رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. سعد الله المحمدي 8 مايو، 2017 0 تعليق

استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في خدمة السنة النبوية بين الإيجابيات والسلبيات

 

 

تشيرُ الدراساتُ الميدانيّةُ إلى أنّ الإنسانَ المعاصر يقضي حوالي 90% منْ وقته معَ الأجهزة الإلكترونيّة عموما، وعلى رأسها وسائلِ التّواصلِ الاجْتماعيّ التّي أصبحتْ جزءا من الروتينِ اليَومي لملايينِ المستخدمينَ في العَالمِ، وتُعد من أهمّ منجزات الثورة الإلكترونية في القرن الواحد والعشرين.

وتقولُ دراساتٌ أخرى: إنه لن يكونَ هناكَ في المستقبل أيّ نشاطٍ غير رقمي من الكُتبِ والصّحفِ وغيرها، وأنّ 80% من الجامعاتِ الأمريكيّةِ لن تكونَ بها دروس تقليدية بحلول عام 2020 في إشارةٍ إلى سرعة التحوّل الرّقمي بالعالمِ، والاستغناء عن الورق في الاستخدامات اليوميّة.

     وتظهر نتائج البورصة المالية أنّ أسهم شبكات التّواصل الاجتماعي في صعودٍ شبه مستمّر، وأنّ ميزانياتها تفوق ميزانيات كثير من الدول حول العالم؛ نظرا لما تتيح من مميزاتٍ كثيرة ومتنوّعة تمكّن المستخدم من التواصل مع العالم بيسرٍ وسهولةٍ وفي أي لحظةٍ ودون رقابة أوتكلفة مالية كبيرة، كما أنها جعلت من العالم قرية صغيرة جدا لاتباعُد بين أقطارها، يتواصلُ فيها البشر فيما بينهم، في كلّ أنماط التواصل البشري من التعليم والتّسويقِ وتبادُلِ المعلومات والخبرات ومعرفة الأسعار ومتابعة الأسفار، والأحداث والأخبار أولا بأوّل، وتكوين مجموعاتٍ ونقاباتٍ واتحاداتٍ، وعمل دعايات وحملات قوية ومؤثرة.

وقد أصْبحت هذه المواقع مكان وجود الشباب والفتيات على وجه الخصوص، والمحاضن الأكثر حضورا لهم والملاذ الآمن بالنسبة إليهم؛ حيث يقضون الساعات الطوال وأغلى الأوقات معها محركين أصابعهم على الشاشة، ومنهمكين معها لدرجة الغياب عن العالم الخارجي، فتؤثّر على بناء شخصيتهم وتوجّهاتهم وأفكارهم.

     ولاشكّ أن السّنّة النّبَوِيّة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم، هي الأصلُ الثاني من أصول التشريع الإسلامي، كما أنّ خدمتها ونشرها بين المسلمين من أفضل الأعمال وأجلّ القُرُبات عند الله -تعالى- ويمكنُ الاستفادة من منصات التواصل الاجتماعي في خدمة السنّة ونشرها بين الناس والذبّ عن جنابها، وأحاولُ في هذا المقالِ أن أشيرَ إلى أبرز إيجابياتِ استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في مجال السنّةِ النّبَويّةِ وسلبياته.

أبرز الإيجابيات

أولا: أَبْرَزُ الإيْجَابِيّاتِ لاسْتِخْدَامِ وَسَــائـِلِ التّــوَاصُلِ فِي مجَالِ السّنّةِ النّبَوِيّةِ:

1-وسيلة اتصالٍ سريعةٍ لنشر سنّة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، والفوائدِ المستنبطة منْها بين الناس في مختلف دُولهم ومناطقهم، وإمكانيّة إيصالها إليهم في مكاتبهم وأماكن وجودهم وحلّهم وترحالهم، وحتى غُرف نومهم وضِمْن ألعاب أطفالهم.

2-إمكانية عمل صفوف إلكترونية تفاعلية للدروس الحديثية عن طريق البثّ المباشر؛ حيث تسهّل هذه التقنية التواصل المباشر بين الطلاب والمشايخ عبر الإنترنت مباشرة وبجودة البيئة الحقيقية للدرس، باستخدام تقنيات المحادثة الصوتية، والتخاطب الكتابي، والرموز المعبرة، وعمل اختبارات شفهية، وغيرها.

3-إمكانية التواصل بين المهتمين بالحديث الشريف من مختلف دول العالم في المراجعات والمناقشات الخاصة بالحديث الشريف وكتبه وشروحه وغيرها.

4-استمرار التواصل والتفاعل والمشاركة مع الآخرين على مدار الساعة ودون انقطاع، بالتعرّف مثلا على المحاضرات والدروس والأنشطة والفعاليات الخاصة بالسنة النبوية، وتبادل وجهات النظر في كثير من الأمور حول السنّة النبوية ونشرها.

5-مصدر ممتاز لطلاب الحديث الشريف في إعداد الأبحاث والدراسات، وطلب المخطوطات والاطلاع على النسخ القديمة للمؤلفات؛ حيث توجد مواقع كثيرة عربية وأجنبية توفّر المخطوطات على وسائل التواصل الاجتماعي، ومنها (التويتر والفيس بوك).

6- الحصول على الإجازات الحديثية عبر غرف التعليم الخاصة والبث المباشر، فكم رأينا من طلبة علم في دول الخليج يقرؤون على مشايخ الحديث الشريف في دول أخرى، ويحصلون منهم على إجازات وأسانيد في رواية الحديث الشريف حرصًا على حصول أقرب سند متصل بصاحب الكتاب.

7-بوابة مهمة من أبواب الدعوة إلى الله ونشر السنة المطَهرة بين الناس دون تكلفة مادية أو جهد كبير، وفرصة للحصول على الأجور العظيمة التي حثّ عليها النّبي صلى الله عليه وسلم  في قوله: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدىً كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئاً». صحيح الترمذي: 2674.

8-دورها الكبير في الدفاع عن السنة النبوية بمختلف الأساليب وطرائق التفاعل المتنوعة، ووضع (هاشتاقات) مناسبة.

9-سهولة الوصول إلى المتطوعين الذين يريدون التطوع لخدمة السنة بوقتهم وجهدهم ومالهم وكفاءتهم وخبرتهم وعمل مجموعات خاصة لهم.

10-تسجيل الدروس وأرشفة المادة إلكترونيا وبطريقة مرتّبة؛ حيث يمكن مشاهدتها أو الاستماع إليها عند الحاجة، وهذه الأرشفة الإلكترونية تحفظ المادة من الضياع من جانب، وتتيحُها لأكبر عدد من المستخدمين في أنحاء المعمورة من جانب آخر.

11-تقريب العلماء والمحدثين وأهل الاختصاص من عامّة الناس ومحبّيهم الذين ينتظرون فتاواهم وآراءهم وبحوثهم ومقالاتهم وغير ذلك من الأمور التي تزيد من شعبيتهم بين الناس، وتزيل الحواجز بينهم وبين الآخرين.

12-منبر جميل جدا لمن يعجز لظروفه الاقتصادية عن طباعة كتاب، أومقال، أونشر تحقيق لمخطوطة، أو دراسةٍ لكتاب؛ حيث يمكنه نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي وبالمجان وبالنهج الذي يرغب فيه.

13-مكان مناسب لإيجاد فرص التوظيف لحديثي التخرج من أقسام الحديث الشريف بالجامعات بوضع سيرهم الذاتية للحصول على عمل يناسب تخصصاتهم، ومن أهم هذه المواقع موقع (لينكدن).

14- المشاركة في التحضير للاجتماعات والمؤتمرات العالمية الخاصة بخدمة السّنّةِ النّبَوِيّةِ؛ حيث يمكن للمشاركين والمؤتمرين تقديم أوراقهم وأعمالهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى المشاركة في هذه المؤتمرات عن طريق برامج (الفايبر) و(السكايب) وغيرهما.

15-تقليل التكاليف المادية؛ إذ يمكن الوصول إلى المعلومة الحديثية مثلا، أو الحصول على كتاب في الحديث الشريف بصيغة (Pdf) من الشبكة ومشاركته عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون مقابل.

16-إقبال الناس على المواقع الدينية، وحرصهم على التعرف إلى الإسلام وأخلاقه العظيمة بعد الهجمات الشرسة عليه؛ حيث تشير الإحصائيات إلى أن المساحات المخصصة للأمور الدينية على الإنترنت تفوق ما هو مخصص لغيره، كالهندسة والرياضيات.

17-وسيلة ناجحة وفعالة للحوار الناجح والمباشر بين أصحاب الحديث وغيرهم، في المسائل الخلافية وجها لوجه.

أبرز السلبيات

ثانيا: أَبْرَزُ السّلْبِيّاتِ لاسْتِخْدامِ وَسَــائـِلِ التّــوَاصُلِ الاجْتِمَاعيّ فِي مجَالِ السّنّةِ النّبَوِيّةِ:

1-انتشار الأحاديث الضعيفة والقصص الواهية المنسوبة ظُلمًا إلى الحديث النّبوي، ومعظمُها مما قلّ عمله وكثر أجره، قال الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله-: «من المصائب العظمى التي نزلتْ بالمسلمين منذ العصور الأولى انتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة بينهم، وقد أدّى انتشارها إلى مفاسد كثيرة منها ما هو من الأمور الاعتقادية الغيبية ومنها ما هو من الأمور التشريعية». السلسلة الضعيفة والموضوعة، للألباني، ج 1 ص: 476.

2-استخدام بعضهم للنصوص الحديثية في غير محلّها للنيل من الطرف الآخر والتقليل منه خلال النقاشات العقيمة التي تكثر بين المنتسبين للعلم مع الأسف.

3-استدلالُ الجماعات التكفيرية بظواهر بعض النّصوص في ظاهرة غسيل مخّ الشباب البسطاء، ودعوتهم للانضمام إلى صفوفها نتيجة عدم تحصينهم بالعلم الشرعي، وافتقارهم إلى النضوج في العقل والتفكير.

4-غلبة جانب البطالة والكسل على بعض طلاب العلم؛ حيث يلاحظ غيابهم عن التواصل الحسّي مع المشايخ والحضور إلى الدروس العلمية مع قدرتهم على ذلك، الاكتفاء بالاستماع إليها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

5-عدم مراعاة أساليب البحث وأدب الحوار والنقاش وآداب التخاطب على هذه المنصات التفاعلية؛ حيث إن معظم  الردود تكون سريعة وانفعالية لاتتمّ عن علمٍ وخبرة بل عن طيش وغضب، وانتصار للذات والرأي لابحثا عن الحق والخير.

6-فرصة لتسعير نيران الحروب والردود بين العلماء؛ حيث يقوم بعض طلبة العلم -مع الأسف- بتقطيع مقاطع من كلام المشايخ، ثم يعرضونها على مشايخ آخرين للرد عليها، دون مراعاة لأدب الخلاف، أو الإنصاف والرحمة على المخالف.

7-تصديق بعض الناس لكلّ ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي من الشائعات والدعايات دون تثبت وتأن ودراسة فيكون عرضة للكذب وجمع الغث والثمين، وقد حذر الشارع أشد التحذير من نقل الشخص لكل ما يسمعه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال : «كفى بالمرءِ إثما أنْ يحدّث بكلّ ما سمع» السلسلة الصحيحة: 2025.

8-الاطلاع على المواد المثيرة للفتنة والمشككة في الحقائق الثابتة التي تؤدي إلى خلق نوع من القلق لدى المسلم العادي إن لم يتحصّن بالعقيدة الصحيحة والعلم الشرعي المستمد من الكتاب والسنة.

9-انتشار الأسماء والألقاب الوهمية في المواقع؛ فربما تستّر صاحب المشاركة تحت عباية امرأة، وربما تقمّصت المرأة ثوب رجل، وربما يتطاول شخص سليط اللسان على الحديث والمحدثين وأهل العلم، يظنّه المتابعون شخصية كبيرة وهو في حقيقته طالب علم مبتدئ.

10-كثرة الإطراء والمديح القاتل للناس في هذه الوسائل فربما عمل أحدهم عملا بسيطا وتنهال عليه رسائل الثناء والمدح والإطراء التي ورد منها المنع في الحديث الشريف، فعَنْ أَبِى مُوسَى رضي الله عنه قَالَ سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي الْمِدْحَةِ فَقَالَ: «لَقَدْ أَهْلَكْتُمْ أَوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ» صحيح البخاري: 5720.

11-إدمان طلاب العلم على وسائل التواصل الاجتماعي بحجة الاستفادة منها بإفراط ودون رعاية أومتابعة من ذويهم لساعات طويلة؛ إذ ينعكس سلبا على حياتهم وصحتهم وعلاقاتهم الاجتماعية وحبهم للعزلة والانطواء وعدم القدرة على تكوين علاقات تواصل حقيقية مع الآخرين والتأثير فيهم.

12-من أهمّ السلبيات لاستخدام التواصل الاجتماعي في مجال السّنّةِ النّبَوِيّةِ هو الفتور الكبير في مراجعة كتب الحديث والرجال؛ فبمجرد حاجة الباحث للتأكد من الراوي أومن درجة الحديث يبحثُ في هذه الوسائل بدلا عن البحث في الكتب أو سؤال أهل الاختصاص.

13-تجنيدُ أهل البدع لآلاف الحسابات بأسماء وهميّة للنّيل من السنة النبوية وأهلها وحاملي لوائها.

14- الوقوع في الغيبة أو النميمة بالتحدث عن الآخرين دون علمهم، وهذا منهي عنه في الحديث الذي رواه أبو هريرة]، قال: قال رسول الله[: «أتدرون ما الغيبة؟»، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «ذكرك أخاك بما يكره», قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول, فقد اغتَبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهّته» صحيح مسلم: 2589.

15-عدم مراعاة احترام الزمان وقدسيّة المكان من المساجد ودور العبادة عند استخدام هذه الوسائل، وكذلك ضياع الوقت والعمر مع هذه الوسائل دون نظام أو ترتيب خاص، أو مراعاة للوقت الذي هو نعمة عظيمة؛ حيث يقول النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» فتح الباري:11/230.

16-استخدام هذه الوسائل خلال قيادة السيارة، وهو أمر خطير يعرّض صاحبه للخطر وحتى الموت أو العاهة وغيرها.

17- شدة انشغال الناس بهذه الوسائل في المجالس والمحافل عن الحاضرين، الأمر الذي ينافي أدب المجالسة.

شمعة أخيرة

شكرا من القلب لجائزة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز الراجحي للسنة النبوية وعلومها بمملكة البحرين، التي شمرت لإحياء السنة النبوية والذب عنها وخدمتها والعناية بها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك