رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة - الفرقان: أحمد عبد الرحمن 10 يونيو، 2013 0 تعليق

استدعاء المقاتلين الطائفيين لن ينقذ الأنظمة المستبدة ونار الشوفينية ستحرق الجميع- الحروب الطائفية تحاصر بلدان المنطقة

 

إذا كان الغرب قد عمل بقوة لعقود طويلة في السعي للسيطرة على المنطقة، ونهب ثرواتها، والهيمنة على مقدراتها، ولم ينجح في تحقيق كامل أهدافه، رغم إنفاقه المليارات على سبل إخضاع المنطقة ووسائله، فإن انتشار النزعات الدينية، واشتعال الحروب الطائفية في المنطقة، وتصاعد النزعة الشوفينية في دول المنطقة، وتراجع الاعتزاز بالهوية الوطنية أو الدينية الشاملة لصالح نزعات فئوية، تسير في إطار تحقيق رغبات الغرب دون أن يحتاج للآلة العسكرية، أو إنفاق المليارات لكسر المنطقة وإخضاعها إخضاعاً تاماً.

ومن الضروري التأكيد على أن النزعة الطائفية هي التي تسود المنطقة العربية حاليًا، وتحول الصراعات في عدد من البلدان من صراعات سياسية ضد الديكتاتورية والقمع والفساد، إلى صراعات طائفية، والرهان على الطائفية بوصفها طوق نجاة لأنظمة شاخت في مواقعها، وفشلت في تحقيق الحد الأدنى من طموحات شعوبها، فلجأت إلى شبح الطائفية؛ لعلها تنقذها من مصير محتوم، وهو السقوط في ظل تحديها لإرادة شعوبها الراغبة في نفض غبار عصور الديكتاتورية والفساد.

مقاتلون طائفيون

     طوال تاريخ المنطقة التي شهدت عقودًا من التوتر لم تظهر الحرب الطائفية بهذا الشكل  المقيت  كما يحدث  حاليًا، فقد استدعت حاليًا إحدى الحكومات التي تواجه ثورة شعبية مقاتلين طائفيين قادمين من الهند وباكستان للدفاع عن هذا النظام المستبد؛ بحجة الذود عن مزارات ومقرات لها بعد ديني، رغم أن هذه المقرات ظلت طوال قرون طويلة آمنة لم يقترب أحد منها.

     بل إن هذا النظام سعى لتفجير الأحداث في بلد مجاور له، معروف بالموازييك العرقي والطائفي، لعل تفجير الأوضاع في هذا البلد يقنع الغرب بالتدخل لوقف محاولات إسقاطه، وممارسات ضغوط على المعارضة للقبول بتسوية تبقي النظام على سدة السلطة؛ خشية انتقال التطورات إلى بلد مجاور، يبذل الغرب جهدًا كبيرًا للمحافظة على استقراره الهش.

     الحقيقة أن المنطقة لم تعرف تاريخ الطائفية في العقود الماضية بمثل هذه الشراسة، إلا عندما انفجر غول الطائفية في عقد الهيمنة الأمريكية، وسعي واشنطن للرهان على المد الطائفي والحروب الدينية بوصفه حصان طروادة للسيطرة على المنطقة، معتبرة أن الرهان على الطائفية والنزعات العرقية يجعلها بمنأى عن المقاومة وتوحيد الصفوف للتصدي لهيمنتها على المنطقة.

هيبة الدولة

     والمشكلة الكبرى التي تنتج عندما تتنامى الحروب الطائفية والدينية في المنطقة، أنها تقضي على هيبة الدولة الوطنية، وتجعل ولاء المواطن لطائفته أو عشيرته، بل إنه يعد الحفاظ على مصالحها في مقدمة أولوياته بشكل يجعل نتائج أي صراع دموية وكارثية، بل إنه سيفتت الدولة الوطنية، ويحول المنطقة إلى دويلات صغيرة، بشكل يمنع وجود أي تجمعات إقليمية ذات ثقل تستطيع التصدي للمد الاستعماري، أو محاولات السطو على بلدان المنطقة.

     بل إن الحروب الطائفية تفتح الباب أمام اقتتال أبناء الوطن الواحد، وتكريس نوع من القتل على الهوية، فالمواطن قد يلجأ لقتل مواطن آخر دون وجود أي خلافات بينهما، إلا إذا كان اسمه أو زيه ينم عن انتمائه لطائفة بشكل يسدد رصاصة الرحمة على اللحمة الوطنية، وهذا ما يقود البلاد إلى الفوضى والتفكك، إلى كانتونات صغيرة متناحرة، أو قيام دويلات طائفية تبتعد بالمنطقة عن الأمن والاستقرار والطائفية على شاكلة حكم الطوائف في الأندلس.

     بل إن المخاطر تتصاعد إزاء هذا المنحى؛ فأي صراع ذي بعد طائفي أو ديني يصعب الوصول لتسوية له، بل على العكس إن إيجاد هذا الصراع بعدًا طائفيًا يوصد الأبواب أمام أي حل وسط؛ نتيجة تمسك كل طرف بما يعتقده مصلحة لطائفته، دون أن تبحث بشكل جدي عن مصالح الوطن العليا.

     بل إن الحروب الدينية تزرع الكراهية بين الشعوب، وتجعل محاولات الوصول لمصالحة أمراً شديد الصعوبة، فالهجمات وردود الفعل الانتقامية ومهاجمة المؤسسات الدينية يسبب جروح غائرة في القلوب، يصعب مع أي طبيب مهما كانت مهاراته أي يداوي هذه الجروح؛ بل إن هذه الحروب تجعل من مهمة الوصول إلى أسباب اشتعال هذه الفتنة أمراً شديد الصعوبة.

 المعركة الأخيرة

     الدكتور سيد حامد أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة القاهرة يرى أن الحروب الطائفية تشغل الأمة عن العدو الحقيقي، وهو في هذه الحالة إسرائيل، ويجعل بأس أبناء الأمة بينهم شديداً، ويقطع الطريق على أي تراحم؛ بل ويعرقل التكامل بين أبناء الأمة، ويفشل مساعيها للاستفادة من التنوع المذهبي والموازييك العرقي؛ لتنمية مواردها وتحقيق نجاحات في كل المجالات؛ بل إنه يفتح الباب أمام استنزاف مواردها.

     وتابع حامد «بل إن الحروب الطائفية تسمح لأعداء الأمة أن يجدوا موطئ قدم في بلادنا عبر التدخل لدعم طائفة دون أخرى، ليس حبًا في هذا ولا كراهية في الآخر؛ بل إنه يدعم طائفة حتى يضعف أخرى، ثم ينتهي إلى الطائفة التي خرجت من هذه المواجهة مثقلة بالجراح لينال منها.

     ويرى حامد أن الصراعات المشتعلة في منطقتنا العربية، وانتقال الصراع الطائفي من بلد لآخر، يؤكد أن الطغمة الطائفية تحارب معركتها الأخيرة، فهي تجيش كل وسائلها للدفاع عن بقائها، بل إنها تلعب بالنار، فحتى لو خرجت هذه الطائفة منتصرة فإنها ستدفع ثمنًا باهظًا للجرائم التي ارتكبتها بدوافع طائفية، بل إنها تحفر قبرها بيديها، فمن يراهنون على الطائفية لا يمكن أن يكسبوا معركة،  بل ستنحصر انتصاراتهم في جولة واحدة.

 أجندة طائفية

     ورغم ما يتردد عن رصد مليارات الدولارات لإبقاء الأوضاع على حالها، من حيث سيطرة أقلية طائفية، أو دينية، على الأوضاع في بلد ما، فإن هذا الأمر لن يتحقق، فالبلدان التي تحكم على أسس طائفية، أو تستخدم الطائفية لتمرير أجندتها لا يكتب لها النجاح، وتاريخ أمتنا يكشف عن ذلك، فهناك دول لم تستقر أوضاعها إلا عندما غربت شمس الطائفية، وولد من رحمها نظام وطني يتعامل مع جميع المواطنين بتساوٍ، ويقف على مسافة واحدة بينهم، فيما يرى من جانبنا تهاوي المد الطائفي، فمنذ عامين والاضطرابات تلف خاصرة الحكم الطائفي العلوي، وكذلك عصابات من حضروا على دبابات الأمريكان، فيما تنتفض الطوائف المهمشة ضد حكم الطوائف؛ بل ولا تقبل بأقل من سقوط مثل هذه الأنظمة العفنة.

     ولا يمكننا في هذا الصدد استبعاد كيف لعب التحزب والانقسام ومساعي كل طائفة لتعزيز نفوذها دورًا في تأجيج التوترات العرقية، ولنا في درس التاريخ عبرة، فالطائفيون دائمًا ما يستعينون بأعداء الأمة؛ للكيد لها، والنيل منها، ولنا في قضية اجتياح التتار للعالم الإسلامي عبرة، فالطائفيون هم من استدعوا هؤلاء للنيل من الأمة وغزوها، والسطو على مقدراتها، فهم في سعيهم للحفاظ على مصالحهم لا يلقون أي بال لمصالح الأمة، ولا لدماء شهدائها، ولا صرخات أطفالها؛ بل إن التاريخ أعاد نفسه خلال السنوات العشر الماضية؛ حيث سعى الطائفيون لتأييد الغزو الأمريكي لبلادهم، غاضين الطرف عن تداعيات هذا الأمر؛ حيث تسبب ذلك في مقتل ما يقرب من مليون مواطن في إطار مساعدة الغازي على احتلال الأرض.

     والثابت أن نار الحروب الطائفية المشتعلة حاليًا في المنطقة لن تتوقف أثارها على الدول المنغمسة فيها؛ بل إن نارها ستلهب ظهور كل من شارك فيها بشكل مباشر أو غير مباشر، فمن يظنون أن الحروب الدينية والطائفية بعيدة عنهم حاليًا، لا يدركون أن التغييرات الاستراتيجية التي عصفت بعدد من أنظمة المنطقة التي ظنت أنها بعيدة عن أي مساءلة فإذا بأنظمتها تتهاوى على وقع غضب شعبي سلمي، لذا فمصير هذه الأنظمة ليس ببعيد عن أنظمة تستغل ما لديها من أموال للحفاظ على حلفائها، حتى لو أزهقت مئات الآلاف من الأرواح، فهذه الأنظمة ستجني ثمار رغبة حالية، ولاسيما أن سقوط النظام العلوي سيتبعه سقوط نظام طائفي مجاور في بلد النهرين؛ بل ولن تسمح القوى الدولية والإقليمية لهم بتكرار نفس السيناريو في بلد الأرز.

 طوق النجاة

     وحول المسؤول عن انتشار هذا المد الطائفي، يرى الدكتور رضا أحمد الدبلوماسي والمحلل السياسي المصري أن القمع الذي ساد المنطقة طوال الخمسين عامًا الماضية، وسيطرة الدولة البوليسية، والتدخل الخارجي، هو المسؤول عن هذا المد الطائفي، واشتعال الصراعات الدينية في المنطقة؛ بل إن النزعة الديكتاتورية لدى الأنظمة ورغبتها العارمة في البقاء هي من حولت مطالب إصلاحية إلى ثورات، ومسعى لنيل الحرية لحروب طائفية ودينية، لعلها توفر طوق النجاة لهذه الأنظمة.

     ويؤكد رضا أن الأزمات التي عاناها الإعلام والتعليم وتقلص دور المؤسسات الدينية قد لعب الدور الأهم في إزكاء النعرات الطائفية، في وقت لم تقم الدولة العربية الرسمية بتكريس قيم المواطنة؛ بل إن الديكتاتورية أسست سيطرة الأقلية في عدد من الدول، مما أفقد قطاع عريض من المواطنين للانتماء.

     يرى الدبلوماسي المصري أن إصلاح هذه المؤسسات مع تسريع وتيرة الإصلاحات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، قد تؤدي إلى حصار هذه النعرات، فضلاً عن ضرورة قيام المؤسسات الدينية بواجباتها، انطلاقًا من مصير واحد لأمة واحدة، لا يقرها الأهواء والنعرات.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك