رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: رائد الحزيمي 20 يونيو، 2019 0 تعليق

«احفظ الله يحفظك» الحق هو الحق وإن قل تابعوه

 

الحق ضالة المؤمن، فهو يدور مع الحق حيث دار، فهو ضالته التي ينشدها ويسعى إليها، وإن مما عمت به البلوى في هذا العصر، واشتدت به الكربى على أهل العلم، ما غلب على الأفهام، وطبع في الأذهان، وشاب عليه الكهول، وشب عليه الغلمان، أن الحق يعرف بالكثرة، على الرغم من قوله - تعالى-: {وَقَلِيلٌ مِّن عِبَادِيَ الشَّكُورُ}، وقوله: {وَمَا أَكثَرُ النَّاسِ وَلَو حَرَصتَ بِمُؤمِنِينَ}، وقوله: {وَمَا يُؤمِنُ أَكثَرُهُم بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مٌّشرِكُونَ}، وقوله: {كَم مِّن فِئَةٍ، قَلِيلَةٍ، غَلَبَت فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذنِ اللهِ}، وقال فرعون عن موسى وقومه:{إِنَّ هَؤُلاء لَشِرذِمَةٌ قَلِيلُونَ. وَإِنَّهُم لَنَا لَغَائِظُونَ}.

     وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ:خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا فَقَالَ عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِىُّ مَعَهُ الرَّجُلُ وَالنَّبِىُّ مَعَهُ الرَّجُلاَنِ، وَالنَّبِىُّ مَعَهُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِىُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ فَرَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ أُمَّتِى، فَقِيلَ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ. ثُمَّ قِيلَ لِى انْظُرْ. فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ فَقِيلَ لي انْظُرْ هَكَذَا وَهَكَذَا. فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ فَقِيلَ هَؤُلاَءِ أُمَّتُكَ، وَمَعَ هَؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَلَمْ يُبَيَّنْ لَهُمْ، فَتَذَاكَرَ أَصْحَابُ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا أَمَّا نَحْنُ فَوُلِدْنَا في الشِّرْكِ، وَلَكِنَّا آمَنَّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَكِنْ هَؤُلاَءِ هُمْ أَبْنَاؤُنَا، فَبَلَغَ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ هُمُ الَّذِينَ لاَ يَتَطَيَّرُونَ، وَلاَ يَسْتَرْقُونَ، وَل اَ يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ ». فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ أَمِنْهُمْ أَنَا فَقَالَ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ.

الحق هو الحق وإن قل تابعوه

     وهذا الحديث ولا شك به فوائد أهمها ما ذكره لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - من أن النبي من الأنبياء سوف يأتي يوم القيامة ومعه رجل واحد من قومه قد آمن به وبدعوته ورسالته، ونبي آخر معه رجلان، وثالث معه الرهيط هُوَ بِضَمِّ الرَّاء تَصْغِير الرَّهْط، وَهِيَ الْجَمَاعَة دُون الْعَشَرَة، ورابع ليس معه أحد، ومع هذا لم يثبت أن أحداً منهم لم يترك الدعوة إلى الله، ولم يتخل عن الرسالة التي أمره الله بتبليغها وكذلك لم يؤثر ذلك في الحلق الذي يحمله هذا النبي أو ذاك -صلوات الله وتسليماته عليهم-، فهذا نوح -عليه الصلاة والسلام- مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، وما أمن معه إلا قليل، وهذا ليس دليلا على نقصان نبوته حاشا وكلا، ولكن يبقى الحق هو الحق وإن قل تابعوه، فلا يغررك ولا تغررك كثرة الناس.

بدأ الإسلام غريبًا

نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام يقول: «بدأ الإسلام غريباً»، غريب بشريعته، وبقلة أتباعه، وبدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء، والغريب دائماً يكون هو الأقل، فالغريب بما حمله من فكرٍ وبما حمله من سمتٍ ودينٍ ومنهجٍ.

إبراهيم الخليل -عليه السلام

     إبراهيم الخليل -عليه السلام- كان أمة، هو واحد ولكن بكثرة حججه وقوة الحق الذي معه كان أمة عليه الصلاة والسلام، وكذلك كان نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - عندما جاء وبعث إلى قريش، وقال عليه الصلاة والسلام: «على رأس كل مائة عام يبعث الله تعالى من يجدد لهذا الدين».

بكرٍ الصديق - رضي الله عنه

أبو بكرٍ الصديق - رضي الله عنه - أصر على قتال المرتدين وأصر بأن يخرج ولو وحده واحتج بقول الله تعالى: {لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ}، فقال عمر - رضي الله عنه -: «ما أن رأيت أن الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال حتى علمت أنه الحق».

 الإمام أحمد بن حنبل

والإمام أحمد بن حنبل في فتنته وقف وقفة الرجال وما انصاع إلى مقولة أهل الأهواء والزيغ والضلال بفتنة خلق القرآن وكان وحده، فكثرة الخصوم وكثرة سوادهم ليست دليلاً على حقٍ.

ذم الكثرة

     والكثرة مذمومة في كتاب الله العزيز، قال الله تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} (الأنعام:116)، وقال الله تعالى في معرض ذم الكثرة والاعتبار بالآيات والبراهين: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} (الشعراء:9)، كررها الرحمن الرحيم في سورة الشعراء بعد كل قصة من قصص الأنبياء وكيف أن الأنبياء قد أظهروا البراهين والحجج.

الاغترار بالكثرة

     وفي القتال مدح الله تعالى القلة، وذم مقولة الصحابة عندما اغتروا بكثرتهم لم نغلب اليوم من قلة، نحن الكثرة الكاثرة لن نغلب من قلة جاؤوا من هوازن ومن نجران ومن غيرهم لن نغلب اليوم من قلة، فالله -سبحانه وتعالى- أدبهم بأن هُزم الجيش: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا}.

الشاكرون قلة

وفي معرض ذكر الشكر يقول الله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}، أي الكثير لا يشكر الله -سبحانه وتعالى.

 الاعتقاد والتوحيد

     وفي الاعتقاد والتوحيد قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (يوسف:106)، لا يؤمنون إلا ويخالط إيمانهم الشرك، فيعتقد بعضهم بالطيرة والتطير، ويتخذون ما لا ينفعهم ولا يضرهم حماية، كمن يضع الحدوة أو العين الزرقاء أو ما شابه ذلك معتقدين أن فيها النفع والضر.

     جاء في الحديث الصحيح عن وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-: «افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفَرَّقَتْ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً» رواه أبو داود في سنن،  ولا يعني أن كل تلك الفرق في النار أنها كافرة أبداً، المسلم قد يستحق دخول النار بسبب أعماله القلبية أو العملية، ولكنه في النهاية من أمة محمد أمة الدعوة أو أمة الاستجابة.

الجماعة ما وافق الحق

وقال ابن مسعود –رضي الله عنهما- : «الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك»، وعن الفضيل بن عياض: «اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين، واياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين».

- وفي السنن‏:‏ ‏«‏إن الله يبعث لهذه الأمة في رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»‏‏.‏ والتجديد إنما يكون بعد الدروس، وذاك هو غربة الإسلام‏، وهذا الحديث يفيد المسلم أنه لا يغتم بقلة من يعرف حقيقة الإسلام، ولا يضيق صدره بذلك، ولا يكون في شك من دين الإسلام، كما كان الأمر حين بدأ‏.‏ قال -تعالى-‏:‏ ‏{فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إليكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ} (‏يونس‏:‏ 94‏)‏، إلى غير ذلك من الآيات والبراهين الدالة على صحة الإسلام‏.‏

      قال الإمام الشاطبي -رحمه الله- (الاعتصام  01/11 - 12): «وهذه سنة الله في الخلق: أن أهل الحق في جنب أهل الباطل قليل لقوله -تعالى-: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} (يوسف:103) وقوله: {وقليل من عبادي الشكور} (سبأ:13)، ولينجز الله ما وعد به نبيه - صلى الله عليه وسلم - من عود وصف الغربة إليه فإن الغربة لا تكون إلا مع فقد الأهل أو قلتهم وذلك حين يصير المعروف منكرا والمنكر معروفا وتصير السنة بدعة والبدعة سنة...» اهـ

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك