رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: رائد الحزيمي 29 يوليو، 2019 0 تعليق

«احفظ الله يحفظك» عزة الإسلام كيف نحقـقـهـا؟

 

قال الله -تعالى-: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فلله العِزَّةُ جَمِيعَاً)، وقال -سبحانه-: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلهِ جَمِيعاً}، وقال -سبحانه-: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ}؛ فجعل الله العزة له وحده، وكذلك في قوله -تعالى-: {وَلِلهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}؛ فالعزة هنا هي لله -سبحانه-؛ فكل من اتصل بالله فهو عزيز لاتصاله به -سبحانه-، ومن هنا جاءت العزة لرسل الله ولعباده المؤمنين، ونعتز بالإسلام؛ لأنه دين الله -تعالى-، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : «نحن قومٌ أعزَّنا اللهُ بالإسلام مهما ابتغينا العزةَ بغيره أذلَّنَا الله»؛ فالعزة من عند الله وقد أعزنا الله بدينه الإسلام، ومن ابتغى العزة بغيره أذله الله. 

     وفي الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ، قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ؛ فَأَتَيْتُهُمْ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ؛ فَقَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ؛ فَنَزَلْنَا مَنْزِلا فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ، وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ؛ إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم : الصَّلاةَ جَامِعَةً؛ فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَالَ: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاءٌ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ؛ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ؛ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ؛ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ، وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ؛ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ؛ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ»؛ فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَنْشُدُكَ اللهَ آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَأَهْوَى إِلَى أُذُنَيْهِ، وَقَلْبِهِ بِيَدَيْهِ، وَقَالَ: «سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي»، فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا ابْنُ عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ، يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ، وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا، وَاللهُ يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}(النساء: 29)، قَالَ: فَسَكَتَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللهِ، وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ»

     وروى البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ»، وعن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فمَن أحَب أن يُزحزَح عن النار ويدخل الجنة؛ فلتأتِه منيَّتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه». رواه مسلم.

كيف تكون العزة للمؤمنين؟

     وقد أجابت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن هذا السؤال فقالت: لا تحصل العزة للمؤمنين، والنصر على الأعداء، والتمكين في الأرض إلا بطاعة الله -تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم، والعمل بالإسلام والإيمان ظاهراً وباطناً، وقد جاء في القرآن والسنة وعن السلف الصالح من الآثار ما فيه عظة وادِّكار، قال الله -تعالى-: {بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}(النساء: 138- 139)، وقال -سبحانه-: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}(الحج:40 - 41)، وقال -جل وعلا-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}(النور:55)، وقال -جل جلاله-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(محمد: 7 ).

تمكين المؤمنين

     إلى غيرها من الآيات الكريمات التي بينت ووضحت: أن تمكين المؤمنين وعزهم في هذه الحياة مشروط بقيامهم بما أوجب الله عليهم، من توحيده وتعظيمه وإجلاله، والعمل بكتابه واتباع سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، ومحبة أولياء الله المؤمنين، وبغض أعدائه من المنافقين والكافرين، ومجاهدتهم؛ لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى، وغير ذلك من لوازم الإيمان .

السلف الصالح

     ولقد عرف السلف الصالح من الصحابة ومن بعدهم هذه الحقيقة، وهي: أن العزة في التمسك بالإسلام، واتباع النبي صلى الله عليه وسلم، والاجتهاد في طاعة الله ورسوله، والحذر من معصية الله ورسوله؛ فصدرت منهم كلمات، منها: ما ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة من دونه أذلنا الله»، وثبت عن أبي الدرداء رضي الله عنه ، أنه لما فتح المسلمون قبرص وبكى أهلها وأظهروا من الحزن والذل ما أظهروا، جلس أبو الدرداء رضي الله عنه يبكي؛ فقال له جبير بن نفير: يا أبا الدرداء، ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «ويحك يا جبير، ما أهون الخلق على الله -عز وجل- إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى».

تحقيق العزة

     والحاصل: أن على كل مسلم مسؤولية تحقيق العزة للمؤمنين بحسب قدرته، واستطاعته؛ فيكون بنفسه قائماً بأمر الله -تعالى-، عاملاً بالإسلام والإيمان، ظاهراً وباطناً، ناصحاً لإخوانه المسلمين، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، حتى تصلح أحوال المسلمين، أو يلقى الله على تلك الحا ، وقد اتقاه حسب وسعه والله المستعان».

الجهاد في سبيل الله

     ومن أجل الطاعات التي رُتِّب على فعلها، تحققُ العزة وعلى تركها الذلة، الجهادَ في سبيل الله، يقول الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (المائدة:54)، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِذا تبايعتم بالعينة (نوع من الربا)، وأخذتم أَذْنَاب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلًا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم»، والجهاد طريق نخوة المؤمنين المستضعفين ونجدتهم، وَمَن كانت النجدة طبعًا له حدثت فيه عزة؛ فكيف إن كان الباعث لها دينًا؟!

مفهوم شامل

     والعزة بمفهومها الشامل، شعور نفسي بالاستعلاء على الدنايا وسفاسفها؛ فيستغني بها المرء عما في أيدي الناس، يحفظ كرامته من أن تهدر في تصرف خطأ تلبية لرغبة أو شهوة نفسه، وتدفعه للمطالبة بحقه، فلا يتنازل عنه عن ضعف وخور، تمكنه من أن يعفو عمن ظلمه عن قدرة واستطاعة لا عن خوف وجبن، توفر له القدرة والاستقلالية في اتخاذ قرارات في حياته، لا يتأثر فيها برضا الناس أو سخطهم ما دامت هذا القرارات لا تغضب ربه، ولا يشغله مراقبة الناس في أفعاله بقدر ما يشغله مراقبة ربه العليم البصير عليه؛ فيفعل الخير منفردًا أو في جمع من الناس، ويلفظ فعل الشر أو المعيب أيضًا ويلفظه دون نظر إلى الناس، ويحترم ذاته فلا يتدخل فيما لا يعنيه حتى لا يسمع ما لا يرضيه، ويكون رجل مبادئ ومواقف لا رجل مصالح وأعطيات، ولا يرتبط تقييمه للناس أو الأحداث بمقدار استفادته، بل تربط تقييمه بمعيار قوي وواضح وثابت، وهو ما يرضي ربه -سبحانه-؛ فلا يكون ممن قال الله فيهم: {فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} (التوبة:58).

يقول الحق ويلتزم العدل

     يقول الحق ويلتزم العدل، حتى لو كان على نفسه أو أقرب الأقربين منه، ولا تمنعه العداوة من الإنصاف، ولا تصرفه المحبة للإجحاف: {كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (المائدة:8)، ولا يقتصر نفعه على نفسه فقط، بل يتعدى لغيره؛ فينتصر للمظلوم حتى لو كان مخالفًا له في رأيه وفكره أو ديانته، ويقف للظالم حتى لو كان حبيبًا مقربًا، يطلب الأشياء بعزة نفس لعلمه أن كل الأمور مقدرة سلفًا؛ فلا يستذل نفسه لمخلوق، ولا يطلب إلا من ربه بداية، ويحمد ربه على كل حال بعدها.

التربية المفتقدة

     هذه التربية المفتقدة لمعظم أجيالنا، التي تربت على الخوف والقهر والسكوت عن الظلم والرضا بالواقع مهما كان مرًا، وتقييم المواقف والأشخاص على قدر المنافع والمصالح التي يجنيها الإنسان من ورائهم، تلك التربية التي لابد أن نحييها حتى لو كانوا مفتقدينها، جزئيًا أو كليًا، في أنفسنا بوصفنا جيل آباء وأمهات، ولا بد أن نتعاون على استخراجها، بوصفنا مربين، من بطون المواقف والأحداث، ويساند بعضنا بعضًا فيها حتى تكون شعورًا عامًا يسري في مجتمعاتنا؛ فقوة المجتمع تنبع من هنا، وقوة المجتمع تظهر في قوة أفراده القادرين على حمل لواء نهضته بفكر راق ومنظم، وبنفسيات لا تعرف الذلة والخنوع والاستكانة، ولكنها، رغم كل هذه القوة المندفعة، تقف ثابتة أمام سياج لا تتعداه، وهو حدود الشرع بالمحافظة على ثوابت الدين، وحماية الأوطان، وجمع شمل الأمة لا تفريقها.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك