رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: رائد الحزيمي 17 أبريل، 2018 0 تعليق

«احفظ الله يحفظك» اتهموا الرأي في الدين

 

 

قال الله -تعالى-: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (النور:51). (سمعنا وأطعنا)، هذا هو قول المؤمنين المفلحين يأمرهم الله -تعالى- فيأتمرون بأمره، وينهاهم فينتهون، يقفون عند حدود الله ويعظمونها، لا يترددون، ولا يتلكؤون ولا يعرضون الأمر أولا على عقولهم وأهوائهم، ثم إن وافق الأمر هواهم تقبلوه، وإن لم يتماش مع عقولهم، ضربوا به عرض الحائط.

     إن المؤمنين الصادقين لا يتركون مجالا لأهوائهم أن تتحكم فيهم عند نزول أمر الله -سبحانه وتعالى- لهم، بل هم كما قال الله -سبحانه وتعالى-: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}(الأحزاب:36)، لا اختيار ولا مناقشات ولا أسئلة؛ بل هو (السمع والطاعة).

     (اتهموا الرأي في الدين)، قالها عمر وغيره من الصحابة -رضوان الله عليهم-: وتعني: إن كان الدين يأمرك بشيءٍ أو أتى بأمرٍ وخبرٍ معين من أمور الدين والشرع الحكيم وعقلك لم يستوعب ولم يفهم هذا الأمر، لا تتهم الدين، اتهم رأيك، اتهم الرأي، قل: نعم، الضعف مني والحق مع ما جاء به دين محمد صلى الله عليه وسلم .

     هذه المقولة قيلت في صلح الحديبية، الصلح الذي تم بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبين المشركين؛ حيث صالحهم على أمورٍ ظاهرها عند بعض الناس الظلم والإجحاف؛ حيث كان من بنود العقد: إنه إذا جاء أحد المسلمين فارًا من المشركين إلى المسلمين، المسلمون يعيدونه، وإذا ذهب أحد المسلمين إلى المشركين لا يُرجعونه، ليس المعاملة بالمثل كما يُقال، وإذا بأبي جندل، أبو جندل مسلمٌ جاء مكبلٌ ويُضرب ويريد أن يفر من المشركين؛ فقال سهيل بن عمرو عندما كان كافرًا قبل أن يُسلم وكان أبوه، قال: يا محمد، هذا أول ما أحاسبك عليه أن تدعه لنا، لا تأخذه؛ فحاول معه النبي صلى الله عليه وسلم فما رضي.

مشهد عظيم

     هنا المشهد عظيم، مسلمون ويأتي إليهم مسلم يستنجد بهم، أنجدوني، أنقذوني، ويُضرب أمامهم، وهم المسلمون الأقوياء، فلا يستطيعون، عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما استطاع أن يستوعب الحدث؛ فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ألست النبي؟ قال: بلى، ألست على الحق؟ قال: بلى، قال: فلماذا نعطي الدنية من ديننا؟ لماذا نرضى بالهوان؟ لماذا نرضى بالذل؟ قال: إنه ربي ولن يُضيعني؛ فذهب إلى أبي بكر، فقال له أبو بكر رضي الله عنه : يا ابن الخطاب، الزم غرزه، غرز النبي، إنه محمد صلى الله عليه وسلم.  اتهموا الرأي في الدين، بتصديق كل ما يأتي عن الله وعن النبي صلى الله عليه وسلم: {وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}(النساء: 65).

 الإسراء والمعراج

     مثال آخر من حادثة الإسراء والمعراج، حدث لا يمكن أن يصدقه أحد؛ حيث جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى المشركين، وأخبرهم أنه قد أُسري به في ليلةٍ واحدة، أُسري به إلى بيت المقدس، ثم عُرج إلى السماء؛ فأصبحوا يضحكون وأتوا إلى أبي بكر، وهنا الشاهد: أبو بكرٍ رضي الله عنه سمع منهم، قالوا: لقد ظهر كذب محمد صلى الله عليه وسلم إن صاحبك يدعي كذا وكذا، قال: هو قال ذلك؟ قالوا: نعم. قال: صدقته بخبر السماء ألا أصدقه بالإسراء والمعراج؟ فسُمي بالصديق، صدق الخبر وسلّم به، ونحن كذلك لابد أن نُسلم بكل ما يأتينا من عند الله -عز وجل- بالأخبار الإلهية والنبوية، بالأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

هجمات شرسة

     واليوم هجمات شرسة تهجم عليك تريد، أن تزعزع الثوابت، بتشكيك الناس في دينهم وفي سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، والأمثلة على ذلك كثيرة في واقعنا الحالي، منها على سبيل المثال التعامل مع حديث الذبابة، وهو حديث في صحيح البخاري؛ ولأن البخاري أجمعت عليه الأمة يأتي بعض المجرمين، يطعنون في الإمام البخاري، ويتلقف أشياء هو ما فهمها، منها هذا الحديث، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما قال: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً»، جاء من يطعن ويضحك قال: انظروا إلى المسلمين، انظروا إلى هؤلاء المتدينين، ومن جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، يشككون المسلمون في ثوابتهم، وبعض المسلمين لم يستيقنوا إلا بعد ما جاء العلم وأثبت الأطباء أنه قد ثبت أن في أحد جناحي الذبابة داء والآخر دواء، قلنا له: قبل مئة عام لم يثبت علميًا هذا الشيء؛ فماذا يفعل قبل مئة عام؟ أننتظر العلم حتى يؤكد لنا ديننا؟ أبدًا، أبو بكر الصديق ما انتظر العلم صدق مباشرة، وصدق في الحديبية، ولزم هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

 احترام العهود والمواثيق

     ومن الأمثلة التي قد لا توافق عقلك وهناك من يتكلم بضدها، قال الله -عز وجل-: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} (الأنفال72)، الآية صريحة أن بين المهاجرين والأنصار ولاية، ثم انتقلت الآية إلى الصنف الثالث، فقال الرحمن: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ} أي: الذين بقوا في مكة وما هاجروا وهم مؤمنون، ليس بيكم وبينهم ولاية حتى يهاجروا، ثم انتقلت إلى مسألة رابعة: {وإنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ}، هؤلاء الذين بقوا إن استنصروكم في الدين فعليكم النصر، ثم استثنى هنا بيت القصيد: {إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ} أي: إن كان بينكم أيها المسلمون وبين المشركين عهد وميثاق واستنصركم المسلمون الذين عندهم فلا تنصروهم، احترموا الميثاق، أيفقه عقلك هذا؟ سيدخل عليك ممن يريد أن يصبح عند المسلمين فوضى، ولا عهد ولا ميثاق، اتهم الرأي في الدين، اتهم رأيك، الدين حق، وما جاء به الله -عز وجل- حق، سورة الأنفال هذه فيها العهود وفيها المواثيق، وكذلك من بعدها سورة التوبة جاءت بالعهود واحترام العهود والمواثيق، هذا مثال من الأمثلة، هذا أحد الأمثلة التي بغياب العلم الشرعي وبثورة المشاعر والعواطف يأتي من يزعزع مثل هذه الأمور، ويبعدنا عن ديننا، ويريد أن تصبح الأمور فوضى ويستبيح دماء المسلمين وأعراضهم.

 طاعة ولي الأمر

     اسمع وأطع، كلمة كررناها، بل نكررها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كررها في أكثر من مئة دليل، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، وليس عليك بمن فسره تفسيرًا سمجًا بعيدًا عما قاله أكابر العلماء من عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا، يضربني ويأخذ مالي؟! قال: نعم، اسمع وأطع. وقلت أنا قبل هذه الخطبة، طاعتك لولي الأمر تتمثل في طاعة القوانين، ولي الأمر لن يتكلم معك مشافهةً، أنت أنت يا فلان أو فلان أو فلان، ما يأتي ولي الأمر ويأمرك مشافهةً، إلا أن تكون بينك وبينه علاقة طيبة، ولكن تتمثل طاعة ولي الأمر بقوانينه عبر وزرائه وولاته، وقد ضرب ظهرك وأخذ مالك، اسمع وأطع، سجنك، اسمع وأطع، نعم، وما عنك أحمد بن حنبل ببعيد، شيخ الإسلام ابن تيمية، الأكابر الذين أنت وأمثالك وغيرك ممن يتشدق وكأنه يلمس ثوبه بأنني أتبع الإمام أحمد بن حنبل، أو شيخ الإسلام ابن تيمية، ألم يسمعا ويطيعا؟ فقهاء بغداد أتوا إلى الإمام أحمد وقالوا له: اخرج معنا، قال: لا أرى ذلك الدماء الدماء، يسلم لك دينك وهو قد ضُرب وأُهين من ثلاث خلفاء، من المعتصم قبله المأمون لم يتمكن منه ثم المعتصم ثم الواثق، فلما أتى المتوكل أطلق سراحه، ومع ذلك قال: لا أرى ذلك. شيخ الإسلام أحمد بن عبدالسلام ابن تيمية في السجن، وألوف يجلسون خارج السجن يكتبون عما يقول، يستطيع أن يقول: اخرجوا عليهم، أين العقل؟ اتهم رأيك في الدين، رأيك ما لنا حاجة فيه، اتهم رأيك في الدين يا إخوة، وهكذا الأمر واسع، معجزات النبي صلى الله عليه وسلم نصدقها ونسلم، إن جاء الحديث الصحيح المثبت معجزة النبي -عليه الصلاة والسلام-، الملائكة ودورهم وما جاء، الأمور الغيبية كلها نصدقها ونثبتها.

 أقوال  السلف

علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند أبي داود يقول: «لو كان الدين بالرأي؛ لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه».

     وذكر ابن عجلان عن عمر بن الخطاب يقول: «أصحاب الرأي أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها»، ما استطاعوا أن يحفظوها ليس حبًا قلبيًا ولكن عملًا وتفلتت منهم أن يعوها، ما استوعبوها، واستحيوا حين سُئلوا أن يقولوا: لا نعلم؛ فعارضوا السنن برأيهم فإياكم وإياهم، احذروا منهم.

     وفي البخاري عن عبدالله بن مسعود، يقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : «لا يأتي عليكم عام إلا وهو شرٌ من الذي قبله»، ثم قال: «أما إني لا أقول أمير خير من أمير، ولا عام أخصب من عام، ولكن فقهاؤكم يذهبون ثم لا تجدون منهم خلفًا ويجيء قومٌ يقيسون الأمور برأيهم».

إبليس أعمل عقله فدخل النار، عندما أُمر بالسجود: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}(ص: 76)، ما انصاع إلى الأمر، جاء له الأمر الرباني أن يسجد لآدم؛ فعمل الأقيسة العقلية الفاسدة؛ فدخل بسببها النار.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك