رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: رائد الحزيمي 18 ديسمبر، 2019 0 تعليق

«احفظ الله يحفظك» صـــــــــور الفســــــاد في الأرض


قال الله -تعالى-: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء}، هكذا تخوفت الملائكة من وجود البشر بسبب ما سيكون منهم من الإفساد وسفك الدماء؛ فأرسل الله رسله للنهي عن سفك الدماء، والأمر بالإصلاح والنهي عن الفساد، ولإقامة الحجة على الخلق، حتى لا يحتج أحد على الله؛ فيقول: {لَوْلا أَرْسَلْتَ إلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ ونَخْزَى} (طه:134).

     لقد قطع الله هذه الحجة من أساسها بإرسال الرسل وتأييدهم بالآيات البينات الدالة على صدقهم، وصحة نبوتهم وسلامة طريقتهم، وثانيًا توجيه الناس وإرشادهم لما فيه الخير والصلاح لهم في دينهم ودنياهم؛ فإن الناس مهما أوتوا من الفهم والعقل والذكاء لا يمكنهم أن تستقل عقولهم بالتنظيم العام المصلح للأمة بأكملها، كأمة متماسكة متكافئة متساوية في إعطاء ذي الحق حقه.

أنبياء الله

     فهذا صالح -عليه الصلاة والسلام- قال لقومه: {فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون}، وقال كذلك: {فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين}، وهذا شعيب -عليه السلام- يقول: {اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين}، وقال لقومه: {وأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها}، كذلك قال موسى -عليه الصلاة والسلام- يقول: {كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين}، وقال -تعالى- عن موسى أيضًا: {وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين}، وقال -تعالى-: {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس  نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين}.

صور الإفساد

والإفساد في الأرض له صور وأشكال متعددة، ومن أخطرها في الأرض الإشراك بالله، ومن ذلك نشر الإلحاد، ودعوة الشباب للانسلاخ عن دينهم وشريعتهم، وبث الشبهات التي تزعزع الشباب وتشككهم في دينهم وعقيدتهم عبر وسائل الإعلام المتنوعة.

نشر البدع

     ومن صور الفساد في الأرض، نشر البدع، والسماح للمبتدعة بنشر ضلالهم وزيغهم وعقيدتهم الفاسدة، والبدعة من شر الفساد؛ لما فيها من الضلالة والبعد عن الحق والصواب، ومخالفة سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم القائل: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»، وقال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، أي: (مردود عليه). رواه البخاري ومسلم،  كذلك فإن البدع مبعدة عن الله، مقربة من الشيطان، مفرقة لصفوف المسلمين، محبِطَة للأعمال، وما رؤي الشيطان أفرح ولا أغبط منه بصاحب البدعة؛ لأن المبتدع يرى أنه على صواب وأن غيره على خطأ، وإنما كانت البدع مردودة على من عملها؛ لأن إحداث مثل هذه البدع يفهم منه أن الله -سبحانه وتعالى- لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يبلغ عن ربه ما ينبغي للأمة  أن تعمل به مما يقربها إلى الله، وهل بعد ذلك من اعتراض على الله -تعالى- وعلى شرعه وعلى رسوله، واستدراك عليهما، واتهام لرسوله الأمين صلى الله عليه وسلم بالكتمان والخيانة في تبليغ الرسالة؟!

نشر المنكرات

     ومن صور الفساد نشر المنكرات والدعوة إليها، وتزيينها كالمخدرات، والتبرج والسفور، والربا، والغش، والرشوة، والتجرؤ على المال العام، أن يتجرأ ويأخذ من المال العام، كذلك نشر الفاحشة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتسهيل الحرام؛ فهذا مما عمت به البلوى؛ حيث هانت المنكرات في عيون كثير من الناس بسبب شيوعها، ومعلوم أن الشر يهون في نظر الناس إذا اعتادوا عليه، فلم تعد القلوب تنكر، ولا النفوس تنفر، وزانت في عيون من لم يكن يعرفها حتى أنه يبحث عنها ويريد تقليدها، فتعلم الصغير وانساق الكبير.

عدم احترام ولاة الأمر

     ومن صور الفساد أيضًا انتشار ثقافة عدم احترام ولاة الأمر، وكسر هيبة الدولة، وهذا من الفساد العظيم؛ فوجوب طاعة ولي أمر المسلمين عقيدة دينية يدين بها المسلم لربه؛ فإن أمره أميره، أو مديره، بأمر وجب عليه تنفيذه ما لم يكن معصية لله -تعالى-، وإن نهاه عن فعل شيء وجب الانتهاء عنه، وولاة الأمور هم العلماء والأمراء؛ فطاعة هؤلاء فيها مصلحة الدين والدنيا، ومخالفتهم فيها فساد الدين والدنيا.

قتل النفس التي حرم الله

     ومن الفساد العظيم في الأرض، قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق؛ وذلك له صور كثيرة منها الاستهتار، والرعونة في قيادة المركبات وعبر القتل المباشر قال الله -تعالى-: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}، وقال -تعالى-: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}، قال الإمام ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-: وجعل قتل النفس الواحدة، كقتل جميع الناس مبالغة في تعظيم أمر القتل الظلم، وتفخيما لشأنه، أي كما أن قتل جميع الناس أمر عظيم القبح عند كل أحد، فكذلك قتل الواحد يجب أن يكون كذلك.

زعزعة الأمن

     وكذلك من الفساد في الأرض زعزعة الأمن، وهو أهم وأول ما تسعى الدول للمحافظة عليه، وهذا نبي الله إبراهيم الخليل -عليه الصلاة والسلام- يدعو ربه بقوله: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام}، وفي آية أخرى قال: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات}.

أهل الإصلاح وأهل الإفساد

     ولا يمكن أن يستوي أهل الإصلاح وأهل الإفساد في الدنيا ولا في الآخرة، قال -تعالى-: {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض، أم نجعل المتقين كالفجار}(ص: 28)، أبداً لا يستون: {والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار}(الرعد: 25)، وفي تلك الدار، دار البوار؛ فإن العذاب يضاعف للمفسدين جزاء ما تعدى فسادهم في أنفسهم إلى إفسادهم لغيرهم: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذاباً فوق العذاب بما كانوا يفسدون}(النحل: 118)، وهل بعد ذلك من خسران؟ أبداً، {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون}(البقرة: 27).

آثار الفساد

     إن أثر الفساد والإفساد ليس له حدود لو سارت الأمور على مقتضى أهواء المفسدين؛ فالكون كله يفسد لو سارت أموره بحسب أهواء أهل الفساد قال -تعالى-: {ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن}(المؤمنون/ 71)، ولو لم يقف المصلحون في وجه المفسدين، لعم الفساد أرجاء الأرض، ولشمل الضلال كل أطرافها، ولكن من -رحمة الله- أنه يدفع فساد المفسدين بجهاد المصلحين {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، ولكن الله ذو فضل على العالمين}(البقرة: 251).

مسؤولية المصلحين

     إن مسؤولية المصلحين عظيمة؛ فواجبهم أن يعتصموا بحبل الله جميعاً ضد المفسدين؛ فالمفسدون مهما تباعدت ديارهم واختلفت ألوانهم وألسنتهم؛ فإنهم جبهة واحدة وصف واحد ضد الإصلاح والمصلحين؛ وما لم يكن للمصلحين صف واحد ضدهم؛ فالفساد سيظل يكبر ويكبر حتى لا يستطيع أحد أن يقف أمامه، قال -تعالى-: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير}(الأنفال/ 73).

الأمل الوحيد

     إن الأمل الوحيد في إنقاذ الأرض من المفسدين في كل الأزمنة والأمكنة، يكمن في قيام أهل الحق والإصلاح بمسؤولياتهم أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة قال تعالى: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم، واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين. وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين}(هود: 116- 119).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك