استنكار شديد لها من العواصم الخليجية ومختلف القوى السياسية في بيروت- تصريحات عون المسيئة للمنامة تضع مستقبل العلاقات البحرينية – اللبنانية على المحك
أثار موقف حزب الله اللبناني احتجاجات بحرينية بسبب إثارتها للفتنة بيم مكونات الشعب البحريني
شجبت كتلة «المستقبل البرلمانية» ما أسمتها «المواقف التي تصدر عن قيادات سياسية، والتي تستهدف سياسات وقيادات في دول مجلس التعاون الخليجي»
أثارت التصريحات غير المسؤولة التي أطلقها ميشال عون رئيس كتلة «التغيير والإصلاح» النيابية- أحد أبرز حلفاء حزب الله والمشارك في التحالف الحاكم ورئيس التيار الوطني الحر- حول الوضع الداخلي بالبحرين يوم 12 فبراير الماضي لقناة العالم الإيرانية، أثارت ردود فعل خليجية وبحرينية غاضبة ستؤثر بدون شك على مستقبل علاقات لبنان مع البحرين بصفة خاصة ومع دول مجلس التعاون الخليجي بصفة عامة، وقد تحدث فيها عن مملكة البحرين وأوضاعها الداخلية بشكل لا علاقة له بالحقيقة أو بالواقع المعيش فيها.
وتمثلت تجاوزات عون في تصريحه الذي قال فيه إنه من: «المؤسف قيام ثورة سلمية (في البحرين) لمدة ثلاثة أعوام وتحملها كل التضحيات والظلم من دون أن يكون لها الصدى الكافي في جميع أنحاء العالم»، وقال عون إن ما أسماها «الثورة البحرينية منصفة للقائمين فيها»، ومما ادعاه عون أن «هناك نوعا من التمييز بين السكان انفسهم لأن السكان لا يمارسون نفس الحقوق، والشعب البحريني له الحق أن يعرف ويشارك بمراقبة الدخل الوطني وطريقة الإنفاق. كل هذه المطالب (...) محقة ويجب أن يتفاعل العالم معها!!».
وتكتسب تجاوزات عون المسيئة للبحرين خطورتها وتداعياتها السلبية على مستقبل العلاقات بين المنامة وبيروت بالنظر إلى تزامنها مع الأحداث والتطورات الآتية:
1- أنها لم تكن المرة الأولى التي تصدر فيها تصريحات لمسؤولين لبنانيين حول الأوضاع في البحرين ودول خليجية أخرى؛ إذ سبق أن أثارت مواقف لحزب الله احتجاجات بحرينية وخليجية بسبب تدخلها وإساءتها لمملكة البحرين وإثارتها للفتنة بين مكونات الشعب البحريني.
2- كما جاءت تجاوزات عون عقب أيام قلائل من إعلان وزارة الداخلية البحرينية عن ضبط خلية إرهابية تضم ثمانية بحرينيين حيث تورطت عناصر لبنانية في هذه الخلية، وقالت الوزارة: إنهم تنقلوا بين إيران والعراق ولبنان وتلقوا تدريبات على استخدام العنف والأسلحة والمتفجرات مع توفير الدعم المالي، وتآمرت الخلية التي أطلق عليها «جيش الإمام» مع عناصر خارجية وممولين أجانب بقصد زرع عبوات ناسفة أسفل جسر الملك فهد الذي يربط البحرين بالسعودية، وكلف أعضاء التنظيم بجمع معلومات وتصوير بعض الأماكن المهمة والمنشآت العسكرية وتجهيز مستودعات لتخزين أسلحة سيتم إدخالها للبحرين.
3- كما تزامنت تصريحات عون (وهو نائب مسيحي وزعيم «للتيار الوطني الحر») مع رفع صورة كبيرة للعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز مؤخراً في ضاحية بيروت الشمالية ذات الأغلبية المسيحية، فوق جسر للمشاة، عدت مسيئة وأزيلت الصورة بعد وقت قصير من رفعها، وكلف الرئيس اللبناني ميشال سليمان وزير العدل اللبناني متابعة الإجراءات التي باشرها المدعي العام التمييزي لملاحقة واضع الصورة، وهو ما لم يلقِ فقط بتأثيراته السلبية على العلاقات اللبنانية مع مملمة البحرين، وإنما حدثت أزمة في علاقات بيروت مع عواصم دول مجلس التعاون الخليجي كافة.
أزمة خليجية – لبنانية
وكما سبق البيان ونظراً لتداخل وتزامن تصريحات عون مع رفع الصورة المسيئة لخادم الحرمين الشريفين في مناطق نفوذ تحسب على عون، فقد اتخذت دول مجلس التعاون الخليجي موقفا موحدا منها، حيث اجتمع عبد اللطيف الزياني أمين عام مجلس التعاون الخليجي في مقر الأمانة العامة في الرياض، مع القائم بالأعمال اللبناني منير عانوتي وسلمه «مذكرة احتجاج رسمية من دول مجلس التعاون تعبر عن استنكارها الشديد للتصريحات غير المسؤولة» التي أدلى بها عون لقناة العالم في 12فبراير، وتضمنت مذكرة الاحتجاج أن عون تحدث عن البحرين و«أوضاعها الداخلية بشكل مضلل ومسيء يعكس رؤى ومصالح وارتباطات باتت معروفة للجميع ولا علاقة لها بالحقيقة أو بالواقع المعيش» في البحرين، واعتبرت المذكرة أن تصريحات رئيس «تكتل التغيير والاصلاح النيابي» تتعارض مع الروابط والعلاقات الاخوية والتاريخية التي تربط لبنان بدول مجلس التعاون، وتعبر عن مصالح ضيقة، وطموحات شخصية ولا تصب في مصلحة لبنان والأمة العربية».
ولم تقتصر احتجاجات دول الخليج العربي على مذكرة أمين عام مجلسها، بل قفزت إلى قضية اللبنانيين العاملين في الدول الخليجية بعد تهديد عدد من هذه الدول بعدم استقبال اللبنانيين، وذلك نتيجة لموقف رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون من الأحداث في البحرين، فقد ذكرت مصادر إعلامية لبنانية أن الزياني أبلغ عانوتي شفهياً (حيث لم يتضمن نص المذكرة ذلك) أن الدول الخليجية ستتوقف عن استقبال اللبنانيين، في حال لم تتخذ الحكومة اللبنانية موقفاً من تصريحات عون، كذلك أبلغت سفارات مملكة البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية سفارات لبنان لديها احتجاجها على تصريحات عون.
استياء لبناني رسمي وشعبي
فلقد اندفع لبنان الرسمي من «رأس الهرم» محاوِلاً تدارُك «الاستياء» الخليجي الذي عبّر عن نفسه بقوة على خلفية المواقف التي أدلى بها زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون بإزاء الوضع في البحرين ثم نشر صورة مسيئة لخادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في عدد من المناطق، وعلى وقع تقارير متزايدة أبدت خشية من إمكان توقُّف دول خليجية عن استقبال اللبنانيين نتيجة ما كانت دول مجلس التعاون الخليجي وصفتْه بأنه «تصريحات غير مسؤولة» من العماد عون ثم التفاعلات المكتومة لنشر الصورة المشوّهة للعاهل السعودي، تعمّد الرئيس اللبناني ميشال سليمان أن ينقل جلسة مجلس الوزراء (يتمثل فيه العماد عون بعشرة وزراء) التي انعقدت مؤخراً من القصر الحكومي إلى القصر الجمهوري كي يترأسها ويطلق منها موقفاً حازماً صدر ضمن البيان الختامي الذي تضمّن مقررات الجلسة وأكد فيه حرصه على «أفضل العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة»، داعياً الجميع في لبنان إلى «الالتزام بإعلان بعبدا الذي يؤكد حياد الحكومة وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، ولا سيما الدول العربية»، ومعتبراً أنه: «كما كان هو الموقف تجاه الحوادث في سورية ومصر وتونس، كذلك الأمر بالنسبة إلى البحرين وحكومتها التي نتمسك بأفضل العلاقات معها».
ومن جانبه أكد رئيس مجلس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي حرص بلاده على «أفضل العلاقات مع الدول العربية وعدم التدخل في شؤونها»، مشددا على أن علاقات لبنان مع دول الخليج «لا يمكن أن تتأثر بأي شكل من الأشكال». وأعلن ميقاتي خلال لقاء جمعه بوفد من سفراء دول مجلس التعاون الخليجي في بيروت أن «لبنان حريص على أفضل العلاقات مع الدول العربية الشقيقة، ولا سيما منها دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى عدم التدخل في شؤونها الداخلية»، وأضاف أن «هذا الموقف عبرت عنه شخصيا وأكده رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان»، ولفت إلى أن «الحكومة اللبنانية تؤكد أن ما يصدر من تصريحات سياسية تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر عن موقف الحكومة، كما أنها تدعو القيادات كافة إلى الالتزام بمضمون البيان الصادر عن مؤتمر الحوار الوطني بدعوة من رئيس الجمهورية والذي اصطلح على تسميته بنود «إعلان بعبدا»، الذي يطالب بتحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية وتجنيبه الانعكاسات السلبية للتوترات والأزمات الإقليمية»، وتابع ميقاتي: «علاقات لبنان مع الدول الخليجية كانت وستبقى علاقة محبة وأخوة صادقة، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال، أن تتأثر بموقف من هنا وكلام من هناك خصوصا أن الغالبية الساحقة من اللبنانيين تثمن وقوف دول الخليج باستمرار إلى جانب لبنان ونهضته وازدهاره وتقدر لقادة هذه الدول رعايتها الأبوية لشؤون اللبنانيين المقيمين فيها».
ولم تقتصر الاستياءات من تصريحات عون في الداخل اللبناني على الجانب الرسمي فقط، بل امتدت إلى عدة قوى سياسية لبنانية فاعلة، حيث شدد رئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط في ردّ غير مباشر على العماد عون على «أن الأداء المراهق لبعض القوى السياسية في لبنان لم يعد مقبولاً وهي التي لها الباع الطويل في حروب التحرير والإلغاء، فحبذا لو تلغي من قاموسها بعض المصطلحات التحريضية التي لا وظيفة لها سوى تأجيج الاحتقان السياسي والانقضاض على منجزات اللبنانيين سواء داخل لبنان أم خارجه»، وقال جنبلاط: إن مثل هذه المواقف من شأنها أن تعرض الجاليات اللبنانية المقيمة في الدول العربية لمخاطر تهدد وجودها وإستمرارها وبقاءها، وهي التي تدعم منظومة الصمود الاجتماعي برمتها في لبنان من خلال التحويلات المالية التي ترسل من المغتربين إلى المقيمين لتعيلهم على العيش بالحد الأدنى من الكرامة الإنسانية، خصوصاً بعد الفشل المتواصل الذي تسجله الحكومات المتعاقبة في الملفات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية.
وبدورها شجبت كتلة «المستقبل البرلمانية» ما أسمتها «المواقف التي تصدر عن قيادات سياسية، والتي تستهدف سياسات وقيادات في دول مجلس التعاون الخليجي»، معتبرة «أن هذه المواقف وبعض الممارسات المرافقة لها قد تنعكس على مصالح لبنان واللبنانيين في شكل لا يمكن تقدير عواقبه السلبية؛ إذ إن الخسائر نتيجة العبث بمصالح اللبنانيين ومجالات عملهم والتي تطول لبنان واقتصاده لم تعد محتملة ولاسيما في ضوء استمرار هذه المواقف والممارسات».
وأشار عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب أنطوان زهرا في بيان له إلى أنه «طالعنا العماد ميشال عون (رئيس تكتل التغيير والإصلاح) بدخول مفتعل ومستغرب على الأزمة البحرينية (في البحرين) بما يصح تسميته بالمقامرة والمغامرة وتعريض علاقات لبنان العربية للمخاطر نتيجة التلاقي في المضمون بين الحراك الإيراني، في العالم العربي، وكلام عون الذي يصب في خدمة هذا الحراك، وسأل زهرا في هذا الإطار عما «إذا كان عون يملك ضمانات بتشغيل اللبنانيين في إيران بعد تعريضهم لفقدان أعمالهم في دول الخليج نتيجة كلامه الأخير؟».
وعدّ زهرا أنه من المريب أن يتزامن هذا التدخل مع ظاهرة التعرض للملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز «في رسوم تدل على الكراهية والتحريض وتعرض مصالح لبنان واللبنانيين وعلاقاتهم التاريخية مع دول الاعتدال العربي للخطر، هذه العلاقات التي أنعشت اقتصاد لبنان ومكنته من تجاوز كل المحن والمصاعب في أوقات عدة».
وتابع زهرا: «كلنا ثقة أن العالم العربي الذي يتفاعل مع لبنان ويدافع عن قضاياه ويؤمن مساحة عمل واسعة للبنانيين لن يلتفت إلى مثل هذه الممارسات ولن يأخذ الشعب اللبناني بجريرة بعض الغارقين في تحالفاتهم على حساب لبنان واللبنانيين والعرب».
لاتوجد تعليقات