رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سحر شعير 15 يوليو، 2019 0 تعليق

احذروا من أسلوب الحماية الزائدة..!


الكثير من الآباء والأمهات يفتخرون بأن أبناءهم يلازمونهم طوال الوقت؛ فهم لا يفعلون شيئاً دون مساعدتهم! وقد يكون هؤلاء الأبناء قد تخطوا مرحلة الطفولة وأصبحوا على أعتاب الشباب والرجولة، لكنهم لا يستطيعون القيام بشؤونهم بمفردهم كما لا يستطيعون أن يتفاعلوا مع مجتمعهم بطريقة سليمة؛ والسبب هو تلقيهم لأسلوب (الحماية الزائدة) من الوالدين، الذين يجعلون من أنفسهم جدارا صلبًا يقي الأبناء حتى من وهج الشمس ولسعة البرد، فتضعف معرفة الأولاد بأمور الحياة وكيفية التفاعل معها لتمنحهم قوة وصلابة وقدرة على المقارعة.

     ويحسب هؤلاء الآباء أنهم بذلك قد وصلوا لقمة التربية والتفاني في حماية الأبناء وإراحتهم من أي مشقة، وهم في الحقيقة يقيدون الأبناء ويمنعونهم من النمو الصحيح باتباع أحد أشهر الأساليب التربوية الخطأ وهو (أسلوب الحماية الزائدة)، فما أضراره على الطفل؟ وما حدّ الاعتدال في حماية الطفل؟

مظاهر الحماية الزائدة

وهناك مظاهر عدة للأساليب التي يقوم بها الوالدان من الحماية الزائدة لأبنائهم ومن ذلك ما يلي:

التدليل

     ومعناه الاستجابة لكل طلبات الطفل، والتغاضي عما يرتكبه من أخطاء تستوجب العقاب، وهذا الأسلوب في التربية يؤثر تأثيرًا سلبيًا على شخصية الطفل، فينشأ غير قادر على تحمل المسؤولية، وغير قادر على التخطيط لحياته المستقبلية؛ فقد اعتاد على وجود من يقوم بذلك عنه، كما اعتاد على أن يأخذ دون أن يعطي ويصبح أنانيًا، ويفشل في تحقيق التوافق الاجتماعي، ويُعدُّ كل من لا يحقق له ما يطلب عدوًا يخبئ له الحقد والكراهية.

الاتصال المفرط بالطفل

     أي إطالة معاملته بوصفه طفلا رضيعا، فوجود الوالدان بجانبه طوال الوقت وتلبية احتياجاته يجعله لا يستطيع الانفصال عنهم، وهذا بدوره يمنع نمو شخصية الطفل؛ لأنهم بذلك يرسلون للطفل رسالة غير مباشرة بأنه غير قادر على العيش دونهم، وأنه لا يستطيع فعل شيء بمفرده.

منع الطفل من السلوك الاستقلالي

 مثل وضع الطفل تحت رقابة لصيقة من الوالدين، والإفراط في إعطاء التوجيهات، والتدخل في شؤونه باستمرار، واتخاذ القرارات والقيام بالواجبات بدلًا عنه، كل ذلك يمنع الطفل من تحقيق الاستقلال الذاتي.

التأثير السلبي

كيف يؤثر أسلوب (الحماية الزائدة) سلبيًا على الوالدين أيضًا؟

     نعم عزيزي المربي - إنّ للحماية الزائدة نتائج عكسية، ليس على الطفل فقط وإنما على الوالدين أيضًا؛ حيث تخبرنا إحدى الدراسات التي أجريت على 181 من الأمهات اللواتي يتبعن أسلوب الحماية الزائدة، وتبين أن واحدة من كل أربع أمهات تعاني من الاكتئاب، وأن معظمهن يشعرن بأن الأمومة شيء متعب لدرجة الإرهاق، إلا أنهم يتبعون هذا الأسلوب في التربية؛ لأنهم يعتقدون أنّ الحماية الزائدة تشعرهم بالتضحية لإعطاء الخبرات الحياتية للطفل دون أن يتعب هو في اكتسابها..!

النمو الطبيعي

     أعزائي، إن الابن لكي ينمو نمواً نفسياً طبيعياً، لابد له من الشعور بالحرية والاستقلال والإحساس بأنه قادر على تسيير أموره بنفسه دون معاونة الآخرين، وتلك هي المقدمة الصحيحة لثقته بنفسه، ومن ثم قدرته على تحمل المسؤوليات فى مستقبل حياته؛ فالنمو النفسي للطفل هو نتاج محاولاته وتجاربه ونشاطاته التي يبذلها ويصيب ويخطيء حتى يتوصل من تلقاء نفسه إلى نتائج مرضية، تكسبه خبرات سليمة يتمكن من خلالها من خوض رحلة حياته بنجاح وجدارة.

خطوات عملية

وأول الخطوات العملية لتحقيق هذه الغاية هي:

الإعلان أمام الناس

     أعلن لهم وأمام الناس أنهم قد كبروا! كم يثلج هذا الإعلان صدر الابن!.. كم يغذى إحساسه بذاته!، ولنعلم أن إعداد الأطفال ليكونوا أبطالاً يقتضي منّا أن ننشّئهم على خوض غمار المهمات الجادة والأعمال الكبيرة بنفس قوية وعزم لا يلين على تحقيق الغايات والأهداف، ونبث فيهم الثقة ونخبرهم أنهم يستطيعون القيام بتلك المهام، وهذا هو المنهج والسبيل الذى تربى عليه أطفال خير القرون -رضى الله عنهم جميعاً-، فعن عروة بن الزبير -رضى الله عنهما- قال: «إنّ أباه الزبير كان به آثار ضربات فى جسمه ضُرٍبَها يوم بدر، وكان معه - أى مع أبيه - عبد الله بن الزبير يوم اليرموك وهو ابن عشر سنين فحمله على فرس ووكل به رجلاً».  (رواه البخاري/كتاب المغازي:3678).

تحمل المسؤولية

     درّبهم عملياً على تحمل المسؤولية، نستطيع من خلال تفويضنا لأبنائنا فى إنجاز العمل بأنفسهم أن ننقل المسؤولية إليهم، وندربهم عليها، ونعمد إلى تركيز طاقاتهم نحو هذه الأعمال والنشاطات، وتتنوع هذه الأنشطة وتتدرج بحسب عمر الطفل، ولنا فى الرسول الكريم أسوة حسنة، فها هو ذا يعوّد الصبي على النشاط وتحمل المسؤولية، ويأمره بإعداد مائدة الطعام بنفسه، فيكون خادما ومعاوناً لغيره بدلاً من أن يكون كسولاً عالة على غيره، يقول أنس: «قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -– وذلك عند السحور-: «يا أنس، إني أريد الصيام، أطعمني شيئاً»، فأتيته بتمر وإناء فيه ماء، وذلك بعد ما أذّن بلال، فقال: «يا أنس، انظر رجلاً يأكل معي»، فدعوت زيد بن ثابت، فجاء، فقال: إنى شربت شربة سويق وأنا أريد الصيام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وأنا أريد الصيام»، فتسحّر معه فقام فصلى ركعتين، ثم خرج إلى الصلاة»  (أخرجه الإمام أحمد: 12967 وصححه الألباني).

     وقد يقول قائل: فما المائدة التى أعدها أنس؟ إنها تمر وماء! ونقول: ليست العبرة بكثرة الجهد الذي بذله أنس - رضي الله عنه -، وإنما العبرة في المبدأ نفسه، أن يقوم الصبي في هذا الوقت من الليل- وقت السحور- الذي ينام فيه الصبيان، ثم يعد ما تيسر مما رزق الله سبحانه ليطعم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يكون نموذجًا سيئًا للأبناء الكسالى الذين ينتظرون من الأم أن تناولهم الطعام والشراب في غرفتهم!

نموذج رائع

     وهذا نموذج آخر رائع في تدريب الأبناء ومن في حكمهم عمليًا على خوض تجربة البيع والشراء وتلقينهم ضوابطها الشرعية، عن مسلم بن يسار قال: فني علف حمار سعد بن أبى وقّاص -رضى الله عنه- قال لغلامه: «خذ من حنطة أهلك فابتع به شعيراً، ولا تأخذ إلا مثله» – رواه الإمام مالك في الموطأ-.

قواعد مهمة

     ومن القواعد المهمة أثناء تدريب الأبناء على تحمل المسؤولية: الرفق والمعاونة بدلاً من التعجل والمعاتبة، فأحيانًا يكون الدافع لأسلوب الحماية الزائدة هو أن الوالدين لم يقوما بتدريب الطفل عمليا على الأعمال المختلفة لغلبة ظنهما أنه صغير، ولن يستطيع عمل الشيء المطلوب أو لقلة صبرهما على التدريب، ولهؤلاء نهدي هذا الموقف من السنة المطهرة، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: مرّ رسول الله بغلام يسلخ شاة، فقال له: «تَنَحَّ حتى أريك، فإني لا أراك تحسن تَسْلَخ». فأدخل رسول الله يده بين الجلد واللحم فدحس بها (مدها) حتى توارت إلى الإبط، وقال: «يا غلام، هكذا فاسلخ!» ثم مضى، وصلى للناس ولم يتوضأ، ولم يمس ماء. - رواه ابن حبّان فى صحيحه ج 3ح:1163-.

التفويض المتحرر

     وأيضًا ينبغي أن يكون التدريب والتفويض فى المهام متحرراً لا متسلطاً يقيد حركة الطفل، ولا يهيء له فرصة النمو والإنتاجية، بل يقوم على إعطاء الإرادة الحرة للأبناء، ويحملهم المسؤولية، ويركز على النتائج أكثر من تركيزه على الوسائل، ويعطي حرية اختيار الوسيلة التى يريدونها- ما دامت مباحة- ويجعلهم مسؤولين عن النتائج، فيتعلمون من أخطائهم، ويتدربون على إدارة العمل بثقة وجدارة ويستقلون بشخصياتهم استقلالا صحيحا ومتوازنا.

أسلوب خطأ

     وأخيراً.. تذكر عزيزي المربي - أن المبالغة في أي شيء سوف ينعكس سلبًا على نمو الطفل، فالإفراط بالحماية هو أسلوب خطأ تمامًا كالإهمال، وطوق الحماية الذي يفرضه الآباء على أطفالهم ماهو إلا بداية لفشل مستقبلي آت، وعلى الوالدين أن يؤمنا بقدرات طفلهما على التعلم  بطريقة التجربة والصواب والخطأ، ويمنحانه فرصًا كافية لاتخاذ قرارات في حياته، وأن يأخذا رأيه قبل فعل أي شيء يخصه بدلًا من التصرف نيابة عنه ودون علمه.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك