ارتفاع حدة التوتر في بنجلاديش بعد حظر حزب الجماعة الإسلامية
ألغت المحكمة العليا في بنجلاديش في حكم صدر مؤخرا تسجيل الجماعة الإسلامية، الحزب الإسلامي الرئيس في بنجلاديش، بوصفه حزبا سياسيا لدى المفوضية العامة للانتخابات، وبهذا الحكم يعد الحزب الإسلامي الرئيس في بنجلادش حزبا غير دستوري، ومُنع من خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة المزمع إجراؤها في يناير المقبل.
ويرى العلمانيون ومن معهم من اليساريين والشيوعيين في بنجلاديش أن المحاكمات الجارية في المحكمة الدولية لجرائم الحرب في بنجلاديش (ICT) لعدد من الشخصيات وزعماء المعارضة بتهم ارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية أثناء الحرب -رغم أن جميعهم أنكروا التهم الموجهة إليهم ونفوها نفيا قطعيا- هي بمثابة بلسم للجروح التي يرون أنهم أصيبوا بها في حرب الاستقلال الذي دامت 9 أشهر ضد باكستان في عام 1971 ويتردد أن ثلاثة ملايين شخص قد لقوا مصرعهم فيها. إلا أن تلك المحاكمات -وعلى ما يبدو الآن - ستجر البلاد إلى المزيد من التوترات السياسية في دولة يصارع من أجل هويتها الدينية منذ عقود.
وقد قُتل أكثر من 100 شخص في احتجاجات دموية عنيفة منذ يناير الماضي عندما بدأت المحكمة التي تأسست في عام 2010 في ظل حكومة رئيسة الوزراء الحالية الشيخة حسينة، في إصدار الأحكام، ومن بين المحكومين الذين صدرت بحقهم أحكام بالإعدام شخصيات إسلامية بارزة من حزب الجماعة الإسلامية أكبر حزب إسلامي في الدولة، وهذا الحزب عارض استقلال بنجلادش عن باكستان خلال الحرب، لكنه نفى اتهامات بأن بعض قادتها ارتكبوا جرائم القتل والاغتصاب والتعذيب أثناء الحرب جملة وتفصيلا. وحتى الآن، فقد أدين ستة من قادة الحزب الكبار وعلى رأسهم الأمين العام للجماعة الإسلامية بتهمة ارتكاب جرائم حرب. وقد حُكم على أربعة منهم بالإعدام.
المنع من المشاركة في الانتخابات:
تلقى الحزب الإسلامي الرئيس في بنجلاديش مؤخرا ضربة موجعة أخرى، يعتقد الخبراء بأنها قد تزيد من حدة التوتر بين الجماعات العلمانية والأحزاب ذات التوجه الديني في البلاد. ففي الأول من أغسطس، حكمت المحكمة العليا في داكا بإلغاء قانونية تسجيل الجماعة الإسلامية بوصفها حزباً سياسياً لدى المفوضية العامة للانتخابات بعد صراع قانوني طويل
وقد ادعى الملتمسون الذين رفعوا القضية في المحكمة العليا أن اللائحة الداخلية للجماعة الإسلامية تتعارض وتتناقض مع مبادئ الدستور العلماني للبلاد؛ حيث إنها تدعو إلى إقامة حكم الله في الأرض، واحتوت لوائح تدعو إلى انتهاج سياسة التمييز ضد الأقليات والنساء. ونتيجة لذلك، أصدر القضاة ومعظمهم محسوبون على الحزب الحاكم ومن الموالين له حكما بمنع الحزب الإسلامي الرئيس من المشاركة في الانتخابات العامة المقبلة المزمع إجراؤها في يناير كانون الثاني.
نحن مصدومون
حوالي 90 في المئة من سكان بنجلادش البالغ عددهم 160 مليون نسمة مسلمون، وعلى الرغم من أن التعديل الذي أجري على الدستور عام 1988 جعل الإسلام دين الدولة الرسمي، فإن استخدام الدين في السياسة لا يزال ممنوعا.
وبعد صدور حكم الإلغاء من المحكمة العليا بدقائق قدمت الجماعة الإسلامية البنجلاديشية الحليف والشريك الرئيس لحزب بنجلادش الوطني (BNP)، الحزب المعارض الرئيس في البلاد استئنافا للمحكمة العليا، ودعت إلى إضراب عام لـ 48 ساعة متواصلة في جميع أنحاء الدولة يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين احتجاجا على الحكم الصادر من المحكمة العليا، وقد وجهت الجماعة الإسلامية انتقادًا لاذعا لحكومة حزب «عوامي ليغ» الحاكمة؛ حيث وصفتها بأنها خطوة سياسية من جانب الحكومة العلمانية الحاكمة.
وقال القيادي البارز في الجماعة الإسلامية الدكتور عبد الله محمد طاهر -في حديثه لوكالة أنباء فرانس برس-: إن المحكمة العليا في بنجلاديش انحنت لضغوط مورست عليها من حكومة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة العلمانية، مضيفا بأننا «مصدومون»، ومشيرا إلى أن الحكم انعكست فيه الإرادة الحكومة، متهما الحكومة باضطهاد الحزب قبل الانتخابات.
حكم قضائي بنكهة سياسية
من جهته يقول الأستاذ علي رياض، -الخبير في شؤون آسيا الجنوبية وأستاذ في جامعة ولاية إلينوي الأمريكية-: إنه لا يستبعد احتمال وجود صلة سياسية بالحكم الذي صدر، معللا ذلك بأن توقيت جلسة الاستماع لهذه القضية جاء بعد أكثر من أربع سنوات على رفع القضية في المحكمة، وهو ما يدل بوضوح على أن هذا الحكم له نكهة سياسية، فضلا عن سرعة المحكمة في إصدار الحكم، ما جعل الكثيرين ينظرون إليها على أنها جاءت في الوقت الذي كانت الحكومة العلمانية في أمسّ الحاجة إلى حكم من هذا القبيل، يلبي رغباتها «الانتخابية» وإن لم يكن قد صدر بتدخل مباشر منهم، لافتا إلى أنه ليس من المعقول أن لا نفترض بأن البيئة السياسية الحالية، -ولاسيما مطالبة شريحة من المجتمع المنتمين إلى الأحزاب العلمانية واليسارية والشيوعية بفرض حظر على الجماعة الإسلامية- أدت دورا كبيرا في إصدار الحكم».
وأضاف الأستاذ علي رياض أيضا إن الحكم الذي صدر بحق الجماعة الإسلاميةقد يساعد الحزب الحاكم على استعادة بعض شعبيتها التي كانت قد فقدتها بين الناخبين العلمانيين؛ نتيجة استيائهم من أداء الحكومة، وتفشي الفساد تفشيا رهيبا في جميع الإدارات الحكومية. فضلا عن السجل السيئ للحكومة في إدارة البلاد، والفساد المستشري والإدراك المتزايد من قطاع عريض من الشعب بأن الممارسات الديمقراطية أصبحت محدودة، سيضع الحزب الحاكم أمام تحدٍ خطير في الانتخابات البرلمانية المقبلة، ونتيجة لتعامل الحكومة القاسي مع الجماعة الإسلامية فإن عددا كبيرا من الناخبين الذين لا ينتمون إلى أي من الأحزاب السياسية في الدولة قد يذهبون مع الحزب المعارض الرئيسي في البلاد في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
لعبة محصلتها صفر
ويشاطر هذا الرأي السفير الأمريكي السابق في بنجلاديش والباحث البارز في مركز (وودرو ويلسون) السيد (وليام ميلام)؛ حيث قال: إن الرسالة التي أرى في هذا الحكم هو أن المحكمة العليا في بنجلاديش مسيسة تماما، وأحكامها يجب أن ننظر إليها بكثير من الحذر والشك.
ويعتقد (ميلام) أن هناك سببا سياسيا واحدا رئيسا وراء الحظر، وهو الفوز في الانتخابات البرلمانية المقبلة؛ حيث يقول الخبراء: إن «الشعور باليأس والإحباط» ينتاب قادة جميع الاحزاب السياسية التي تدير الحكومة في بنغلاديش؛ حيث لا يتمنى أي زعيم حزب سياسي أن ينهزم في الانتخابات القادمة. وفي بنغلاديش يرى قادة الأحزاب السياسية بأن الهزيمة في الانتخابات البرلمانية يعني الموت، ولهذا يعتقد زعماء حزب رابطة عوامي حاليا بأنهم ربما يعرضون لهزيمة ثقيلة في الانتخابات المقرر عقدها في نهاية هذا العام، ما يعني أنهم أمام تجربة الموت المؤكد.
ويعتقد السفير الأمريكي السابق إلى بنجلاديش (وليام ميلام) أن هذا الشعور يرجع إلى حقيقة أنه في عملية الديمقراطية الرسمية التي تطورت في بنغلاديش منذ عام 1991، فإن الحزب الحاكم دائما ما يخسر في الانتخابات المقبلة، والفائز دائما ما يسلط سيفه على رقبة الخاسر، وفي الحقيقة، فإن هذه الثقافة السياسية وهذه اللعبة محصلتها صفر.
المحكمة العليا ليس لديها أي خيار آخر
بيد أن السيد (بهاسكار روي)، -المحلل السياسي في مركز مجموعة جنوب آسيا للبحوث الذي يتخذ من الهند مقرا له- يختلف مع هذا الرأي؛ حيث يرفض هذا الخبير فكرة أن تكون هناك دوافع سياسية وراء قرار المحكمة العليا، مضيفا بأن الحزب الحاكم لن يستفيد من هذا الحكم بقدر ما يروج له، وإذا نظرنا إلى نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة فإننا نجد أن الجماعة الإسلامية فازت بمقعدين فقط من أصل 300 مقعد، وأكثر مقاعد حصلت عليها الجماعة الإسلامية كانت في الانتخابات البرلمانية التي أجريت عام 2001 عندما فاز الحزب بـ18 مقعدا 18، مضيفا في الوقت نفسه بأن الجماعة الإسلاميةليست خطرا على الشيخة حسينة فقط، وإنما على الدولة وعلى استقرارها، وعلى توجهها العلماني.
ويختلف الخبراء السياسيون حول ما إذا كان يتوجب على الحزب الحاكم بقيادة الشيخة حسينة الاستفادة من الحظر المفروض على الجماعة الإسلامية أم لا؟
وأضاف الخبير الهندي أيضا: إن المحكمة العليا لم يكن لديها أيّ خيار آخر سوى حظر الحزب الإسلامي من المشاركة في الانتخابات، لأن اللائحة الداخلية للجماعة الإسلامية تتعارض وتتناقض مع دستور البلاد العلماني، ورغم أن المفوضية العامة للانتخابات طلبت رسميا من الجماعة الإسلاميةمرارا تعديل لائحته الداخلية بما يتماشى مع دستور البلاد، إلا أن الحزب رفض ذلك.
ويختلف الخبراء أيضا على دور المحكمة الجنائية الدولية وأحكامها على الوضع السياسي في بنجلاديش. ويقول (روي) -أيضا- إن تأسيس المحكمة الجنائية الدولية لجرائم الحرب في بنجلاديش كانت ضرورية جدا لتسوية مسألة الاستقلال وإنهائها، بينما يعتقد الخبير علي رياض بأن ما قامت به الحكومة خلال العام الماضي كان كله مبني على «حسابات سياسية داهية» بدلا من التركيز على توجهها العلماني. وأبدى نقاد آخرون مخاوفهم بشأن ما إذا كان هناك ما يكفي من الأدلة لا سيما بعد مرور 40 عاما على الحرب لضمان محاكمات عادلة.
مستقبل أسود قاتم
رغم اختلافاتهم إلا أن الخبراء السياسيين سوف يتفقون على نقطة واحدة، وهي أنه من المرجح أن تشهد بنجلاديش في الأيام والشهور المقبلة احتجاجات دموية عنيفة في الشوارع، ولا سيما بعد أن تبدأ المحكمة الجنائية الدولية لجرائم الحرب في إصدار أحكامها المتبقية ضد زعماء الجماعة الإسلامية والحزب الوطني بتهم ارتكابهم جرائم حرب، وعلاوة على ذلك فإن المحكمة العليا البنجلاديشية قسم الاستئناف سوف تصدر حكمها على الطعن المقدم من الجماعة الإسلاميةفي غضون الأشهر المقبلة، حول ما إذا كان الحكم الصادر من المحكمة العليا سيكون ساري المفعول أم لا؟ إن الجماعة الإسلامية ليس لديها الأساس القانوني للتقاضي والاحتجاج على فرض الحظر، ولكنه سيحاول خلق حالة من الفوضى الاجتماعية قدر الإمكان.
ويشير الخبير علي رياض إلى أن حجم العنف ودرجته لن تعتمد فقط على الجماعة الإسلامية وحلفائها، ولكنها ستعتمد أيضا على ردة فعل الحكومة وانفعالاتها، ومن غير المحتمل أن تشهد بنجلاديش احتجاجات شبيهة بتلك التي تجري في مصر حاليا بعد عزل الرئيس محمد مرسي، وملخص القول: إن المستقبل السياسي للبلاد في الأشهر المقبلة يبدو كأنه اسود قاتم.
لاتوجد تعليقات