رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة - الفرقان: أحمد عبد الرحمن 19 سبتمبر، 2011 0 تعليق

اشتعال الصراع في النيل الأزرق يهدد بعودة المواجهة مع الجنوبالسودان إلى أين?!

لا يخفى على أحد أن تداعيات انفصال الجنوب السوداني عن الدولة الأم لن تتوقف قريبًا، حيث بدأت باندلاع اضطرابات شديدة في إقليم أبيي الغني بالنفط بعد تنظيم اعتداءات متتالية من قبل الجيش الشعبي لتحرير السودان على الجيش السوداني الذي نجح في طرد هذه القوات من الإقليم.

إلا أن هزيمة الجنوبيين في أبيي لم تنه آمالهم في إضعاف الشمال اقتصاديًا وسياسيًا في إطار تنفيذ السيناريو الغربي لتفتيت ما تبقى منه سواء في الشرق أم في- الغرب، بل واصلوا تنفيذ هذا المخطط عبر إشعال المعارك في جنوب كردفان حيث رفعوا راية التمرد احتجاجًا على هزيمة مرشحهم في الانتخابات المقرب من الحركة الشعبية عبد العزيز الحلو أمام المرشح الحكومي أحمد هارون.

      ولكن رفع راية التمرد في جنوب كردفان لم يؤت أكله؛ حيث تتبعت قوات الجيش السوداني المتمردين وألحقت بهم هزيمة ساحقة أجبرتهم على الفرار إلى ولاية النيل الأزرق تاركين وثائق وخرائط تؤكد ضلوعهم في تنفيذ مؤامرة لتفتيت البلاد.

      وعلى المنوال نفسه لم تؤد الهزيمة التي لحقت بهم في ولاية جنوب كردفان إلى تثبيط هممهم إذ سعوا لنقل السيناريو لولاية النيل الأزرق إذ هاجمت قواتهم الجيش السوداني مخلفة بين صفوفه عشرات من القتلى، فضلاً عن  إلحاق الضرر بمئات من المدنيين.

 توظيف أوراق

      وعمل ما يطلق عليهم شماليو الحركة الشعبية على الاستفادة من الأوراق التي بأيديهم وتوجيهها بما يخدم مصالحهم؛ إذ استغلوا وجود وال مرتبط بعلاقات وثيقة مع جوبا لاكتساب أرضية في الإقليم، إلا أن قوات الجيش السوداني لم تمهلهم وسددت ضربات قاضية إليهم أضعفت شوكتهم، بل تبنت عددًا من القرارات منها صدور مرسوم جمهوري بإعلان حالة الطوارئ وإقالة والي الإقليم مالك عقار الموالي للحركة الشعبية، وهي خطوات جاءت مدروسة وأسهمت في إضعاف التمرد للحد الأدنى مما حدا بواشنطن الداعمة بقوة لسيناريوهات التفتيت لدعوة كل الأطراف لضبط النفس ومحاولة في الوقت نفسه الظهور بمظهر المحايد بإعلان قلقها من دعم الحركة الشعبية لمتمردي مناطق التماس الثلاث وكأنها تدرأ عن نفسها تهمة التورط في العمل على تفتيت البلاد.

      والثابت طبقًا للمعلومات المتاحة أن تحرك الحركة الشعبية ضد حكومة الخرطوم لم يعد عشوائيًا بل جاء منظمًا لتحقيق عدد لا بأس به من الأهداف؛ فحكومة الجنوب ترى أن استمرار حزب المؤتمر الوطني مسيطرًا على الأوضاع في الخرطوم سيضر بشدة باستقرار الدولة الوليدة، بل يشكل عامل إضعاف مستمر لها، لذا فهي لا تخفي رغبتها في العمل على إضعافه ولاسيما أنه أقر عددًا من الخطوات خلال الفترة الماضية أضرت بالكيان الوليد بقوة.

تنازلات مؤلمة

      وتسعى الحركة الشعبية كذلك من خلال تكثيف ضغوط حلفائها العسكريين على الخرطوم مع اقتراب دخول الطرفين في مفاوضات لحسم عدد من القضايا الخلافية، منها مصير أبيي وتقسيم الثروات والوضع في مناطق التماس والقوات على المناطق الحدودية، حيث يرغب الجنوبيون في انتزاع تنازلات قوية من حكومة الخرطوم في هذه الملفات، وهو أمر لن تتركه الخرطوم يمر مرور الكرام؛ حيث ستسعى أيضًا لانتزاع أكبر قدر من المكاسب ولاسيما في قطاع نقل النفط باعتبار أن ميناء بور سودان هو المنفذ البحري الوحيد لهذا الكيان الوليد، وهي إيرادات قد تسهم في تخفيف الضائقة المالية التي تمر بها نتيجة فقدها 70% من إيراداتها النفطية بانفصال الجنوب.

      ومن المهم الإشارة في هذا السياق إلى أن اندلاع الصراع في منطقة النيل الأزرق قد جاء خطوة مهمة من قبل شماليي الحركة الشعبية لتخفيف الضغوط على المتمردين في جنوب كردفان حيث نجحت ضغوط الخرطوم عليهم في إضعافهم بشدة؛ لعلهم يستعيدون زمام المبادرة ويسهمون في قض مضاجع نظام المؤتمر الوطني وإشعال الحرائق في مناطق التماس علها تنجح في تكرار سيناريو الجنوب بها، في إطار مخطط متكامل لإشعال النزعات الانفصالية مما قد يؤدي في النهاية إلى اختفاء الدولة السودانية.

      وفي ظل الأوضاع الصعبة التي تمر بها الخرطوم فإن التوتر المشتعل في هذه المناطق قد أجبرها على اتخاذ عدد من الخطوات من أجل تصعيد الضغوط على شماليي الحركة الشعبية؛ حيث تم إبلاغهم بقرار حظر فرع الحركة الشمالي ومطالبتهم بضرورة التقدم بطلب لتأسيس حزب سياسي جديد، فليس من المعقول أبدًا استمرار كيان عميل للحركة الشعبية بقيادة صديق إسرائيل الأول ياسر عرمان في السودان بعد الانفصال.

كيان أجنبي

      ويتواكب مع هذا التحرك تحرك آخر مشابه إذ تقترب السودان من النظر للكيان الجنوبي على أنه أجنبي وعلى المواطنين المنحدرين من أصل جنوبي على أنهم أجانب ينبغي عليهم اتخاذ خطوات لتقنين أوضاعهم في الشمال، وهي خطوة ستزيد من الضغوط على النظام الجنوبي وقد تفرض عليه أعباء مالية تزيد من صعوبة أوضاعه.

      وقد فرضت تطورات عديدة على الخرطوم إيجاد مثل هذه الخطوات، فإعلان الكيان الجنوب عن تطبيع علاقاته مع إسرائيل قد صعد من الضغوط على الخرطوم التي لم تخف ضيقها من ارتماء جنوب السودان في أحضان إسرائيل، لاسيما أن هذه الخطوة سيتبعها خطوات تفاقم من المخاطر على استقرار السودان إذا لم تستطع الخرطوم تجاهل الدور الذي لعبته إسرائيل في تكريس انفصال الجنوب عبر الدعم السياسي والاقتصادي والتسليح، وهو ما مكن الجنوبيين في النهاية من الفوز بدولة على أشلاء السودان الموحد خصوصًا أن اقتراب إسرائيل بشكل رسمي من الحدود السودانية قد يغريها بإشعال الأوضاع في هذه المناطق وإقامة صلات مع المتمردين الجدد لتحقيق هدفها في حصار خاصرة العرب الجنوبية.

      ومن المهم التأكيد أن هذه الأوضاع تفرض على السودان المزيد من اليقظة ولاسيما أن إقامة علاقات دبلوماسية بين الجنوب وإسرائيل تزامنت مع مسعى أمريكي لتنفيذ أجندة خاصة في السودان بالعمل على إضعافه وتفتيته تمامًا في مرحلة لاحقة، فواشنطن وعبر خطوات محددة سعت لزيادة الضغوط على الخرطوم حيث تراجعت عن وعود برفع مجمل العقوبات الأمريكية عن السودان في حالة الاعتراف بالكيان الجنوبي، إلا أنها فاجأت الجميع برفع العقوبات عن جنوب السودان مع استمرار الشمال في مقدمة اللائحة مما يكشف عن نوايا واشنطن العدوانية تجاه الخرطوم.

 خنق مصر مائيًا

      أما الأمر الأغرب في هذه القضية المتمثلة في اندلاع التوتر في منطقة النيل الأزرق فيتمثل في تهديدها للمصالح المائية المصرية؛ إذ يعد النيل الأزرق هو مصدر الحياة في مصر حيث كانت القاهرة مرتاحة لبقاء هذه المنطقة بعيدة عن التوترات، إلا أن انهيار الأوضاع قد يجبرها على اتخاذ خطوات جادة وداعمة للسودان في دحر التمرد سواء عبر تقديم دعم سياسي أو استخدام ثقلها لدى المتمردين للكف عن شن الحرب بالوكالة ضد الخرطوم.

      وقد يتيح القلق المصري مساحة من الحركة للخرطوم لتوجيه ضربات قاصمة للتمرد؛ إذ تستطيع مصر ما بعد مبارك استخدام نفوذها لدى واشنطن لتخفيف الضغوط على الخرطوم أو التدخل لدى حكومة سيلفاكير لمنعها من التدخل في الشؤون الداخلية للخرطوم أو الوقوف على الحياد بين الطرفين، وهو ما سيفرض على واشنطن استخدام الخيار الأول خصوصًا إذا كان متوافقًا مع مصالحها الاستراتيجية أو مارست القاهرة ضغوطًا عليها للكف عن العبث بأمن السودان.

قنابل موقوتة

      ويعتقد د. السيد فليفل أستاذ الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة أن انهيار الأوضاع الأمنية في مناطق التماس بين شمال السودان وجنوبه يشكل قنبلة موقوتة تهدد بعودة التوتر مجددًا بين الطرفين، مشيرًا إلى أن الأيدي الخارجية واضحة بقوة في الصراعات الدائرة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، بل إن هناك احتمالات لانتقالها لجبال النوبة في إطار مخطط لتفجير المشاكل في هذه المناطق لإضعاف السودان وتنفيذ مخطط تفتيته.

      ولفت لضرورة تعامل السودان بصرامة مع هذه المشكلات حتى تقطع الطريق أمام أي محاولات لتكرار سيناريو دارفور خصوصًا أن هناك مساعي كي يأخذ الصراع في هذه المناطق الخطى نفسها التي سار عليها الصراع في دارفور وتحويله لقضية إنسانية تفتح الباب أمام تدخل دولي، لافتًا لأهمية وجود دعم عربي للخرطوم في ظل تورط الحركة الشعبية والمقربين منها في إشعال هذه الصراعات التي تضر بقوة بالأمن القومي العربي والأمن المائي المصري ولاسيما أن منطقة التوتر تشكل المصدر الأهم لمصادر الماء المصرية.

      ولم يستبعد ضلوع واشنطن وتل أبيب في تفجير هذه الصراعات خصوصًا أنهما تدعمان أي مخطط لتفتيت السودان وإخضاعه للسيطرة على الخاصرة الجنوبية للأمة العربية وقطع الصلات بين الإقليم العربي وعمقه الأفريقي.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك