اعداد: الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان
10 أبريل، 2012
0 تعليق
احذر أن يكون مالك سبب شقائك
تدبروا القرآن العظيم ليدلكم على سعادة الدنيا والآخرة كما قال الله تعالى: {إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (الإسراء: 9)، ولا تعرضوا عنه وتُشغلوا عن تدبره فتحرموا من هدايته كما قال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} (الزخرف: 36 - 37).
نود أن نعيش هذه اللحظات مع سورة قصيرة من كتاب الله نتدبر معانيها، ونتفكر في آياتها لعل الله يوقظ قلوبنا بنورها ويهدي بصائرنا بهدايتها، قال الله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَه كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} (الهمزة: 1 - 9)، توعد الله سبحانه بالويل – وهو كلمة عذاب، أو واد في جنهم – من اتصف بهذه الصفات وهي: الهمز واللمز وجمع المال وتعداده والانشغال به عن ذكر الموت وما بعده، ثم بيّن سبحانه عاقبة من اتصف بهذه الصفات ومصيره الذي ينتظره بأنه سيطرح ويلقى في نارٍ حطمةٍ موقدة شديد حرها، مغلقة الأبواب دائماً وأبداً لا يمكن الخروج منها. بقي أن نعرف تفسير هذه الصفات التي رُتَبت عليها هذه العقوبات الشديدة لنأخذ حذرنا منها.
أما الهمزة: فهو الذي يهمز الناس بفعله، بمعنى أنه يشير إليهم بيده وعينه على وجه التنقص و الازدراء لهم، واللمزة: هو الذي يلمز الناس بقوله فيسلّط لسانه بسبهم واغتيابهم والكلام في أعراضهم، ومن صفات هذا الهماز اللماز أيضاً أنه لا هم له سوى جمع المال وتعديده والانشغال بتنميته، بالنهار يجمع هذا إلى هذا وبالليل ينام كأنه جيفة منتنة، وقد أخذ عليه كل وقته ومع هذا لا رغبة له في الإنفاق في طرق الخيرات: {وَجَمَعَ فَأَوْعَى} (المعارج: 18)، ويظن أن هذا المال سيخلده في الدنيا ويزيد من عمره، ولم يدر أن البخل يقصم العمر ويخرب الديار، وأن البر يزيد في العمر. وقد حمله إعجابه بماله على تنقص غيره فصار همزة لمزة. إن من كانت هذه صفاته – الهمز والانشغال بجمع المال عن الاستعداد للآخرة- سيكون مصيره وخيماً، وعذابه أليماً، سيلقى أسوأ مصير {لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} أي نار تُحطم ما يلقى فيها وتهشمه بقوة.
- والحطمة: هي إحدى طبقات النار
ثم بيَّن سبحانه أن هذه النار لا تتصورها العقول ولا تبلغ شدة هولها الأفهام، فقال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ}؟ استفهام للتضخيم والتهويل، ثم بيّنها بقوله: {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ} فإضافتها إلى الله لبيان عظم شأنها وشدة هولها، وأخبر أنها موقدة دائماً وأبداً لا تطفأ ولا تبرد، {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } {الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ } أي: يصل حرها إلى القلوب لا تقتصر على ظاهر البدن أو أطراف الأعضاء، بل يعم حرها ظاهر البدن وباطنه. ثم أخبر سبحانه أن هذه النار مغلقة الأبواب مسدودة المنافذ فقال: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَة فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} والعمد: أوتاد الأطباق التي تطبق على أهل النار، وتشد تلك الأطباق بالأوتاد حتى يرجع عليهم غمها وحرها فلا يدخل عليهم روح، ولا يخرج منها غم.
إنه إخبار من أصدق القائلين، وتهديد من عزيز مقتدر يقول للشيء: {كٍن فيكٍونٍ} إنه وعيد لمن أعجبته نفسه فاحتقر الناس بالهمز واللمز وأعجبه ماله حتى صار عبداً له، اشتغل به عن طاعة ربه، وحبسه عن واجبه، وصار يظن أنه سيبقى دائماً لهذا المال وسيبقى هذا المال له. لا يفكر في حساب، ولا يخاف من عقاب، ولا يطمع في ثواب، إن هذه السورة العظيمة الكريمة، تحذرنا تحذيراً مؤكداً من هذه الصفات، وتحثنا على الاتصاف بأضدادها من صفات الخير صفة التواضع واحترام المسلمين والكف عن أعراضهم، وإطابة المكاسب وعدم الاغترار بالمال والغنى، والانشغال به عمّا أوجب الله، إن الله لم يحرم علينا جمع المال ومنح الحقوق الواجبة والمستحبة، إنه سبحانه إنما ذم من جمع فأوعى {الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} (الهمزة: 2 - 3)، وأثنى على {مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} (الليل: 5 - 6)، فاحذروا أن تكون أموالكم سبباً في هلاككم وشقاوتكم.
لاتوجد تعليقات