رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: عبدالوهاب السنين 6 أغسطس، 2018 0 تعليق

احذر مرض القلب

القلب يمرض ويموت كما يموت البدن كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، ويتحول الإنسان بعد موت قلبه إلى دابة تأكل وتشرب بلا عقل ولا إدراك إلا ما يشتهيه الإنسان من أمور الحياة، ومرض القلب: هو فساد يحصل له، يفسد به تصوّره للحق، وإرادته له، فلا يرى الحق حقًّا، أو يراه بخلاف ما هو عليه، أو ينقص إدراكه له، وتفسد به إرادته له، فيبغض الحق النافع، أو يحب الباطل الضارّ، أو يجتمعان له وهو الغالب، وسُمِّي ما هم فيه من نفاق وكفر مرضًا؛ لكونه مانعًا لهم من إدراك الفضائل.

 

أسباب مرض القلب

هناك أسباب عدة لمرض القلب وموته نذكر منها ما يلي:

الغفلة ونسيان العاقبة

     من أعظم أسباب مرض القلب الغفلة عن الله، والغفلة عن أوامر الله، والغفلة عن اليوم الآخر، فالغفلة عن الله سببها قلة ذكره، وتعلق القلب بغيره من المحبوبات، والغفلة عن أوامر الله سببها عدم الرغبة فيها، وإيثار الشهوات عليها، وتعلق القلب بالهوى والشيطان، والغفلة عن اليوم الآخر سببها قلة المذكر بالموت والحشر، والجنة والنار، قال ابن مسعود: «كفى بالموت واعظا، وكفى باليقين غنى، وكفى بالعبادة شغلا».

     فكثير منا ينسى عاقبة أمره، وأنه لن يُخلد في الأرض، سيأتي يوم وينتهي كما ينتهي الزرع، كما تنتهي المخلوقات من الطير ومن الحيوانات... إلخ، لذلك نقول: على المسلم العاقل أن يتذكر أن هناك عاقبة، وأن هناك حسابا، وأن هناك حياة أخرى تبدأ من بعد موته في البرزخ ثم البعث والنشور، ثم تكون جنة أو نارًا.

إن الموت وإن كان مصيبة إلا أن الغفلة عن تذكره مصيبة أعظم؛ لأن نسيان الموت يصيب القلب بالغفلة والقسوة، ومن أجل هذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأمة بالإكثار من ذكر الموت؛ فقال: «أكثروا ذكر هادم اللذات: الموت».

     ولأن تذكر الموت يجعل القلب في حالة يقظة دائمة؛ فقد كان السلف -رضي لله عنهم- يكثرون من ذكر الموت، هذا الربيع بن خثيم -رحمه الله- كان قد حفر في داره قبرا ينام فيه كل يوم مرات، يستديم بذلك ذكر الموت، وكان -رحمه الله- يقول: لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة لفسد.

     بعكس كثير من أهل زماننا الذين يتضايقون من ذكر الموت بحجة أنه يضيق عليهم معيشتهم ويدخل عليهم الحزن والنكد، والأمر بخلاف هذا، فتذكر أن عاقبة الأمور هي انطلاقة إلى حياة أفضل ونشاط أعظم، وربما تتبدل أحوال الإنسان من حال إلى حال، وهذه المسألة لا تُزعج أبدًا، لماذا؟ لأنها حقيقة واضحة، كل يوم الناس بين قدوم ورحيل إلى هذه الحياة.

التعالي والغرور

     كذلك من الأمور التي تؤدي إلى جفاف القلب: (التعالي والغرور)، وهو داء يصيب صاحبه بالتيه والعجب والغرور، فلا يرى إلا نفسه، ولا يرى فضلاً لأحد ولا مكانة، داءٌ يَصدّ صاحبه عن الحق ويَجرّه إلى المهالك، وقد ابتلي به كثير من الناس، فعميت بسببه الأبصار عن الحق فلا تبصره، وغلفت بسببه القلوب عن الحق فلا تفقهه.

     كيف للإنسان أن يتعالى وهو مخلوق بسيط، لم يكن شيئًا يُذكر بين الناس، ثم أصبح صاحب مال، وأصبح صاحب جاه وصاحب منصب، لكن على المرء أن يعلم أنه مهما عظُمتَ مكانته ومهما علا قدره، فإنه في النهاية سينتهي ويرجع إلى أصله، وهو التراب الذي تطؤه الأقدام كل يوم.

     لذلك نقول: لماذا التعالي والغرور من أعظم أسباب: «جفاف القلب»؟ لأنه يؤدي إلى الطغيان، والطغيان من أكبر الكبائر، وكل إثم عظيم وكبيرة من الكبائر لها تأثير مباشر على القلب، وهذا يؤدي إلى قساوته؛ لذلك ذكر الرب -عز وجل- في قوله على لسان نوح: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً}نوح7. فانظر كيف أدى الكفر إلى الاستكبار، ثم إلى إغلاق مدارك القبول والفهم، فهو لا يُريد أن يسمع شيئا، لا يريد أن يعرف الحق أبدًا، هذا دليل على أن القلب قد أُغلق عليه، وقد أصبح قلبًا قاسيًا متحجرًا؛ فالاستكبار والتعالى طريق لقساوة القلب وفساده، وهذا الأمر لا شك يؤثر على الإنسان في حياته.

سوء الظن

     ومن الأشياء التي تؤدي إلى: (جفاف القلب) مرض خطير تفشى من خلال وجود وسائل التواصل الاجتماعي وهو مرض (سوء الظن) ؛وهو ممّا ابتلي به النّاس بكثرةٍ هذه الأيام حتّى كاد ذلك أنْ يُذهِب علاقاتهم الاجتماعيّة، ويُقطّع أواصر المَحبّة، ويُفشي السّوء والبغضاء بينهم، ولقد حثّ الله -عزّ وجل- على اجتناب سوء الظنّ بالآخرين، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا}.

     وسوء الظّن بالمسلمين؛ هو أن يظّن العبد بأهل الخير، وبمن لا يعلم حاله شرًّا، أي مجرّد تهمة اتهام الآخر من أهل الخير بالسوء، وهذا النوع نهى عنه الله تعالى، والآية السابقة تنهى المسلم عن اجتناب الطريق التي لا تؤدي إلى العلم، وهو الظّن، وطلب تحقيق الظن فيصبح علماً، أي أنّ التجسس وتتبع عورات الآخرين، وذكر الآخرين بسوء وهو الاغتياب لهم، وجاء نهي الاسلام عن إساءة الظّن بالآخرين من غير سبب أو ضرورة؛ لما فيه من الاتهام الكاذب للآخرين، الذي نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عنه.

     وسوء الظن يجعل الإنسان لا يثق بالآخرين، تجد الأصل عنده أن جميع الناس ليسوا على خير، وأن الناس جميعًا على شر، وأن الناس كلهم لا يأتي منهم أبدًا فائدة، وتجد الإنسان دائمًا متوجس يخاف من هذا ويخاف من ذاك، وهذا الفرد إذا كان عضوًا في المجتمع ربما ينتقل المرض إلى غيره ثم بعد ذلك يسود التوجس المجتمع؛ فيحصل الفساد، ويحصل الخلاف والنزاع، ويؤدي هذا إلى الشقاق، وهذه من الأمراض الخطيرة التي إذا تفشَّت في المجتمع فأدت إلى تصدعات وتشققات وخلافات ونزاعات.... إلخ.

مصاحبة أصدقاء السوء

     وهذا السبب من أكثر الأسباب تأثيراً؛ وذلك لأن الإنسان سريع التأثر بمن حوله؛ فالشخص الذي يعيش في وسط يعجُ بالمعاصي والمنكرات، ويجالس أناساً أكثر حديثهم عن المحرمات، ويكثرون المزاح والضحك والنكات وسماع الغناء ورؤية المسلسلات الماجنة، هذا الشخص لا بد أن يتأثر بهؤلاء الجلساء وطبعه يسرق من طبعهم، فيقسو قلبه، ويعتاد على هذه المنكرات.

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه

                                  فكل قرين بالمقارن يقتدي.

كثرة الوقوع في المعاصي

     المعصية ولو كانت صغيرة تمهد الطريق لأختها حتى تتابع المعاصي ويهون أمرها، ولا يدرك صاحبها خطرها، وتتسرب واحدة وراء الأخرى إلى قلبه، حتى لا يبالي بها، ولا يقدر على مفارقتها، ويطلب ما هو أكثر منها، فيضعف في قلبه تعظيم الله وتعظيم حرماته؛ ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «إن العبد إذا أذنب ذنباً نكت في قلبه نكتة سوداء، فإذا تاب ونزع واستغفر صُقل قلبه، وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه؛ فذلك الران الذي ذكره الله -عز وجل-: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.

علاج قسوة القلب

     بعد أن وقفنا على أسباب هذا الداء، نقف على سُبل علاجه، والأسباب التي تجعله رقيقاً منكسراً خاشعاً لخالقه -عز وجل-، يُقبل على الله بعد أن كان معرضا عنه، ويقف عند حدوده بعد أن كان مجترئاً عليها، فنعمة رقة القلب من أجل النعم وأعظمها، وما من قلب يُحرم هذه النعمة إلا كان صاحبه موعوداً بعذاب الله؛ فقد قال -سبحانه-: {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ}، وما رق قلب لله وانكسر إلا كان صاحبه سابقاً إلى الخيرات، مشمراً إلى الطاعات، أحرص ما يكون على طاعة الله ومحبته، ومن أهم الأمور التي تزيل القسوة عن القلب:

- تعلم العلم الشرعي من القرآن والسنة الذي يعين على المعرفة بالله -تعالى- وتوحيده؛ فمن عرف ربه حق المعرفة رق قلبه، ومن جهل حق ربه قسا قلبه، ولا يكون القلب قاسياً إلا إذا كان صاحبه من أجهل العباد بالله -عز وجل- وبحقه في التوحيد وإخلاص العبادة له -عز وجل.

- تذكر الموت وما بعده، من سؤال القبر وظلمته ووحشته وضيقه، وأهوال الموت وسكراته، ومشاهدة أحوال المحتضرين وحضور الجنائز، فإن هذا مما يوقظ النفس من نومها، ويوقفها من رقادها، وينبهها من غفلتها.

- النظر في آيات القرآن الكريم، والتفكر في وعده ووعيده وأمر ونهيه، فما قرأ عبد القرآن وكان عند قراءته حاضر القلب مفكراً متدبرا إلا وجدت عينه تدمع، وقلبه يخشع، ونفسه تتوهج إيماناً من أعماقها، وما تلا عبد القرآن حق تلاوته أو استمع إلى آياته إلا وجدته رقيقاً قد خفق قلبه، واقشعر جلده من خشية الله، قال -تعالى-: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}.

- الإكثار من ذكر الله والاستغفار، فإن للقلب قسوة لا يذيبها إلى ذكر الله تعالى؛ فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله -تعالى-، وقد قال رجل للحسن: يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي، قال: أذِبه بالذكر، قال -تعالى-: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.

- زيارة العلماء الربانيين الصالحين وصحبتهم ومخالطتهم والقرب منهم؛ فهم يأخذون بيدك إن ضعفت، ويذكرونك إذا نسيت، ويرشدونك إذا جهلت، قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}.

- العطف على الفقراء والمساكين والأرامل والمسح على رأس اليتيم.

- بر الوالدين والإحسان إليهما.

- الدعاء والإلحاح على الله -سبحانه.

- وأخيرًا: الإكثار من الدعاء واللجوء إلى الله؛ فقد قال -تعالى-: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك