رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أمير الحداد 1 نوفمبر، 2015 0 تعليق

اسم الله (المعطي)

كنت أقرأ شرح البخاري من فتح الباري، وعادتنا في مجلس الأربعاء أن يكون النقاش أثناء القراءة، فيكون الدرس حوارا أكثر منه إلقاءً.

من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من يرد الله به خيرا يفقه في الدين، والله المعطي وأنا القاسم، ولا تزال هذه الأمة ظاهرين على من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون».

هذا الحديث فيه ثلاث قضايا أساسية: فضل التفقه في الدين, واسم الله المعطي، وغلبة أهل السنة والجماعة.

- هل نستطيع أن نقول: إن من الأسماء الحسنى (المعطي)؟!

- نعم، بدليل هذا الحديث، ولم يرد اسم المعطي لله في القرآن وإنما ثبت في هذا الحديث.

- أذكر أن ابن القيم أورد اسم الله المعطي مع المانع أي (المانع المعطي) وعدهما اسما واحدا.

كان الحوار ثلاثيا، والبقية يستمعون.

- نعم ذكر ابن القيم ذلك في أكثر من موضع، ولكن لا دليل على أن (المانع) من الأسماء الحسنى، فهو ليس من الأسماء الحسنى، ونستطيع أن نقول: إن (المعطي) من الأسماء الحسنى وقد ورد مطلقا معرفا يراد به العلمية وفيه من المدح والثناء ما يليق بالله عز وجل.

وبالطبع تعلمون أن الأسماء الحسنى تثبت إذا وردت في كتاب الله أو السنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

كان أبو حامد يبحث في حاسوبه المحمول، استرعى انتباهنا.

- اسمعوا لهذه المعلومة، من لسان العرب: «العطية اسم لما يعطى، وجمعها عطايا وأعطية، والعطاء أصله اللفظي (عطاو) بالواو؛ لأنه من عطوت إلا أن العرب تهمز الواو والياء إذا جاءتا بعد الألف؛ لأنها أفضل من النطق والحركة ويقال: استعطى وتعطىّ يعني سأل العطاء».

- كلام جميل يا خبير اللغة.

- ماذا عن (المعطي) في حق الله؟

- الله -سبحانه  وتعالى- (المعطي) على الإطلاق، ولذلك نفى النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه هذه الصفة، وحق دوره في أنه يقسم العطاء الذي هو من الله، والله -سبحانه وتعالى- أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، كما في سورة طه: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} (طه:49-50)، وعطاء الله عام لجميع الخلق، لإنسهم وجنهم ومؤمنهم وكافرهم وما في السماء وما في الأرض، مثل قوله تعالى: {كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} (الإسراء:20)، وبالطبع هناك عطاء خاص للأنبياء والأولياء والصالحين، في الدنيا والآخرة بإجابة دعواتهم وإدخالهم الجنة: {جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا} (النبأ:36).

هنا تدخل أبو عبدالله وهو أكثرنا تركيزا على الرقائق.

- إن إحصاء هذا الاسم (المعطي) لله -عز وجل- يتطلب من العبد ألا يسأل إلا الله، ولا يتعلق قلبه إلا بالله؛ ولذلك أمرنا أن نذكر أنفسنا دبر كل صلاة: «اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت»، وكذلك ورد هذا في الدعاء عند الرفع من الركوع، ومن إحصاء هذا الاسم أن يكون العبد معطاء يعطي ما يستطيع من مادة أو علم أو عون أو وقت، ويفرح إذا فعل ذلك.

     يذكر ابن القيم في مدارج السالكين «وفرحه بعطائه وجوده وإفضاله أشد من فرح الآخذ بما يعطاه ويأخذه أحوج ما هو إليه أعظم ما كان قدرا فإذا اجتمع شدة الحاجة وعظم قدر العطية والنفع بها فما الظن بفرح المعطي؟ ففرح المعطي -سبحانه- بعطائه أشد وأعظم من فرح هذا بما يأخذه، ولله المثل الأعلى؛ إذ هذا شأن الجواد من الخلق فإنه يحصل له من الفرح والسرور والابتهاج واللذة بعطائه وجوده فوق ما يحصل لمن يعطيه ولكن الآخذ غائب بلذة أخذه عن لذة المعطي وابتهاجه وسروره هذا مع كمال حاجته إلى ما يعطيه وفقره إليه وعدم وثوقه بإستخلاف مثله وخوف الحاجة إليه عند ذهابه والتعرض لذل الاستعانة بنظيره ومن هو دونه ونفسه قد طبعت على الحرص والشح.

فما الظن بمن تقدس وتنزه عن ذلك كله؟! ولو أن أهل سماواته وأرضه وأول خلقه وآخرهم وإنسهم وجنهم ورطبهم ويابسهم قاموا في صعيد واحد فسألوه فأعطى كل واحد ما سأله ما نقص ذلك مما عنده مثقال ذرة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك