رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر التربوي 19 يناير، 2021 0 تعليق

استقرار الأسرة وتماسكها من مقاصد القرآن الكريم

 

الاستقرار الأسري غاية من غايات القرآن الكريم، لقوله -تعالى-: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} (الروم:21)، فالسكن هو المقصد الأسنى من وجود الزوجية في الحياة الإنسانية، والاستقرار الأسري هو الذي يمنح أفراد الأسرة الأمان، ويشعرهم بالطمأنينة، ويحمي الأبناء من الانحراف والتشرد والجريمة؛ لذلك لابد من المحافظة على الأسرة وتعزيز الروابط بين أفرادها، ولا يتحقق ذلك إلا بتحقيق الانسجام والوئام بين الزوجين، وقد أرشدنا القرآن الكريم إلى العديد من الوسائل التي تحقق للأسرة استقرارها وتحفظ لها تماسكها، ومن ذلك:

المعاشرة بالمعروف

قال الله -تعالى- {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} فالمعاشرة بالمعروف والمعاملة الحسنة هي التي تديم الألفة بين الزوجين، وتقوي أواصر المحبة بينهم، وقد جاء طلب المعاشرة بالمعروف بصيغة الأمر، ومن المعلوم أصولياً أن الأمر يفيد الوجوب.

تحديد الحقوق والواجبات

     إن تحديد الحقوق والواجبات في داخل الأسرة ومعرفة كل من الزوجين ما له وما عليه يحد من ظهور المشكلات، ويمنع من وقوع الخلافات والنزاعات، وهو من الضمانات المهمة للحد من التعسف في استعمال الحقوق والتعدي فيها؛ إذ إن التوازن بين الحقوق والواجبات يحفظ للأسرة تماسكها وترابطها، فقال -تعالى- {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، فكل حق يقابله واجب، فمن يطالب بحق له عليه أن يؤدي الواجب الذي عليه.

الشورى في اتخاذ القرارات

     ولما كانت الشورى هي القاعدة العامة في إدارة الأمور واتخاذ القرارات، لقوله -تعالى-: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}، فإن تطبيق هذا المبدأ في إدارة الأسرة يسهل من عملية اتخاذ القرار، ويجعل كل واحد من أفراد الأسرة يشعر بقيمته وأهميته، مما يحقق الترابط والتفاهم بين أفرادها.

علاج بوادر الخلاف والنزاع

     وبما أن الاختلاف وظهور المشكلات أمر طبيعي في الحياة الإنسانية، فقد دعا القرآن إلى علاج بوادر الخلاف والنزاع بين الزوجين، وطالب بالسرعة الممكنة في حله وإنهائه، فقال -تعالى- {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}، ومن المؤكد أن حل النزاعات الداخلية في الأسرة ومنع تفاقمها وإعادة الوئام والتفاهم بين الزوجين أفضل من الانفصال الذي يؤدي إلى انهيار الأسرة وتفككها، وما يترتب على ذلك من آثار سلبية على الأفراد والمجتمعات.

 

من مدمرات العلاقة بين أفراد الأسرة.. عدم الاعتذار وغياب التسامح

ثقافة التسامح إحدى أهم الضرورات الإنسانية والأخلاقية في الواقع المعاصر بعد أن استشرت ظاهرة العنف، والاعتذار والصفح هو العامل المساعد الرئيس للإبقاء على وحدة الأسرة، وهو سر سعادتها، فجميعنا يخطئ، وجميعنا قد يقع في الإساءة للآخر، ولكن في حالة عدم قدرتنا على الاعتذار، وعدم قدرة الآخرين على الصفح، فلن تبقى وحدة الأسرة متماسكة بكل تأكيد.

 

 

أساليب اتخاذ القرارات داخل الأسرة

 عملية اتخاذ القرارات هي جوهر العملية الإدارية داخل الأسرة، ويتوقف نجاح الفرد أو الأسرة -إلى حد كبير- على مدى سلامة القرارات التي تُتخذ، وتواجه الأسرة  دائما مواقف يلزم فيها اتخاذ قرارات متفاوتة؛ من حيث الأهمية، ومن حيث مقدار تأثيرها على حياة الأسرة، ومن أساليب اتخاذ القرار داخل الأسرة ما يلي:

أسلوب الشورى

الشورى مبدأ إسلامي أصيل، وتعني تبادل الأفكار تجاه قرار معين، وما يترتب على ذلك من طرح للآراء ونقد لآراء الآخرين داخل الأسرة، بغية الوصول لأفضل القرارات، قال -عز وجل- {وأمرهم شورى بينهم}.

الأسلوب التفاعلي

     وهو يعني وجود اتساق في تفاعل الوالدين وعلاقتهما مع الأبناء، ولا يختلف هذا الأسلوب باختلاف المواقف، ويشترك كل من الزوجين في اتخاذ القرارات، مثل: اختيار نوع التعليم، وأماكن التنزه، ومكان السكن، وقد يحدث تعارض في الآراء والأفكار ولكنه لا يهدد العلاقة بينهما.

الأسلوب التكاملي

     حيث تتوزع الأدوار بالتساوي بين الوالدين، فكل منهما له سلطته وخبرته في النواحي الأسرية، فيمارس الأب مسؤوليته في العمل وكسب الرزق، وتولي المناصب الإدارية والقيام بالواجبات المنزلية، أما الأم فتتولى الجانب الآخر من المسؤوليات التي تتلاءم مع دورها وطبيعتها وإمكاناتها، كرعاية الأبناء والقيام بالواجبات المنزلية. وهذا النوع فيه تكامل واتساق بين الأدوار والمهام.

الأسلوب التعسفي

     حيث يقوم أحد الأطراف بالسيطرة والتعسف في اتخاذ القرارات، ولا تخرج العلاقة داخل هذا المناخ الأسري عن كونها أوامر ونواه، وغالبا ما يمثلها الأب، وفي هذا المناخ تتسم العلاقات بالتفرقة والتباعد، ولا يستطيع أفراد الأسرة حل مشكلاتهم بمرونة وتشاور.

خطوات اتخاذ القرار

الخطوات المختصرة لعملية اتخاذ القرار هي: الخطوة الأولى تحديد المشكلة، ثم جمع بيانات وحقائق من المشكلة وبدائل الحلول، ثم اختيار الحل الأمثل، وأخيرًا تطبيق الحل ومتابعته.

الخطوات التفصيلية لاتخاذ القرار: الخطوة الأولى هي الوعي بوجود مشكلة، ثم تعريف المشكلة وحدودها، ثم البحث عن بدائل مختلفة للحل، ثم تقييم بدائل الحل، ثم اختيار أنسب بديل للحل، وأخيرًا تطبيق الحل ومتابعته.

 من تراجم النساء

 صاحبة الهجرتين وزوجة الشهيدين (أسماء بنت عميس)

      هي أسماء بنت عميس بن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة، وتكنى بأم عبدالله، وأمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث، وأختها لأبيها وأمها سلمى بنت عميس زوجة حمزة بن عبدالمطلب، وأخواتها لأمها أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث، وأم المؤمنين زينب بيت خزيمة.

إسلامها

أسلمت أسماء بنت عميس قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم، وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب، وكانت آنذاك عروسا جديدة، ولم تتردد بل تركت كل شيء وراءها، وصاحبت زوجها في هجرته من أجل التمسك بإسلامها والمساهمة في نشر الإسلام.

حياتها

     بدأت حياتها من جديد مع زوجها في الحبشة، وأنجبت له ثلاثة أولاد هم عبدالله، وعون، ومحمد، وعاشت في الحبشة 12 عاماً تنشر مع زوجها رسالة الإسلام، وفي ذلك الوقت هاجر الرسول -  صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، وبعد سبع سنوات من الهجرة رأى النبي -  صلى الله عليه وسلم - أنه آن الأوان ليعود المهاجرون من الحبشة إلى المدينة، فلم يتردد جعفر وأسماء في تلبية دعوة الرسول، وعادا إلى المدينة مع أبنائهم ليبدؤوا حياتهم من جديد في المدينة، ومن هنا جاء لقب أسماء بنت عميس ذات الهجرتين.

    بعد استشهاد جعفر بن أبي طالب في غزوة مؤتة، تزوجت أسماء من أبي بكر الصديق -  صلى الله عليه وسلم - بعد وفاة زوجته أم رومان، وأنجبت منه محمد، وظلت معه حتى أصبح خليفة للمسلمين. وكانت نِعْمَ الزوجة له، حتى أنه أوصى بأن تتولى هي غسله، وبالفعل نُفِّذت وصيته، وبعد انقضاء عدتها تزوجها علي بن أبي طالب -  صلى الله عليه وسلم - بعد وفاة السيدة فاطمة -رضي الله عنها- فأصبحت أسماء زوجة الأخوين (علي وجعفر رضي الله عنهما). ولما تولى علي بن أبي طالب -  صلى الله عليه وسلم - الخلافة أصبحت زوجة الخليفتين.

صبرها

     صبرت أسماء -رضي الله عنها- على قضاء الله بفقدان زوجها جعفر وأبي بكر وعلي -رضوان الله عليهم- ثم اختُبرت مرة أخرى نوعا أقسى من الفقد والحزن حين وقعت الفتنة الكبرى، وقُتِل فيها ابنها محمد بن أبي بكر، وكتمت أحزانها حتى شخب ثدياها دماً، واستعانت بالصلاة والصبر على مصيبتها.

روايتها للحديث

روت أسماء بنت عميس عن النبي -  صلى الله عليه وسلم - بعض الأحاديث، وروى عنها ابنها عبدالله بن جعفر وابن أختها عبدالله بن شداد وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والشعبي والقاسم بن محمد بن أبي بكر.

وفاتها

توفيت أسماء سنة 38 هـ، وقيل بعد سنة 60 هـ.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك