اتْرُكْ أَحَدَهُمَا تَنَل الآخَرَ!
كثيرٌ مِن الناس يظن أن بمقدوره الجمع بيْن إرضاء الله -تعالى- والالتزام بشريعته، وبيْن تلبية شهواته واتباع أهوائه، فيظل يصارع نفسه ليحقق ما يريد مِن الجمع بيْن أمرين متناقضين: «الالتزام بالشرع واتباع الشهوات والأهواء»، وليس بصانعٍ!
فإن هذا غرور وأضغاث أحلام، بل سيظل في ممانعةٍ، ولومٍ للنفس حتى يغلب عليه أحد الأمرين أو يظل لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء؛ لا هو مِن أهل الدين الخلص الذين هذَّبوا شهواتهم، وألجموا أهواءهم بلجام التقوى، ولا مِن أهل الشهوات الذين انصرفوا إليها ولم يلتفتوا إلى الآخرة.
فحاله كمَن قال:
أهوى هوى الدين واللذات تعجـبني فـكـيـف لي بهـوى اللذات والدين؟!
ولهذا قصة ذكرها ابن الجوزي -رحمه الله- في كتابه (ذم الهوى) أن بعضهم: «كَانَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَنَظَرَ إِلَى امْرَأَةٍ جَمِيلَةٍ فَمَشَى إِلَى جَانِبِهَا، ثُمَّ قَالَ: أَهْوَى هَوَى الدِّينِ وَاللَّذَّاتُ تُعْجِبُنِي، فَكَيْفَ لِي بِهَوَى اللَّذَّاتِ وَالدِّينِ؟
فَقَالَتْ لَهُ: دَعْ أَحَدَهُمَا تَنَل الآخَرَ!».
وهذا ما أرشد إليه النبي -صلى الله عليه وسلم - في نصيحةٍ وجيزةٍ بليغة بيَّن فيها خطأ ذلك الظن، وضلال هذا السعي -ممن يظن أن بمقدوره الجمع بيْن التدين واتباع الشهوات والأهواء-، ووفـَّر - صلى الله عليه وسلم - على كل مَن أجهد نفسه ليصل إلى ما ليس بمقدورٍ عليه ولا بمستطاع! فقال -عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا» (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).
فمَن كان صادقا في طلب الآخرة والحرص عليها فإنه يسعى لها سعيها ويحرص على مرضاة الله -تعالى-، وسيعطيه الله -تعالى- حظه مِن الدنيا هنيئًا موفورًا «بل وأكمل منه»، كما جاء في بعض الآثار: «ابن آدم، بع الدنيا بالآخرة تربحهما جميعًا، ولا تبع الآخرة بالدنيا تخسرهما جميعًا!».
وقال بعض السلف: «ابن آدم، أنتَ محتاج إلى نصيبك مِن الدنيا، وأنتَ إلى نصيبك مِن الآخرة أحوج، فإن بدأتَ بنصيبك مِن الدنيا أضعتَ نصيبك مِن الآخرة، وكنتَ مِن نصيب الدنيا على خطرٍ، وإن بدأتَ بنصيبك مِن الآخرة فزتَ بنصيبك مِن الدنيا فانتظمته انتظامًا».
لاتوجد تعليقات