بأن يهود وسط أوروبا وشرقها, الذين ينتسب إليهم 90٪ من اليهود الأمريكيين ينحدرون من الخزر الذين اعتنقوا الديانة اليهودية في القرن الثامن الميلادي، وأقاموا إمبراطورية لهم في القوقاز. وهي نظرية ظهرت لأول مرة في القرن التاسع عشر واكتسبت مصداقية كبرى عندما تناولها الكاتب البريطاني آرثر كوستلر في كتابه الشهير (القبيلة الثالثة عشرة) الصادر عام 1976.

        ويقول: إن السؤال الإجمالي وربما الأصعب: ما مدى استعداد المجتمع اليهودي – الإسرائيلي- للتخلص من الصورة العميقة التي تنسبه إلى «شعب مختار» والكف، سواء باسم تاريخ زائف أم بواسطة بيولوجيا خطيرة، عن تفخيم الذات وإقصاء الآخر من داخله؟!

وخلاصة الأمر :

نحن ندعو النائب الصهيوني اليميني (أرييه الداد) وأتباعه أن يعودوا إلى (بيروبيدجان) الروسية، ويقيموا ما أرادوا من كُنس   ومعابد فلا أحد يعاتبهم على ذلك لأن كل ما فيها يهودي الطابع والثقافة، وسنسمح لهم أن يأخذوا ما زوروا فيه التاريخ والحقيقة  من مقابر ومتاحف ومبان أنشأوها في فلسطين وادعوا أنها يهودية التاريخ والواقع !!

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك