«احفظ الله يحفظك» أربع رسائل في بداية العام الدراسي الجديد
للعلم أهمية كبيرة في الشريعة الإسلامية؛ فأول ما نزل من القرآن الكريم أمر الله -تعالى- بالقراءة، التي هي مفتاح العلوم، قال -تعالى-: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}، فالإسلام دين العلم والعمل، لكن لا يكون العمل إلّا بالعلم، ولقد حث الرسول - صلى الله عليه وسلم - على طلب العلم، وهذا دليل على أهمية التعليم وأثره في حياة الإنسان.
رسالتي إلى المعلم
إن فضل المعلم كبير؛ فهو صانع الأجيال، وباني العقول، ومربي النشء، وهو البحر الزاخر الذي ينهل منه الطلاب علمهم، فيرتقون بأنفسهم، ويزدادون علمًا على علم، وخُلُقاً على خُلُق، ولا أدل على فضل المعلم ومكانته من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير»، والتعليم مهمة الأنبياء والمرسلين.
شرف مهنة التعليم
وإن أول ما ينبغي على المعلم أن يستشعره شرف مهنة التعليم، فيقبل عليها بحماس ومعنويات عالية، وإذا دخل الفصل الدراسي كان طاقة فياضة، يتألق في أدائه، ويبتكر في عطائه، ويقدم المعلومة في أحسن حلة، فيقربها إلى الأذهان سهلة ميسورة، مراعيًا الفروقات بين الطلاب، فيحفز المجتهد ليزداد اجتهاداً، ويساعد الضعيف ليرتقي بنفسه، ويلتحق بركب المجتهدين، ويحبب الطلاب في مادته، ويجعلهم يتشوقون إليها، بأساليبه الجذابة، وطرائقه المشوقة؛ فالكلمة الطيبة ذات تأثير كبير، وقد تفعل في نفس الطالب فوق ما يتصوره المعلم من تأثير إيجابي.
أمانة بين يديه
وعلى المعلم أن يستشعر أن الطلاب أمانة بين يديه، سيُسأل عنهم أمام الله -تعالى-؛ «فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، فيبذل غاية وسعه في حسن تعليمهم، واستثمار وقتهم فيما جاؤوا من أجله، فلا يخرجوا من عنده إلا وقد ظفروا بعلم جديد وفهم سديد، فيعودون إلى بيوتهم وقد تفتقت عقولهم، وارتقت أفهامهم، وهكذا في سائر الأيام، يتعهدهم بالعناية والرعاية.
قدوة لطلابه
والمعلم الناجح قدوة لطلابه في كل شيء؛ فهو قدوة لهم في أخلاقه وجميل تعامله والتحلي بالقيم الفاضلة، ينتقي من الألفاظ أحسنها، ومن العبارات أجملها، فيتطبَّع الطلاب على ذلك، فيأخذون من علمه وسمته، ويكونون قدوة لغيرهم برقي أخلاقهم، ويكونون منارات مشرقة في مجتمعاتهم، قال محمد بن سيرين: «كانوا يتعلمون الهدي -أي الخلق الحسن- كما يتعلمون العلم»، وقال عبد الله بن وهب: «ما تعلمت من أدب الإمام مالك أكثر مما تعلمت من علمه».
بناء العقول
إن العصر الحديث يملي على المعلم أن يوجه طاقاته لبناء العقول، وتنمية التفكير الإبداعي والابتكاري والنقدي لدى الطلاب، ليصبح الطالب شريكاً في العملية التعليمية وليس مجرد متلقٍ، وذلك يقتضي من المعلم تطوير مهاراته لتحقيق هذا الغرض؛ فالمعلم الناجح يسعى إلى تطوير نفسه باستمرار، والارتقاء بأساليبه التعليمية، ليقدم للطلاب الأحسن؛ فهو يقرأ ويتابع كل ما من شأنه أن يحقق له هذا الهدف، ولا يرضى بالجمود؛ فالعلم في تطور، والواقع الحديث يواجه متغيرات كثيرة، وبمقدار مواكبة المعلم لهذا التطور يحقق أفضل نجاح، قال سمو الشيخ عبد الله بن زايد -حفظه الله-: «على المعلم الذي يريد أن يواكب العصر أن ينتقل من كونه معلماً يلقي الدروس ويصحح الواجبات ليكون موجهاً يحاور الطلبة، ويبحث معهم ويمارسون أنشطة جماعية تساعدهم في تنمية مهاراتهم وأساليب تفكيرهم».
رسالة إلى أولياء الأمور
أما رسالتي لأولياء الأمور فينبغي أن يستشعروا قول الله - عزوجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم: 6)، ويستحضروا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - -: «كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيته؛ فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته» (البخاري ومسلم).
بذل الجهد
فإذا استشعر الأهل هاتين الوصيتين، فسيقومون ببذل الجهد في تربية أبنائهم، ومراقبتهم في أعمالهم، وتقديمهم بوصفهم نماذجَ صالحة، وقدواتٍ طيبة في المجتمع؛ فلا ينبغي لأولياء الأمور أن يغفلوا عن أبنائهم، والاطمئنان عليهم في دروسهم، وعباداتهم، وتصرفاتهم، وسلوكياتهم؛ فما انتشرت الرذيلة إلا في ظل غفلة من الآباء والأمهات، وعدم الاكتراث بأهمية الدور الذي كلفهم الله به؛ مما يجعلهم يندمون أشد الندم في الدنيا والآخرة.
مدير المدرسة
مدير المدرسة هو القائد التربوي الذي يمثل النظام والأخلاق والشخصيّة القويّة، ويقود المعلمين والطلاب؛ فلابدّ أن يكون واجهة مشرفة وقدوة يفتخر بها الجميع؛ لذلك على مدير المدرسة أن يعلم أن الإدارة نعمة عظيمة، ساقها الله -جل وعلا- إليه، وعليه أن يستشعر عظم الأمانة التي أسندت إليه، ويعلم أن كل من في المدرسة من معلمين وطلاب ومستخدمين قد دخلوا في ذمته، وأنه مسؤول عنهم يوم القيامة؛ فإما أن يفكك عدلك أو يوبقك جورك.
وعليه أن يخلص نيته لله، وليحتسب الأجر منه، ولا ينتظر ثناء من أحد، وليحذر أن تكون نيتك الجاه والمنصب؛ فأنت بمكانتك هذه ستساهم في نشر العلم وفضائل الأخلاق، ستأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؛ لذلك عليك أن تجعل قدوتك القائد الأول وهو (الرسول - صلى الله عليه وسلم -)، وتجعل تقوى الله والعدل شعارك، واعلم أنه إذا فسد الراعي ابتلاه الله برعية فاسدة، وإذا صلح الراعي أصلح الله له رعيته.
أبناؤنا الطلبة
أيها الطالب المثابر استحضر قيمة العلم وشرَفه، ومكانة العالم كيف رفعه الله وشرَّفه؛ فالعلم يُلبسك ثوب الجمال، ويزيّنك بجميل الخصال، ولن تزال في رقي ورفعة ما دام العلم رفيقك، والاجتهاد طريقك، والتفوق هدفك، والتخرج بامتياز غايتك، والعلم خيرٌ من المالك؛ لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والعلماء ورثة الأنبياء، وهم في الأرض كالنجوم في السماء.
فيا ولدي الطالب، ابذل وسعك لبلوغ هذه المنزلة الرفيعة، واغتنم عامك الدراسي الجديد من أوله، ليكون عاماً متميزاً، وكن مثابراً مبادراً، ولا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، وهذه حكمة شهيرة، ولتطبيقها فوائد كثيرة، فاستذكر دروسك أولاً بأول، وأدّ واجباتك دون تأخير، ولا تجعل الدروس تتراكم عليك، فيفوتك قطار التعلم، وقد تدركه بعد ذلك وقد لا تدركه، وتذكّر أن من كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة، ومن جَدَّ وجد، ومن زرع حصد، وأنت إذا بذرت اليوم بذرة، وأوليتها العناية والرعاية، فستصبح غداً شجرة مورقة، وافرة الأغصان والثمار.
مستقبلك كالشجرة
واعلم أن مستقبلك كهذه الشجرة، إن أنت غرست بذورها وسقيتها الآن بالتعلم والتفوق أصبحت غداً شجرة بل شجرات وبساتين، وإن أنت أهملت ولم تبذر فكيف لشجرة أن تنمو من فراغ؟! وكيف لصحراء قاحلة أن تتحول يا ولدي إلى جنة خضراء دون بذل الأسباب؟! فاعمل ليكون مستقبلك جنة خضراء، وابدأ زراعتها من الآن وأنت في أيامك الأولى على مقاعد الدراسة.
احذر الشيطان
واعلم يا ولدي الطالب، أن الشيطان يحرص على أن يُضعف همتك، ويجعلك في مؤخرة الركب، وقد يوهمك أنك ضعيف، وأنه لا مكان لك بين المتفوقين، فاعلم أن كلامه مجرد وهم، لا أساس له من الواقع؛ فقد وهبك الله القدرة، وأعطاك الإرادة؛ فلا تقل لا أستطيع، بل اكسر هذا الحاجز، واعلم أن الإرادة سر النجاح.
لتكن همتك عالية
وقَدْرُ الرجل على قَدْرِ همّته، وفي أعماقك طاقات كامنة، فاغتنمها لتكون مبدعاً، وتبني لك مستقبلاً مشرقاً، وثق بالله -تعالى-؛ فالإمكاناتُ تُكتسَب بالمثابرة، والفهمُ يتوقَّد بالتركيز والمراجعة، والحفظُ يقوى بالتدرب والممارسة، ومن سبقك بالأمس تستطيع أن تسبقه اليوم، بل قد تكون في مقدمة الركب، فإياك أن تلتفت وراءك! بل اجتهد فيما أمامك.
توقير معلميك
واحرص يا ولدي الطالب في مدرستك على توقير معلميك، وأنزل نفسك منهم منزلة المتعلم قلباً وقالباً، وصورة وحقيقة، وذلك لا يكون إلا بأن تعرف لهم فضلهم، وتحفظ لهم قدرهم، كيف لا؟ وأنت تتلقى منهم أثمن العطايا، وأنفع الهدايا؛ إذْ يمدونك بمصابيح العلم، ومفاتيح الفهم، فتستنير في سَيرك، وتهتدي في طريقك.
معاملة زملائك
واحرص يا ولدي على أن تعامل زملاءك أفضل معاملة؛ فأنتم جميعاً أبناء سفينة واحدة؛ فكونوا خير قدوة في التآخي، وابنوا من القيم المثلى صفاً مثالياً، وصرحاً أخلاقياً، وكونوا مضرب المثل في جمال أخلاقكم، ونبل سلوككم، فنبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق».
موضع أمل أسرتك
وتذكر يا ولدي الطالب أنك موضع أمل أسرتك، وثروةٌ لوطنك؛ فكن عند حسن الظن بك، واجعل لنفسك أسمى الأهداف والغايات؛ فأنت تتعلم لترتقي، وتنفع أسرتك، وتبني وطنك؛ وتكون خير سند لقيادتك ودولتك، فأهدافك سامية، وهمتك عالية، والشاعر يقول: «على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ».
لاتوجد تعليقات