رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: رائد الحزيمي 12 نوفمبر، 2018 0 تعليق

«احفظ الله يحفظك» منهج السلف في التعامل مع ولي الأمر

جاء في مسند الإمام أحمد وعند البخاري في الكبير والسلسلة الصحيحة، قال -عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ أَكْرَمَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا، أَكْرَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ، أَهَانَهُ اللَّهُ» سلطان الله، هو: ولي الأمر، لا يُهان، فقال -عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ أَكْرَمَ سُلْطَانَ اللَّهِ، أَكْرَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ، أَهَانَهُ اللَّهُ»؛ قال سهل التستري، -رحمه الله-: «لا يزال الناس بخيرٍ ما عظَّموا السلطان والعلماء»، وقال ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: «إذا سقطت هيبة السلطان فَسدَت البُلدان، وحلَّت الفوضى والفتنة والشر والفساد»، وقال العلامة علي القاري صاحب المرقاة، قال: «من أهان سلطان الله في الأرض -أي: أذل حاكمًا بأن آذاه أو عصاه- أهانه الله» هكذا يُفسِّر حديث النبي -عليه الصلاة والسلام-.

 

     وحذيفة بن اليمان -رضي الله عنه - يقول مًحذرًا من احتقار ولي الأمر أو التقليل من شأنه: «ما مشى قومٌ شبرًا إلى السلطان؛ ليذلوه إلا أذلهم الله»، فعدم إهانته جاءت هذه الرواية عند الترمذي وفي مسند الإمام أحمد عن زياد بن كُسيب العدوي قال: «كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر -أحد ولاة بني أمية- وهو يخطب وعليه ثياب رقاق -أي: ليست من الثياب التي مدحها النبي- فقال أبو بلال -وهو: مرداش بن أودية أحد الخوارج-: انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفُّسَّاق، فقال أبو بكرة: اسكت، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من أكرم سلطان الله -تبارك وتعالى- في الدنيا أكرمه الله يوم القيامة، ومن أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله».

حفظ الأمن

     هيبة ولي الأمر فيها حفظ الأمن، قال الطرطوشي في ذلك مستشهدًا بقول الله -عزوجل-، قال الله: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ} {البقرة:251)، يعني: لولا أن الله -تعالى- أقام السلطان في الأرض يدفع القوي عن الضعيف، أي: ذلك السلطان بقوته يدفع القوي من الناس عن الضعيف من الناس ويُنصف المظلوم من الظالم لأهلك القوي الضعيف، وتواثب الخلق بعضهم إلى بعضٍ فلا ينتظم لهم حال، ولا يستقر لهم قرار، فتفُسد الأرض ومن عليها»، وقال ابن جماعة الشافعي: «جور السلطان أربعين سنة خيرٌ من رعيةٍ مهملة ساعةٌ واحدة». أربعين سنة ظالمٌ يتسلط على رقاب الناس أفضل من ساعة فوضى لا سلطان لهم».

     ويُعلِّق الحافظ ابن كثير -رحمه الله- على حديث: «إن الله لَيَزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن» وهذا قولٌ لعثمان وليس بحديثٍ؛ لأنه موقوف على عثمان بن عفان، يقول ابن كثير: «أي: ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام ما لا يمتنع كثيرٌ من الناس بالقرآن وما فيه من الوعيد الأكيد والتهديد الشديد».

     الإمام الشوكاني يقول: «إمساك أهل الجسارة -الذي يتعدى على الناس- عمَّا يريدونه من الفساد في الأرض بهيبة السلطان ومخافة الإيقاع بهم؛ فإن كثيرًا بل الأكثر لولا مخافة السلطان لكان له من الأفاعيل ما لم يكن في حسبان».

     ورحم الله الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز الذي قال: «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» وهي مقولة كما بينت قبل ذلك لعثمان بن عفان -رضي الله عنهم أجمعين.   قال ابن عثيمين: «كما أن ولاة الأمر من الأمراء والسلاطين يجب احترامهم وتوقيرهم؛ لأنهم إذا احتُقِرُوا أمام الناس وأُذِلوا وهُوِّن أمرهم ضاع الأمن، وصارت البلاد فوضى، ولم يكن للسلطان قوة ولا نفوذ».

حفظ النظام

     وفي هيبة السلطان وولي الأمر حفظ النظام: «من أمن العقوبة أساء الأدب» قاعدة تنطبق على كل زمان ومكان، وعلى كل الناس وعلى كل الفئات؛ فإذا ذهبت هيبة القوانين والعقوبات جاءت الفوضى -نسأل الله العفو والعافية.

حفظ الدين

وفي المحافظة على هيبة السلطان حفظ للدين وإلا من يردع أصحاب البدع والضلالات إلا السلطان؟ .

     قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ويجب أن يُعرف أن ولاية أمور الناس من أعظم الواجبات الدينية» ولاية الأمر أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين والدنيا إلا بها؛ فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع بحاجة بعضهم إلى بعض، كلنا نحتاج بعضنا بعضا، مصلحتنا لا تتم إلا بالاجتماع، بالبيع والشراء وما شابه ذلك، ثم قال: «ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس» رأس يُنظم العلاقات ما بين بعضها بعضا.

النصيحة للحاكم

     والنصيحة للحاكم لابد منها، ولكنها تكون سرًا؛ فمن أراد أن ينصح للسلطان عند الألباني وعند ابن حنبل هذا الحديث، يقول: «من أراد أن ينصح السلطان بأمرٍ فلا يُبدي له علانية»؛ ولكن ليأخذ بيده فيخلو به، فإن قبل منه فذا، وإلا كان قد أدَّى الذي عليه»، يُعلق الشوكاني قائلًا: «ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يُناصحه، ولا يُظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد، بل كما ورد في الحديث يأخذه بيده ويخلو به ويُذل له النصيحة». يُذلها: يُرققها. ألم يقل ربنا -عزوجل- لموسى وهارون: {فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}؟ (طه44).

     قال الشيخ ابن بازٍ -رحمه الله-: «ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة، وذكر ذلك على المنابر» ولاحظ  ليس المقصود منبر الجمعة فقط، كل ما يتجمع حوله الناس هذا منبر من جريدةٍ صحيفةٍ تويتر وغير ذلك؛ «لأن ذلك يُفضي إلى الانقلابات» وما عنكم سوريا والعراق وليبيا واليمن ببعيد، هل من متعظ؟ يُفضي ذلك إلى الانقلابات، وعدم السمع والطاعة بالمعروف ويُفضي إلى الخروج الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المُتبعة عند السلف: النصيحة المتبعة فيما بينهم وبين السلطان والكتابة إليه والاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجهوه إلى الخير.

هل العلماء مقصرون في الإنكار على الحكام علانية؟

     الطعن على العلماء بأنهم لا يبينون الأحكام لولاة الأمر، ولا ينكرون عليهم علانية أمام الناس، وأنهم مقصرون في ذلك، وكاتمون للعلم خوفاً على مناصبهم ووظائفهم، طعن باطل من وجوه:

من أهم أمور الدين

- الوجه الأول: أن النصيحة لولي الأمر من أهم أمور الدين؛ فعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ؟ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»، قال أبو نعيم الأصبهاني: «من نصح الولاة والأمراء اهتدى، ومن غشهم غوى واعتدى»، فكيف يقصر العلماء في النصيحة ولا يؤدونها على وجهها؟!

أصل من أصول المنهج السلفي

- والوجه الثاني: أنَّ النصيحة لولي الأمر سراً أصل من أصول المنهج السلفي الذي خالفه أهل الأهواء والبدع كالخوارج؛ إذ الأصل في النصح لولي الأمر الإسرار بالنصيحة وعدم العلن بها، ويدل عليه ما رواه عِيَاض قال رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلَا يُبْدِ لَهُ عَلَانِيَةً وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَخْلُوَ بِهِ؛ فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ»، وروى شَقِيق عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قِيلَ لَهُ أَلَا تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ؟ فَقَالَ أَتَرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ؟! وَاللَّهِ لَقَدْ كَلَّمْتُهُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ دُونَ أَنْ أَفْتَتِحَ أَمْرًا لَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ»، قال الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى – معلقاً على أثر أسامة - رضي الله عنه - لما فتحوا الشر في زمن عثمان- رضي الله عنه - وأنكروا على عثمان - رضي الله عنه -جهرة تمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية، وقتل عثمان وعلي بأسباب ذلك، وقتل كم كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني، وذكر العيوب علناً حتى أبغض الناس ولي أمرهم وحتى قتلوه. نسأل الله العافية. وقال سعيد بن جبير: قلت لابن عباس -رضي الله عنهما-: آمر السلطان بالمعروف، وأنهاه عن المنكر؟

فقال ابن عباس: إن خفت أن يقتلك فلا.

قال سعيد: ثم عدت فقال لي مثل ذلك. ثم عدت فقال لي مثل ذلك.

وقال ابن عباس: «إن كنتَ لا بُدَّ فاعلاً ففيما بينك وبينه».

     فتدبروا موقف هذا الصحابي الجليل حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذه المسألة العظيمة حيث أمره بالسرية في النصح.

فضيحة وليست بنصيحة

- والوجه الثالث: أن نصيحة السلطان أمام الناس علانية بحضرته مع إمكان نصحه سراً فضيحة وليست نصيحة، وهي محرمة لا تجوز للأمور التالية: مخالفتها لحديث عياض بن غَنْم الذي فيه الأمر بالإسرار، مخالفتها لآثار السلف كأسامة بن زيد وعبد الله بن أبي أوفى وغيرهما. لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله».

الخوف من المفسدة

- الوجه الرابع: أن العلماء لا يذكرون ما يفعلونه مع الولاة للناس خوفاً من المفسدة قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله تعالى –: بيان ما نفعله مع الولاة فيه مفسدتان:- الأولى: أن الإنسان يخشى على نفسه من الرياء فيبطل عمله، الثانية: أن الولاة لو لم يطيعوا صار حجة على الولاة عند العامة فثاروا وحصل مفسدة أكبر اهـ.

محرم لا يجوز

- والوجه الخامس: أنَّ ذكر أخطاء الولاة في المجالس والمواعظ والخطب محرم لا يجوز لما يلي: لأنها من باب إشاعة الفاحشة والله -عز وجل- يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}.

سبب للفتنة

- الوجه السادس: أن نشر هذه الأمور لا ريب أنه مما يسبب الفتنة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «الفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء، وهذا شأن الفتن، كما قال -تعالى-: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً} وإذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله» اهـ

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك