رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: رائد الحزيمي 29 أكتوبر، 2019 0 تعليق

«احفظ الله يحفظك» شروط الحجاب الشرعي

 

 جاءت آيات الحجاب في القرآن الكريم مفصلة لشروط الحجاب الشرعي، وتبين حدوده، وتقدم قواعد شرعية عامة للمسلمات حول لباسهنَّ، وكيفية خروجهنَّ من بيوتهنَّ؛ ففي قول الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}(الأحزاب: 59)، بيان واضح بوجوب ستر الزينة، وعدم إظهار شيء منها أمام الأجانب.

وفي قوله -تعالى-: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}(النور: 31)، يوجد دليل واضح على ضرورة تغطية المرأة لشعرها؛ حيث غطت الصحابيات شعرهنَّ.

- مما سبق نستنتج أن غاية الحجاب، هي الحفاظ على كيان المرأة المسلمة وعفتها، وسترها عن أنظار الرجال، تفادياً لوقوع الآثام والمشكلات الحياتية؛ ولتحقيق هذه الأهداف، بيَّنت الشريعة الإسلامية مواصفات الحجاب الشرعي في الإسلام، أهمها ما يأتي:

ستر الجسم

     الشرط الأول من شروط الحجاب، هو أن يكون ساترا لجسد المرأة من مفرق رأسها إلى أخمص قدمها على خلاف في الوجه، قال -تعالى-: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنّ}، وقال -تعالى-: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ}، يجب أن تحرص كل مسلمة على أن يكون حجابها ساتراً لجسدها كله حتى تبتعد الأنظار والشبهات عنها، وتقطع الطريق أمام المفسدين الذي يتلاعبون بالنساء من أجل مطامع شخصية عديدة.

ألا يكون زينة في نفسه

     لأن الغاية من الحجاب هو تحصيل الستر والعفاف؛ فإذا كان الحجاب زينة مثيرة؛ فقد تعطلت بذلك الغاية منه. ولذلك نهى الله -جل وعلا- عن ذلك؛ فقال: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}(النور:31)؛ فإبداء زينة الحجاب من التبرج المنهي عنه شرعاً، قال -تعالى-: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (الأحزاب: 33)ـ

أن يكون واسعاً غير ضيق

     لأن اللباس الضيق يناقض الستر المقصود من الحجاب؛ لذلك إذا لم يكن لباس المرأة المسلمة فضفاضاً؛ فهو من التبرج المنهي عنه؛ إذ إن عورة المرأة تبدو موصوفة بارزة، ويظهر حجم الأفخاذ والعجيزة ظهوراً كاملاً، كما تظهر مفاصل المرأة مفصلاً مفصلاً، وهذا كله يوجب تعلق النفوس الخبيثة والقلوب المريضة؛ فعن أسامة بن زيد قال: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة، كانت مما أهداها دحية الكلبي؛ فكسوتها امرأتي؛ فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مالك لم تلبس القبطية؟»، قلت: يا رسول الله، كسوتها امرأتي؛ فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مرها فلتجعل تحتها غلالة إني أخاف أن تصف حجم عظامها».

     وعن أم جعفر بنت مقعد بن جعفر، أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: «يا أسماء إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء أن يطرح على المرأة الثوب فيصفها»؛ فقالت أسماء: يا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم  ألا أريك شيئاً رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة، فحنتها ثم طرحت عليها ثوباً؛ فقالت فاطمة: «ما أحسن هذا وأجمله تعرف به المرأة من الرجل؛ فإن مت أنا فاغسليني أنت وعلي، ولا يدخل علي أحد، فلما توفيت غسلها علي وأسماء -رضي الله عنهما.

     قال الألباني- رحمه الله- تعليقاً على الحديث: فانظر إلى فاطمة بضعة النبي صلى الله عليه وسلم ، كيف استقبحت أن يصف الثوب المرأة وهي ميتة، فلا شك أن وصفه إياها وهي حية أقبح وأقبح؛ فليتأمل في هذا مسلمات هذا العصر اللاتي يلبسن من هذه الثياب الضيقة ثم يستغفرن الله -تعالى-؛ وليتبن إليه وليذكرن قوله صلى الله عليه وسلم : «الحياء والإيمان قرنا جميعاً؛ فإذا رفع أحدهما رفع الآخر».

فعليك أختي المسلمة باقتفاء أثر أمهات المؤمنين؛ فإن فيه صلاح الدنيا والدين، وإياك والاغترار بما عليه جموع المتأخرين؛ فكل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف

أن يكون صفيقاً لا يشف

     فثياب المرأة إذا لم يكن صفيقاً؛ فإنه يجسد جسمها ومواضع الفتنة فيها، وكذلك إذا كان شفافاً؛ فإنه يبرز وجهها ولون بشرتها، ويخالف الستر الذي هو غاية الحجاب، وقد ورد وعيد شديد في النساء اللواتي يلبسن مثل هذه الألبسة التي هي أشبه بالعري، إن لم تكن فتنتها أشد؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» (رواه مسلم).

قال ابن عبد البر -رحمه الله-: «أراد صلى الله عليه وسلم من النساء اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يستر؛ فهن كاسيات بالاسم، عاريات في الحقيقة» .

ألا يكون مبخرًا ولا مطيبًا

     وقد وردت أحاديث كثيرة في تحريم خروج المرأة متعطرة؛ فمن ذلك ما رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية»، وعن زينب الثقفية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا خرجت إحداكن إلى المسجد فلا تقربن طيباً» (رواه مسلم والنسائي). ومن الواضح أن المرأة إذا خرجت مستعطرة؛ فإنها تحرك داعية الشهوة عند الرجال؛ لذلك ورد التحريم في ذلك قطعاً لدابر الفتنة وحفاظاً على طهارة المجتمع، ومن تأمل حديث زينب وجد أن التحريم متعلق بالخروج إلى المسجد، وهو مكان طهارة وعبادة، فما بال مريدة السوق والشوارع وغيرها.

 ألا يشبه لباس الرجال

     لقوله صلى الله عليه وسلم : «ليس منا من تشبه بالرجال من النساء ولا من تشبه بالنساء من الرجال »، وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل»، وهذه الأحاديث نص في تحريم التشبه مطلقاً بالرجال، سواء في اللباس أم في غيره، ومن هنا كان على المرأة المسلمة أن تحرص عن الابتعاد عن التشبه بالرجال في لباسها، سواء كانت في البيت، أم خارجه، ولاسيما في عصرنا هذا؛ حيث اختلطت الأمور ولم يعد المسلم يميز في كثير من بلاد المسلمين بين الرجل والمرأة، لشدة التشبه بينهما في اللباس، وقد اكتسحت هذه الموجة جموعاً من المحجبات؛ فصرن يلبسن من ثياب الرجال تحت عباءاتهن؛ مما يسقطهن في هذا المحظور.

ألا يشبه لباس الكافرات

وذلك بأن تفصل المرأة المسلمة لباسها تفصيلاً، يتنافى مع حكم الشرع وقواعده في موضوع اللباس، ويدل على تفاهة في العقل وفقدان للحياء؛ مما ظهر في هذا العصر، وانتشر باسم الموديلات التي تتغير من سيئ إلى أسوأ،
وكيف ترضى امرأة شرفها الله بالإسلام ورفع قدرها، أن تكون تابعة لمن يملي عليها صفة لباسها، ممن لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر.

فاحذري -أختي المسلمة- أن تتشبهي باليهود والنصارى، أو غيرهم من المشركين في ملابسهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من تشبه بقوم فهو منهم».

 وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين؛ فقال: إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها».

 ألا يكون لباس شهرة

     ولباس الشهرة هو الذي تلبسه المرأة لإلفات وجوه الناس إليها، سواء كان هذا الثوب رفيعا أم وضيعا؛ لأن علة التحريم هي تحقق الشهرة في الثياب؛ فقد روي عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من لبس ثوب شهرة في الدنيا، ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة، ثم ألهب فيه نارا».

     فاحذري أختي المسلمة، من الوقوع في هذا المحظور؛ فإن الحجاب الواجب لا يتحقق إلا باستكمال هذا الشرط الذي غفل عنه كثير من المسلمات؛ إذ يظن كثير منهن أن تفرد الثوب بوصف يجعله مشتهراً بين الناس ليس من المحظور في لبس الحجاب؛ ولذلك تفشت ظاهرة التنافس في مثل هذا اللباس.

هذه الشروط الثمانية هي الشروط المعتبرة عند العلماء في الحجاب؛ فإذا أرادت المرأة الستر والعفاف والحشمة والحياء، وطاعة الله ورسوله؛ فعليها بمراعاتها في حجابها؛ فإن الحجاب لا يمكن أن يكون حجاباً إلا إذا استوفى تلك الشروط.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك