احذروا سخط الله
يحذرنا الله ويخوفنا من أليم عذابه، وشديد عقابه، إذا تمادينا في الطغيان، وغرقنا في العصيان، واستمرأنا المعاصي والذنوب، والناظر إلى واقعنا الحالي يجد أن المعاصي تتزايد، والمخالفات تتكاثر، وآيات الله علينا تتوالى، فكم نسمع من الحوادث، وكم نشاهد من العبر، وكم نرى من العقوبات!، يقول ابن القيم -رحمه الله-: «اقشعرت الأرض، وأظلمت السماء، وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة، وذهبت البركات وقلت الخيرات، وهزلت الوحوش، وتكدرت الحياة من فسق الظلمة، وبكى ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة، وشكا الكرام الكاتبون والمعقبات إلى ربهم كثرة الفواحش وغلبة المنكرات والقبائح، وهذا -والله- منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه، ومؤذن بليل بلاء قد ادْلهمَّ ظلامه؛ فاعدلوا عن هذا السبيل بتوبة نصوح ما دامت التوبة ممكنة وبابها مفتوح، وكأنكم بالباب وقد أغلق، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} (الشعراء: 227)».
والمخيف في الأمر أن العقوبة إذا حلت شملت الجميع، ووقعت على الكل إلا من رحم الله، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أنزل الله بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم؛ فيكون هلاك الصالحين في البلاء هو موعد آجالهم، ثم يبعثون على نياتهم».
فإذا أسرف الناس في الظلم والفجور نزل بهم عذاب الله وغضبه، وحل بهم بطشه وعقابه، وهذه سنة كونية سارية نافذة لا تتغير ولا تتبدل على مر العصور والأجيال؛ فقد يكون العذاب طوفاناً يغمر الناس، أو زلزالاً يزلزل الأرض، أو جفافاً أو أعاصير أو صواعق أو أمراضاً جسدية أو روحية أو قلقاً وحروباً أو تفرقاً وتمزقاً: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (العنكبوت: 40).
إن المجتمع حين يغرق في الشهوات، وتفشو فيه المنكرات، ويألف الوقوع في الموبقات، وتقوم الحياة فيه على الذنوب والآثام؛ فإنه يسقط من عين الله، ويقع في مصارع السوء، ويُنزل الله به العذاب والعقاب: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} (الأنعام: 44).
لقد أثيرت العنصريات والتحزبات، وحورب الدين وأهله، وسُخِر ممن يسعى لإقامته ويطالب بتطبيقه، واستهزئ بهم ونال السفهاء منهم، وكثر الجحود وقل الشكر، ونشأ كثير من الشباب على التقليد والجهل بأمور الدين والأخذ بسفاسف الأمور، ومورست كثير من المنكرات بوضوح وجلاء.
والأخطر من ذلك كله هو أننا ألفنا هذه المنكرات، وقل فينا الناكرون، وتبلدت فينا الأحاسيس، وماتت في قلوبنا الغيرة على الدين، فإذا أَنكر الواحد منا أُنكِر عليه، وإن نصح وصف بالتشدد ووصم بالتطرف، وهذا من أعظم الأسباب التي تغضب الله، وتجلب سخطه ومقته ولعنته، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم -: «إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده».
لقد حذرنا الله -جل جلاله- من أسباب سخطه وبطشه، وحذرنا من نفسه؛ فقال: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} وقال: {إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، وقال: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}، {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}؛ فالله- سبحانه وتعالى-قادر على أن يسلب منا النعم بمختلف أنواعها وأشكالها، فيحل بدلاً منها النقم والمحن والفتن إن لم نتدارك أنفسنا, ونصلح أوضاعنا، ونغير أحوالنا، ونطهر بيوتنا من الفسوق والعصيان.
لاتوجد تعليقات