رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد عبدالوهاب الحداد 22 أغسطس، 2016 0 تعليق

استراتيجية التغيير الاقتصادي


حائط الصد أمام التغيير الاقتصادي هي المجموعة الاقتصادية المهيمنة التي تخشى تغيير هيكلية الملكية وبالتالي نشوء طبقة اقتصادية جديدة تحد من مكاسبها وتأثيرها ونفوذها السياسي

التغيير المطلوب هو وجود استراتيجية طويلة المدى تضمن لنا وجود دخل غير النفط واقتصاد إنتاجي متعدد الموارد

 

 

في بداية نشوء الرأسمالية مع (جون آدم سميث) التغيير الاقتصادي كان يفترض أن يحدث دون التدخل الحكومي؛ حيث عوامل العرض والطلب هي من تحفز التغيير الاقتصادي، ولكن مع استمرار الأزمات الاقتصادية دون أي تغيير اقتصادي نشأت النظرية الكينزية التي تدعو الحكومة لاستخدام أدواتها مثل الضرائب والسندات وغيرها لتحفيز التطور والتغيير الاقتصادي.

     وفي عهد (تاتشر) في الحكومة البريطانية وهي من حزب المحافظين قامت بتدخل حكومي كبير جدا لإعادة هيكلة الاقتصاد البريطاني بعد تدمير حزب العمال له، وتحويله إلى اقتصاد شبه اشتراكي؛ مما جعل الاقتصاد البريطاني يفقد بريقه، وينحدر انحدارا (دراماتيكياً) على المستوى العالمي، فجاءت بفكرة الخصخصة لإعادة بريق الرأسمالية للاقتصاد البريطاني ولإتاحة الفرصة للقطاع الخاص أن يأخذ دوره في تطوير الاقتصاد البريطاني، وهذا ماحدث وتبعتها بعد ذلك أغلب دول العالم المتطور.

الأزمة العالمية

     في الأزمة العالمية عام ٢٠٠٨ تدخلت الحكومة الأمريكية في الاقتصاد الأمريكي تدخلا كبيراً جدا، ورصدت في البداية ٧٠٠ مليار دولار لشراء أسهم الشركات الكبري خوفا من انهيارها، وألغت تقريبا الفائدة على القروض، وجعلتها ‏025% لتشجيع التطور الاقتصادي، ومازالت إلى يومنا هذا تتبع سياسة التيسير الكمي, وهو ضخ مئات المليارات من الدولارات من أجل شراء السندات التي تصدرها الحكومة الفدرالية لتشجيع المستثمرين على شرائها، أذاً تظل فائدتها لا تذكر، واتبعت بذلك حكومة اليابان في التيسير الكمي وضخ الأموال في الاقتصاد خوفا من حدوث الركود الاقتصادي ومن ثم الكساد.

سياسات مدروسة

     وطبعا سياسات التدخل الحكومية هذه مدروسة ووفق خطط واضحة ومؤسسات اقتصادية كبيرة تتابع تنفيذها، هذا في الاقتصاديات الكبرى في العالم ولكن على مستوى الاقتصاديات الناشئة مثل (ماليزيا) و(سنغافورة) و(نيوزلندا) و(أستراليا) و(الهند) و(كوريا) فقد نشأ علم استراتيجيات التغيير الاقتصادي والتنمية، وأول من اتبعتها بنجاح ماليزيا في استراتيجية ٢٠٢٠، وهي استراتيجية طويلة المدى لمدة ثلاثين سنة، نجحت نجاحا باهرا في تحويل ماليزيا من دولة ريعية تعتمد على بيع المواد الأولية إلى دولة صناعية متطورة ذات اقتصاد إنتاجي متنوع، وهكذا سنغافورة وكوريا والهند وسميت بدول النمور وأيضا نيوزلندا.

الحاجة إلى التغيير الاقتصادي

     وسبب هذه المقدمة الطويلة أننا بعد الأزمة النفطية الأخيرة وانخفاض أسعار النفط أصبحنا بأشد الحاجة إلى التغيير الاقتصادي، من الاعتماد على الدخل النفطي بطريقة شبه كاملة إلى بناء اقتصاد إنتاجي متعدد الموارد، وأحب أن أنوه إلى أن المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد وولي ولي العهد الأمير الشاب محمد بن سلمان الذي انتبه إلى استراتيجيات التغيير الاقتصادي، وقام بعمل استراتيجة المملكة للتغير الاقتصادي ٢٠٣٠؛ بحيث بانتهاء هذه الفترة تكون المملكة قد اصبحت دولة لا تعتمد على النفط في مواردها ودخلها، وتكون قد بنت اقتصاداً إنتاجياً على مستوى عال جدا، وأما في الكويت  فإننا بدلاً من البناء الاستراتيجي فإننا اتبعنا تغيير بعض السياسات الاقتصادية وتغيير بنود التكاليف، وزيادة بعض الرسوم هنا وهناك فيما سمي بالوثيقة الاقتصادية، وهذه وإن كانت لها تأثيرها فهو محدود لفترة زمنية قصيرة.

التغيير المطلوب

     والتغيير المطلوب هو من خلال استراتيجية طويلة المدى، تضمن لنا وجود دخل غير النفط، واقتصاداً إنتاجياً متعدد الموارد، وهذا بالطبع في إمكاناتنا لتوفر القاعدة المالية العريضة والعمالة الكويتية الاحترافية المهنية.

معوقات التغيير

     ولعل أكثر ما يقف حائط صد أمام أي تغيير اقتصادي هي المجموعة الاقتصادية المهيمنة الحالية؛ فهي تخشي أي تغيير اقتصادي يؤدي إلى تغيير هيكلية الملكية؛ وبالتالي نشوء طبقة اقتصادية جديدة تحد من مكاسبها المالية، وتحد من تأثيرها ونفوذها السياسي، وربما يكون الحل هو إشراكها في الاستراتيجية الجديدة، أو أن تتخذ القيادة السياسية قرارا حاسما في ذلك تغليبا لمصلحة الكويت الكبرى.

      والمعوق الآخر: هو أن الحكومة الحالية لا تضم قيادات اقتصادية لها رؤيتها وطموحها ومهنيتها للتغيير الاقتصادي، وتدعيم الحكومة بقيادات اقتصادية أصبح امرا مهما ولازما من أجل بناء استراتيجية للتغيير الاقتصادي.

     والمعوق الثالث: هو أن المؤسسات الاقتصادية الحالية بيروقراطية وذات فكر تنفيذي، ونحن بأشد الحاجة إلى إعادة هيكلتها وفق نظم إدارية واقتصادية حديثة جدا والأهم قيادات اقتصادية ذات مهنية واحتراف وطموح عال جدا.

     وأيضا لابد أن يقود التغيير شخصية اقتصادية من الأسرة الحاكمة ولكن ذات طموح ومهنية عالية وقريب من متخذ القرار، وله القدرة على المواجهة، ويمكن أيضا أن تكون مجموعة اقتصادية تقود هذا التغيير. وعموما التغييرات الاقتصادية الناجحة عالميا جميعها قادها رؤساء هذه الدول؛ ففي بريطانيا (مارجريت تاتشر) رئيسة الوزراء، وفي ماليزيا (مهاتير محمد) رئيس الوزراء، وفي سنغافورة أيضا رئيس الوزراء (لي كوان يو)، وله كتب رائعة في الإصلاح الاقتصادي وتطبيقاته على سنغافورة، وفي الإمارات الشيخ محمد بن راشد -رئيس الوزراء- قاد عملية تغيير اقتصادي كبيرة أنتجت مصادر بديلة للدخل لدولة الإمارات.

     والمقصود أن القيادة السياسية لابد لها من تبني هذه الإصلاحات والتغييرات وبدون أي مساومة سياسية؛ فدخول الإصلاح في الموازنات السياسة ومراعاة المصالح لأصحاب النفوذ بالطبع يفشل عملية التغيير الاقتصادي، ويؤدي إلى فقدان مصداقيتها، ولنا حديث آخر حول استراتيجيات التغيير الاقتصادي.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك